٭ أعلم أنَّ في قلمي «رهقاً» أحاول جاهداً أن أُخفف من وطأته عندما أكتب لئلا يحاجَّني أحدٌ يوم القيامة بأنني ظلمته فيكون مثلي كمثل «المفلس» الذي يأتي يوم القيامة بحسنات كثيرة وقد ضرب هذا.. وشتم هذا.. وأكل من مال هذا.. فيؤخذ من حسناته حتى إذا ما نفدت حسناته أُخذ من سيئاتهم فطرحت عليه.. فطُرح في النار «أو كما جاء في الحديث الشريف» وويلٌ للذي يعطيه الناس مخافة لسانه.. وقد كتبت نهاية الأسبوع المنصرم تحت عنوان «شاش ما شاش» مقالاً وجَّهت فيه نقداً عنيفاً للأداء الذي رأيته بأمِّ عيني في مستشفى الشرطة وسلقتهم بلسانٍ?حاد معتمداً على نظرية «التعلمجية» بأنَّ الشَّر يعم والخير يخص.. هكذا تعلمنا.. ولا تفتقر هذه «النظرية» إلى الأدلَّه الشرعية عند تعريضها على النصوص.. والشواهد كثيرة في الآيات المُحكمة والأحاديث الصحيحة.. «اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول.. » الآيات.. وفي الحديث.. لتأمُرُّن بالمعروف ولتنهُّون عن المنكر أو ليسلِّطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم.. أو كما قال صلى الله عليه وسلَّم. ٭ جمعني لقاءٌ ودي ببعض قيادات الشرطة عقب نشر المقال، فأحسست منهم بعتاب رقيق مع التأكيد بأن هناك بعض السلبيَّات والتصرفات الفردية ما كان لي أن أشمل بها الجميع.. وكان ردَّي بمثل الكلام الذي أوردته في صدر هذا المقال مع الجزم بأن «الرواية» صحيحة تماماً بلا زيادة ولا تحامل، وقد أحدث المقال «في تقديري» الأثر المطلوب، وتجلَّى ذلك في الاهتمام الذي أبدته الجهات المعنَّية بما ورد في العمود، والنقد وتسليط الضوء على السلبيات لم يكن مُضرَّاً في يوم من الأيام، بل على العكس تماماً، وقد قال الخليفة العادل عمر بن الخطاب «ر?م الله إمرئً أهدي إليَّ عيوبي».. ومستشفى الشرطة يشمل برعايته أي مواطن يلجأ إليه ولا يقُصر خدماته على منسوبي الشرطة هذه حقيقة بلا مجاملة.. وقد كان مستشفى ساهرون هو المستشفى الأفضل والأكثر تأهيلاً، وإليه يأوي جميع المسؤولين وطالبي العلاج في المستشفيات الخاصة قبل أن تنافسه على موقعه الريادي مستشفيات «استثمارية» أخرى.. ولا يزال يؤدي دوراً مقدراً في هذه المهمة الإنسانية.. ولكنني ألحظ وجود كوادر مدنية كثيرة العدد في المستشفيات العسكرية.. «الشرطة والسلاح الطبي» وآفة العسكريين هم «الملكية» لأنهم «يفكُّون جُبَّارته?» ويحِّلوا الضبط والربط، وعندها تبدأ «البظوطة»، وهذه تعني أن «العسكري ملكي»!!.. صحيح إن هناك كوادر طبية عالية القدرات والتأهيل تحتاج إليها المستشفيات العسكرية.. وهذه توجد لها معالجة معلومة، إذ يمكن للمستشفى أن يتعاقد بشكل أو بآخر مع أي عدد من الاختصاصيين بمختلف تخصصاتهم ليقدموا خدماتهم الطبية والعلاجية وفق الاتفاق، ولكن ما بال صغار الأطباء ونواب الاختصاصيين؟! وغيرهم من أصحاب المهن الطبية.. وقد كان للسلاح الطبي على أيام النميري طريقة ابتدعها د. عبد السلام صالح عيسى، وهي اختيار طلاب الطب المتفوقين قبل أن يكم?وا دراستهم وتعيينهم ضباطاً أصاغر بالقوات المسلحة، وتصرف لهم رواتبهم ولمَّا يتخرجوا من الكلية بعد.. فما أن يستلموا شهاداتهم حتى ينضموا لصفوف الجيش وينالوا بعد ذلك التدريب اللازم أثناء الخدمة، ويتدرجوا في الرتب المختلفة.. ولا أظن أن الهيكل التنظيمي للشرطة أو الجيش «والمرتَّب» من الضبَّاط يمنع إلحاق هذه الكوادر المؤهلة بالخدمة العسكرية حسب الضوابط المعروفة، فينتظم العمل «بروح الفريق الواحد»، وتسهل عملية الإدارة والسيطرة، ويسود الضبط والربط بلا أدنى حرج.. «عندما تقلِبْ العسكرية». ٭ إن مستشفي الشرطة «مستشفي محوري» ويشكل وجوده في هذا الموقع بالذات وتبعيته للشرطة مسرح إخلاء لمصابي وجرحى حوادث المرور.. وإخلاء لمصابي وجرحى العمليات القادمين جواً لقربه من المطار.. من أي موقع، ولإصابات العمل التي تقع على منسوبي الشرطة.. فضلاً عن عمله بوصفه مستشفى عمومياً وعيادة محوَّلة وجراحة تأتيه الحالات من المستشفيات الطرفية في كل العاصمة وما حولها، هذا غير وظيفته الأساسية في معالجة منسوبي الشرطة وأسرهم بل ومعارفهم على مستوى القطر.. وهذه من الأسباب التي أزعجتني فكتبت ما كتبت.. ولا زلت عند طلبي «عرضحال»?بأن تمتد يد الإصلاح وإعادة التأهيل وإحْكام الضوابط وعسكرة الكوادر وانسياب الإمداد الدوائي ومواد التطبيب الأخرى .. و«زيادة» مرور كبار الضباط الأطباء، وتفعيل النظام الشرطي المشهود له بالكفاءة والانضباط اللذين يتمتع بهما خريجو كلية الشرطة منذ عهد عمنا «تاج السر الباتِرا» رحمه الله.. الذي يُحفظ عنه إنه قال للمجموعة الأولى من الأطباء الذين التحقوا بخدمة الشرطة وأُدخلوا كلية الشرطة للتدريب العسكري.. ولم يعجب عملهم عمَّنا «الباتِرا» وهو معلم بيادة من طراز فريد كنَّا نسمع صوته بالنداء ونحن في منزل عمنا المرحوم عبا? عبد الرزاق معلم التربية بالكلية والمشهور بعباس الكنزي بجوار دار الشرطة الحالي.. ٭ قال الباترا للطلبة الأطباء.. «خَلِّي بالك هنا يا طلبة» إنتو الدكاترة ديل عارفين شنو وقارين شنو؟ غير كتابين واحد حق المرض والثاني حق الدوا؟.. نحنا هنا بنعلمكم.. المشي والحديث ولبس القميص.. وعندنا كل القوانين قانون العقوبات.. وقانون الإجراءات.. وقانون الجنايات.. وقانون الغابات.. وقانون الدفاع المدني.. وقانون الحياة البرية.. وقانون المرور وقانون الكلية دي.. بلاش موت معاكم.. معتدلاً مارش. وهذا هو المفروض.