حاملا معه مواقفه الناقدة للانقاذ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكرياً، وبمعية والي جنوب دارفور، الدكتور عبد الحميد موسى كاشا، حط إمام الانصار ورئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، رحاله بدار الرزيقات الضعين، المدينة الثانية من حيث الكثافة السكانية بعد مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، بعد حوالى 42 عاماً كانت آخر عهده بالنظارة، التي ربما شكلت أسرة ناظرها الراحل موسى مادبو الأسرة الثانية من حيث النفوذ بحزب الأمة القومي على مدى فترات طويلة، وتعتبر منطقة يتمتع فيها الحزب المعارض بجماهير عريضة. غير ان الإمام الصادق المهدي، والذي تحدث من هناك عن مشكلة دارفور بشكل خاص، وغيرها من القضايا الاخرى، لم تبدُ في حديثه أية أشارات تشير الى كونه بصدد مخاطبة جماهير الحزب بالخصوص، رغم تبسط الرجل «كلامياً» في محاولة منه على ما يبدو لشرح الاوضاع السياسية بالبلاد، وبخاصة دارفور. لكن مُضيّ المهدي ناحية ان دارفور هي جزء من لحمة الوطن التي لا يمكن ان تُقتطع، ووصفه حديث المطالبين بانفصالها، بالحديث الهباء، ودعوته النازحين بكتابة شكاواهم واحتياجاتهم لايصالها للحكومة والمنظمات الدولية، وتشديده على انه لا يتمتع بأية سلطة، لكنه في الوقت نفسه اشار الى حظوته وسط المجتمع تمكنه من الاسهام في ذلك. ومطالبته من جهة ثانية، بضرورة خروج «اليونميد» حال انتهاء أزمة دارفور . ولأن حزب المهدي كان قد اختار موقفاً رسمياً، وهو معارضة حكومة المؤتمر الوطني واسقاطها بالطرق السلمية، ورفضه المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة، رغم الجدل الكثيف الذي صاحب مشاركة نجله العقيد عبد الرحمن الصادق في منصب مساعد رئيس الجمهورية، وتأكيد الحزب انها مشاركة فردية ولا تخص حزب الأمة، الا ان للحزب بابا مفتوحا مع المؤتمر الوطني، يتمثل فيما اصطلح على تسميته ب«حوار حول الأجندات الوطنية». المهدي الذي كان قبل ايام قلائل في اميركا حاملا معه قضايا السودان الساخنة، وحضوره في العام 2009 خطاب الرئيس الاميرك? الشهير، باراك اوباما، بالقاعة الكبرى بجامعة القاهرة بمصر، والمعروف بحديثه وتنظيره اللا محدودين في كافة القضايا، سواء كانت محلية، اقليمية او عالمية، ها هو يعود ليثير الجدل من جديد حول طبيعة ما يقوم به من أدوار، فهل هو يتعامل مع قضايا الوطن من زاوية تأثيره على المجتمع كما اشار، ام من منطلق حزبي، ام ان الذي بدأه أخيراً بالضعين يشير الى دور سياسي يلعبه بمعية المؤتمر الوطني، خاصة بعد ان تبعثرت اوراق اللعبة السياسية بمشاركة الحزب الاتحادي ونجله عبد الرحمن، واصطفاف المعارضة بقيادة « الشيوعي والشعبي» على اسقاط نظ?م المؤتمر الوطني بكافة السبل. ويشير محللون، الى ان رئيس حزب الأمة ، الصادق المهدي، يتصف بالبراغماتية والتردد حيال مواقفه السياسية، فهو ليس بالرايدكالي، الذي لا يغير موقفه السياسي تجاه المتغيرات السياسية، ولا بالمرن الذي يبدو بأنه يمتلك رؤية واضحة، تمكنه من لعب دوره بوضوح وشفافية ازاء الأزمات الحادة التي تستشرف البلاد يوم خروجها منها. الا انه بالمقابل، يقول محللون، ان زيارة المهدي الى الضعين قد تكون ضمن سياق مباركة الولاية الجديدة المرتقبة وتبرير مشاركة نجله للمؤتمر الوطني، وذلك ما قد يضمن الحفاظ على ولاء جماهير الحزب هناك. وعلى ما يبدو.. فان كثيرا من الاسئلة ليست للاجابة، الا ان طرحها بدون شك على الاقل قد يسهم في الاجابة عنها، فرئيس حزب الأمة القومي يتصف بمزاج سياسي مختلف عن كافة رصفائه السياسيين كما يشير مراقبون، وهذا ما لم يعد آنياً، يمثل امرا ذا اثر بحسبهم-، فبعد ان جرت مياه كثيرة من تحت جسر انفصال الجنوب في 9 يوليو الماضي، واللعبة السياسية على مشارف اول حكومة في عهد الجمهورية الثانية كما سماها المؤتمر الوطني، وقوى الاجماع الوطني «المعارضة» ومن ضمنها -حزب الأمة- لم تعد ترى في المؤتمر الوطني صفة واحدة يمكن ان تحاوره بسب?