قال لي صاحبي ان حزب المؤتمر الوطني ظل منذ استيلائه علي السلطة بانقلاب عسكري يبحث عن الشرعية ، فرفع شعار الشرعية الثورية في سنيه الاولى _ وهي ورقة التوت التي غطى بها انقلاب العقيد جعفر نميري في مايو1969 عورة انقلابه على نظام اكتسب شرعيته من ايادي واصابع جمهور الشعب السوداني المنتخب «بكسر الخاء» انذاك ولكنه استولد اتفاقية اديس ابابا 1972 التي حقنت الدماء زهاء العشرة اعوام بين الشمال والجنوب. ثم قيل انه بحث عنها في احزاب التوالي ، احزاب «الفكه» لصغر حجم منتسبيها ولكبر رمزيتها لكنها قاومت الهضم في داخل بطن المؤتمر الوطني. ثم قيل انه بحث عنها في اتفاقية اسمرا مع حزب الامة التي بموجبه انسحب جيش الامة من المقاومة المسلحة وحاول هو ايضا بناء ترسانة من المضادات الحيوية تحمي جداره المتشقق من السقوط بفعل الانقسامات المتعددة بداخله. وقيل انه عمد الى الحركات المسلحة المتمردة فعقد معها اتفاقات بدءا من انجمينا حيث العدل والمساواة و حركة تحرير السودان جناح مناوي بابوجا واتفاقية الدوحة، فهي اتفاقات تنتج واقعا سياسيا وقانونيا جديدا يضفي الشرعية للمؤتمر الوطني . تلت ذلك سلسلة من الاتفاقات المختلفة كان اولها اتفاقية السلام الشاملة وما يتفرع منها، حظيت باكبر عدد من المصفوفات حتى اضحت هذه المصفوفات هي الاصل وذهب عظم الاتفاقية فصارت كجبة الدرويش في تباين الوانها ومذاقاتها السياسية وكذا اتفاقية شرق السودان و اتفاقية القاهرة مع التجمع الديمقراطي الذي يترأسه مولانا الميرغني وسكرتيره باقان اموم. عضد «المتحججون» بسعي الانقاذ للشرعية ببحثها الدائم للتحالفات مع الاحزاب الكبيرة «القديمة» رغم الانتخابات التي جرت حيث حصدت كل اصوات الناخبين الذين لم تشهدها الاجيال الفتية بين سني الرابع والعشرين والثامن عشر ولم تذق حلاوة ممارستها واضافوا الى ذلك موافقتها المستترة على اجراء انتخابات مبكرة. وجدها المؤتمر الوطني اخيرا في الشراكة مع الحزب الاتحادي الديمقرطي الذي يسميه الاهالي في اطراف السودان المختلفة «بحزب التجار نسبة لحرصهم الشديد لخلطهم المال بالسلطة» واخيرا قيل انه اكتسب شرعيته من الشريعة التي رفعها شعارا له ويلف بها جسده كما تتلفح الفنانة حوة الطقطاقة بعلم السودان القديم بمناسبة وبدون مناسبة وهو شعار الحزب الديمقراطي. رد بما ورد بالآتي: الاتراك العثمانيون عندما غزو السودان باسم الجناب العالي لجلب الذهب والرجال اتخذوا من التبشير بالاسلام على نهج السنة شرعية لهم تبرر هذا الغزو رغم انهم ارسوا قاعدة لتجارة الرق وعّبر اهل السودان عن ذلك بقولهم «عشرة في تربة مقابر ولا ريال في طلبة» ومكثوا حتى ثار عليهم المهدي ولكنهم عصموا اهل السودان من مذهب الشيعة. الثورة المهدية اتخذت من فكرة «المهدي المنتظر » كمبرر لها ولا سيما انها فكرة تقوم على الخلاص«ملأ الارض عدلا بعد أن ملئت جورا» فكانت الشرعية التي وحدت السودان ومكنت لمذهب السنة ولكنها لم تدم طويلا لترسي قاعدة راسخة لحكومة مدنية تعكس اسهامهم في الحكم الاسلامي. الانجليز عندما استعمروا السودان بعد غلبتهم على المهدية كانت شرعيتهم محاربة تجارة الرق وألحاق المجتمع السوداني بركب الحضارة المدنية رغم ان الكل يعلم ان الهدف كان نشر المسيحية والكسب الاقتصادي شهادته زراعة القطن وتصدير كثير من الخامات لاطعام مصانعهم ولكنهم ايضا وضعوا دستورا