في حوار قديم منذ عدة سنوات مع الفنان الراحل نادر خضر أجراه هيثم كابو بقناة «هارموني»، حاول خضر سياق دفاعات حول سبب عدم فوز أغنية شارك بها في مهرجان عربي بالأردن، وأن السبب يعود إلى اللجنة وإلى ما هو مدرك من النظرة العربية للفنون والإبداع العربي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية أتذكر ومنذ سنوات طويلة أن الدكتور عبد الله حمدنا الله قال ما معناه إن عمق الإبداع السوداني في القارة الإفريقية يكمن في المنطقة ما وراء الصحراء والساحل، وكان يتكلم عن تجربة واقعية له في المعايشة، وكيف أن مسلسلات سودانية تجد جمهوراً كبيراً في تلك البلدان، ومعروف كذلك انتشار الأغاني كما وردي في بلدان إفريقيا والقرن الإفريقي. يحاول بعض الكتّاب قياس مدى نجاحهم بأن لهم مقروئية في البلدان العربية، وليس العالم العربي لأنه لا وجود لهذا الجسم الجغرافي حقيقة كما أثبتت المآلات الواقعية والسياسية، وهذا منظور ناقص، فالحقيقة أن المصريين مثلاً لا يهتمون بسوى أدب بلادهم ومهما جاءت عبقرية «سودانية» فلن يتم الالتفات لها إلا من قبيل التسلية المؤقتة، فالطيب صالح لم ينل جائزة الرواية التي تمنحها الدولة في مصر إلا في آخر دورة لها وفي آخر سنوات حياته، وبعد أن رفضها صنع الله إبراهيم، وهو مشهد مخز على أي حال، لأن الطيب لم يكن محتاجاً لشهادة مجروحة، ومن يشهد بذلك. قبل أقل من أسبوع نشرت صحيفة «الإنتباهة» حوارا» مع الروائي إبراهيم اسحق أشار فيه إلى عدم الاحتفاء العربي بالمنتج السوداني حتى ولو في الدراسات الأكاديمية، وذكر أن جائزة ما وزعت لأربعين عربياً على الأقل لم يكن بينهم سوداني واحد، ومع نفسي كنت أفكر قبلها بأيام لماذا لم ينلها الطيب صالح أو الفيتوري، وكان يستحقها بأن ينال هذه الجائزة. ألا يعلمون مثلا أن الفيتوري من أكثر شعراء اللغة العربية وليس الشعراء العرب المقروئين في بعض دول آسيا، هو ومحمود درويش، لكننا لا نعلم!! شاعر بقامة الفيتوري حقق فتوحات في السياق الإبداعي العالمي وليس السوداني أو الإفريقي أو العربي.. شاعر لم يأخذ حقه من الدراسة بعد، سواء احتفت به هذه أو لم تحتف به تلك، فالجوائز تظل محمولة على مسارات مدركة سلفاً للمتبصرين. وعلى المبدع السوداني مغنياً كان أم رساماً أم كاتباً أن يدرك أمراً واحداً، أن السودان وحده الآن فيه عدد كبير من المقروئية، في بلد يتجاوز عدد سكانه الأربعين مليون، ولو حصّل الكاتب منهم مليون قارئ فهو أمر عظيم.. من يقرأ له مليون؟! إن المبدع في الأساس يعطي لمجتمعه وبلده وأناسه، ويأخذ عمقه من منهم ومن هويته الذاتية التي هي تقاطع ثر وقوي مع الهوية القومية.