ها، يسير المهدي بسفينة حزبه نحو لا شيء واضح سياسياً كما يبدو، او على الاقل يحاول التماسك جراء ظروفه الحزبية الخاصة كما يلفت المراقبون ذاتهم، فالحزب الاتحادي «الأصل» قبيل موافقته على مشاركة المؤتمر الوطني كان قد وصف نفسه لا بالمعارضة ولا بالحكومة، لكنه اليوم شريك في السلطة وحسب. بالمقابل، هل المهدي شيء وحزب الأمة شيء آخر، وهل ما يلعبه المهدي من ادوار، امر يخصه هو أم يخص الحزب، وما هي الحدود الفاصلة بين ما يلي المهدي وما يلي الحزب، وهل هناك صوت وحراك يعيشه الحزب مؤسسياً؟ قيادي بارز بحزب الأمة - فضل حجب هويته -يقول ان المهدي درج ومنذ امد بعيد على طرح نفسه بصفات كثيرة، وهو يرى - أي المهدي - كما يقول محدثي في حديث هاتفي ل «الصحافة» أمس، انه بكسبه السياسي وتجربته الطويلة الثرة حسب وصفه، ونظرته الخاصة للامور، لا بد وان يختلف عما يراه الحزب كمؤسسة، فالمهدي بحسب القيادي البارز، يضطلع بادوار ثقافية واجتماعية وارشادية من باب امامته للانصار والقبول الواسع الذي يحظى به وسط المجتمع، والكثيرون ينظرون للرجل من جهة اعتداله والحكمة التي يتحلى بها، ويضيف المصدر، لا تداخل بين الحزب والإما?ة، فاذا نظرت للموقف السياسي لحزب الإمة منذ انفصال الجنوب تجده هو هو، لكن ما يتبناه المهدي احيانا من مواقف وقضايا، قد لا يكون امرا متفقا عليه حزبياً، وبالتالي في هذه الحالة تجده يمثل شخصه، من دون تأثير على مواقف الحزب السياسية، ويردف « تأتي زيارته للضعين في هذا التوقيت بحكم عوامل عدة، شخصية وسياسية واجتماعية، ولا ترتبط بأي اجندات مع المؤتمر الوطني الحاكم». فهو حين يقابل ناظر الرزيقات ويتحدث للنازحين في المعسكرات ويطالب بتوفير الامن والحياة الكريمة لمواطن دارفور، هل تعتبر هذه اجندات.. يتساءل القيادي؟!. المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي، الدكتور الحاج حمد محمد خير، يمضي الى ان الاحزاب في اساس تكوينها تعتبر ظاهرة مدنية، وبالتالي تخضع في ممارستها للعمل السياسي الى شروط أساسية تضبط العمل داخلها وتنظمه هذا في العالم المتقدم كما يقول، ويشير في اتصال هاتفي مع «الصحافة» أمس، الى انه في حالة حزب الأمة، فان الطائفة والزعامة الروحية تمثلان أساس العمل الحزبي، فالمرجعية الروحية والدينية تمثل البعد الرئيسي في عمل هذه الاحزاب، ويلفت الى ان زيارة رئيس حزب الأمة الى الضعين هي محاولة من الرجل لتبرير وشرح مشاركة نجله مساع?اً لرئيس الجمهورية، خاصة وان المنطقة تعتبر معقلاً رئيسياً لطائفة الانصار وأسرة الناظر موسى مادبو وجماهير الحزب، ويذهب المحلل السياسي الى ان، الصراع بين المهدي وابنه يمضي بشكل معكوس، فبينما المهدي والحزب يسيران في اتجاه سياسي، يمضي ابنه في الاتجاه المعاكس متدثراً بلباس الطائفية، لافتا في هذا الصدد الى الحالة التي تم التقديم بها لابن رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، جعفر الصادق الميرغني، بمناداته بجعفر الميرغني مباشرة، وهو ما يعتبر غوصاً في جذور الطائفية، اي ان مشاركته كانت على اساس طائفي?روحي. ويؤكد محمد خير ان المهدي ليس باستطاعته فرض اي شيء على نجله عبد الرحمن، الذي يمضي في اتجاه الطائفية منذ ان كان قائداً لجيش الأمة، وابتعاده عن حزب الأمة، الا انه من ناحية اخرى، لم يستبعد المحلل السياسي ان يكون هنالك تبادل للادوار بين المهدي ونجله، ويرى ان المهدي من جهته كزعيم لحزب الأمة وامام للانصار، ورئيسا للوزراء لمرتين يملك من النفوذ ما يجعله صاحب حظوة في المجتمع، ويملك من التأثير ما يستطيع ان يرفع به مطالب البعض للحكومة وغيرها، الا ان محمد خير يشدد على ان كل هذا يأتي في موسم الهجرة الى السلطة على حد قوله.