ونظم خدمة مدنية عسكرية وادارية ظللنا نتمسك بها كمرجعية دستورية حتى الآن وكثير من التنمية!!! جاءت الحكومات الوطنية المتعاقبة بعد خروج المستعمر الانجليزي على ذات القالب السياسي بممارسة الديمقرطية كشرعية لوجودها ولكنها لم تملك الارادة السياسية والخبرة والتجرد الوطني فادخلت البلاد في الدورة الخبيثة «ديمقراطية انتفاضة شعبية حكومة مؤقتة انقلاب عسكري ديمقراطية انقلاب عسكري ديمقراطية» بحثا عن دستور دائم للبلاد حتى الآن!! منذ حكومة الزعيم الأزهري الأولى، وانتهاءً بحكومة عبد الله خليل التي سلمها للجيش في نوفمبر 1959م فيما عرف ظلماً بانقلاب عبود، فحكومات الصادق المهدي التي أعقبت حكومة الأست?ذ سر الختم خليفة بعد ثورة أكتوبر 1964م، وأخيراً حكومات الأحزاب في 1986م، التي تسلمت الحكم أيضاً سائغاً من حكومة المشير سوار الذهب الذي تبوأ المنصب إثر ثورة أبريل 1985م. ويلاحظ أن الأنظمة العسكرية بدءاً من عبود في 1964م، فنميري في 1969م، فالبشير في 1989م الاتحاد الديمقراطي برر اشتراكه في الحكومة بشروط تتمثل في ايجاد حلول لازمات البلاد في دارفور ، النيل الازرق، جبال النوبة ، مراجعة اوضاع حقوق الانسان وصيانة الحريات العامة ودعم التحول الديمقراطي ومنع الاعتقال التعسفي واجراء انتخابات برلمانية ومعالجة الاوضاع المعيشية وترميم العلاقات الخارجية ولكن المتحججين قالوا «انما يريد اهل الشمال تمكين انفسهم اكثر فقادة المؤتمر الوطني الحاكمين هم ابناء الختمية والذين يأتون اليهم هم ختمية وابناء الختمية!!!» ولكن نقول بغير ذلك : طائفة الختمية، القاعدة التي يجلس عليها حزب الاتحادي الديمقراطي لها امتداد في داخل قبيلة الفور «اكبر قبيلة في السودان الشمالي» هو امتداد يقوم على دين فيمكنهم لعب دور في تجيير الصراع هنالك . الختمية لهم امتداد في قلوب اهالي تقلي رشاد بجنوب كردفان الذين بدأت تسري في جسدهم قليل من الحركة الشعبية فيمكنهم لعب دور كبير هنالك كما ان بعض الختمية وجدت طريقها الى سكان جبال النوبة فيمكن ان تستجمع ذلك في اتجاه اذابة القبلية وحلها بقبلية دينية ترفع من قيمة معتنقيها. الختمية لها وجود في شرق السودان وقد لعبت دورا محوريا في قضايا مؤتمر الشرق فيمكنها بذات القدح ان تلعب دورا متعاظما في لملمة اطراف الحزب والاسهام بفعالية حتى على الحوار السياسي ومن اراد التأكد من ذلك عليه مراجعة انتخابات عام 1986. في اطار العلاقات الخارجية كان لهذا الحزب والطائفة نعاطف خارجي تشهد به علاقتهم مع المعونة الامريكية في برنامج الشرق وبعض الادوار الخفية التي تلعبها بعض رموزهم في تهدئة الهياج الخارجي الذي يشد ويرخي في التدخل العسكري غير الحميد. هذا لا يعصم الربيع العربي من ان يغشى السودان وهوربيع زهوره وريحانته شباب غض الاهاب لم يسمع بالحزبية فهو لا منتمي سياسيا ولكنه ينتمي الى القضايا التي نادى بها ممثل الحركة الاسلامية الموريتانية في مؤتمر الحركة الاسلامية الذي انعقد مؤخرا حيث قال: 1- التعاون مع الآخر ويقصد من غير المنتسبين للحزب الحاكم 2- قضايا الفقر وما يتعلق بها 3- التمايز القبلي والطبقي 4- الحريات هي قواسم مشتركة لكل للربيعات التي غشيت دول الجوار العربي فهل نحن مقبلون علي حقبة تحمل هذه الهموم شارة في صدرها؟؟؟ اما اننا نركب حمير الضيفان وهو مثل يطلق على كل من لا يميز بين حقه وحق غيره.