المهدي فى الضعين.. كواليس زيارة على تماس (الجغرافيا السياسية) (...) هذا ما أحبط كوادر حزب الأمة ما تفاصيل الصراع الخفي بين المهدي والتيار العام فى هذه الزيارة؟! كيف جدد زعيم حزب الأمة معادلاته للعلاقات بين الشمال والجنوب فى ظل حالة الاحتقان؟ قام زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي بزيارة لمدينة الضعين فى مطلع الشهر الجاري واستمرت لثلاثة أيام كانت حبلى بالعديد من المشاهدات. وتنبع أهمية الزيارة الى المنطقة بعد غياب دام لأكثر من ثلاثة واربعين عاماً منذ آخر زيارة قام بها المهدي للمنطقة والتى كانت عام 1968م ومنذ ذلك التاريخ حدثت العديد من المتغيرات والتطورات على رأسها انفجار قضية دارفور وانفصال الجنوب ونشوء أجيال ليس فى اعتبارها توجهات الأحزاب التاريخية، وفى ذات الوقت الخلافات الحزبية التى ضربت بأطنابها أضابير الحزب العتيق لاسيما ماحدث فى مؤتمره الأخير الذى بحسب الكثير من المراقبين قد شهد تصدعا فى بنائه التنظيمي بعد موقف ما يعرف بمجموعة التيار العام منه بالإضافة إلى أن آخر التطورات التى ارتبطت بالزيارة كان موقف الحزب من المشاركة فى السلطة، خاصة بعد مشاركة نجل المهدي فى القصر الجمهوري. يبدو أن رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي مدرك جيداً لكل التطورات وما يحيط بقاعدة حزبه من جماهير الأنصار فظل على مدى ثلاثة أيام فى كل موقف يقدم خلاصة توجهات حزبه ومواقفه فى كافة القضايا ويدفع أحياناً ببعض المبررات تجاه مواقفه. مشهد أول ما أن لامست طائرة رئيس حزب الأمة ووفده المطار الخرساني بمدينة الضعين إلا وأحاط الأنصار بها مستقبلين رئيس الأمة وزعيم الأنصار فى منطقة الضعين ملوحين بأعلام الأمة ذات " الكنداب الأبيض" المميز لها وكان فى مقدمة الحضور والي جنوب دارفور عبدالحميد موسى كاشا ووفده الذى قدم قبيل قدوم المهدي من نيالا لاستقباله وناظر الرزيقات سعيد مادبو ومعتمد الضعين صديق عبدالنبي، قدوم كاشا وقادة الوطني بالمنطقة أضفى على الزيارة الطابع الرسمي وكما هو ملاحظ فإن المؤتمر الوطني لم يعرقل الزيارة كما فى زيارات المهدي السابقة الى مدن البلاد بل عمل بفاعلية على إنجاح الزيارة فرئيس اللجنة العليا للاستقبال محمد احمد برام ينتمي للوطني وأفاد عدد من المراقبين بالمنطقة بأن إذاعة ولاية جنوب دارفور ظلت تبث يومياً ترتيبات الزيارة حتى لحظة خواتيمها، وفى المقابل حضر قادة المؤتمر الشعبي على متن سياراتهم يحملون لافتات ترحب بزيارة المهدي رغم اختلاف الآليات التى يدعو لها حزبهم مع الأمة فى التعامل مع النظام إلا أن أحد قادة الأمة بالضعين أفاد (السوداني) باتفاق أحزاب المعارضة بالمدينة على موقف موحد فى كثير من القضايا فى مواجهة الوطني. مشهد ثانٍ بالرغم من ضآلة الحضور بالمطار فى البداية إلا أن أعداد الحاضرين بدأت فى التزايد مؤخراً، كما أن معظم الحاضرين كانوا من الكهول فى حزب الأمة وظلت شريحة الشباب تسجل غياباً نسبياً وسط الحاضرين بمدينة الضعين الشيء الذى عزاه بعض المراقبين بالمدينة الى عزوف الشباب عن الممارسة السياسية على مستوى الوطن ككل، فيما يرى آخرون أن الغياب يعود الى تراجع الانتماء الى الأحزاب التاريخية والتوجه صوب أحزاب البزنس والحركات المسلحة التى تحقق تطلعات البعض وبنسبة ضئيلة أرجع البعض ذلك الى خلافات الأمة لاسيما وأن معظم الشباب بالضعين يصطفون تجاه موقف " التيار العام " الذى بدوره غاب معظم من ينتمون إليه من حضور فعاليات الزيارة لاسيما القيادي بالحزب وابن المنطقة محمد عيسى عليو الذى ظل موجوداً بمنطقة ابومطارق جنوب الضعين وسط أسرته. مشهد أخير ثمة محطات أخرى وجدت استحسان الجميع تمثلت فى تكريم بعض الأسر وقادة حزب الأمة لاسيما تكريم أسرة ناظر الرزيقات الراحل محمود موسى مادبو كما تم تكريم الناظر الحالي سعيد مادبو وبعض قادة المنطقة وفى اتجاه آخر أثنى البعض على زيارة رئيس حزب الأمة الى معسكر النيم للنازحين بالضعين وبعض الأسر بالمنظقة فى إطار ماسمي برد الجميل حسب حديث بعض قيادات الحزب. سؤال الغياب ابتدر رئيس حزب الأمة حديثه للجماهير التى استقبلته فى ميدان المدينة بالإجابة على التساؤل الذى يسيطر على أذهان الكثيرين عن طول فترة غيابه؟ فقال المهدي فى مستهل حديثه بعد تحيته للجميع إن غيابه لفترة طويلة يعود الى ظروف الحبس والقهر وشبه التقاءه بجماهير الأنصار " بعجال لاقن " وواصل فى حديثه الذى طغت عليه الأمثال الشعبية كعادة المهدي مشبها كيان الأنصار " بطائر الفينيق" الذى أشار إليه بأنه كلما اقتلع ريشه فإنه يبذر مجددا وبطريقة أجمل، وفى ذات الاتجاه حذر البعض من محاولة إعاقة سير كيان الأنصار واستطرد "العاوز يقلع الكيان بيتقلع هو" وليس غريباً طلب المهدي لأنصاره بتعطيل كافة الحواس عدا حاستي السمع والبصر للتركيز على ما يدلي به فدلف الى تقديم رؤى حزبه فى كافة القضايا. دارفور والعدالة سيطرت دارفور على خطابات المهدي فى كافة الأماكن معترفاً بما حدث وقال إن دارفور عاشت مشاكل أمنية كبيرة ويمكن حلها ويبدو أنه رغم إدراكه لكآبة الموقف إلا أنه أراد التبشير ببصيص أمل وقال إن دارفور جارية فى دمنا ولحمنا وأشار الى أن حزبه سعى لعقد مؤتمر لحل كافة قضايا دارفور فى 1989م إلا أن انقلاب الجبهة قطع الطريق، وأضاف المهدي أنه نتجت بعد ذلك إشكالات جديدة بفعل سياسات الحكومة تتمثل فى الإثنية المسيسة وظهور أحزاب حاملة للسلاح ضد الحكومة والمأساة الإنسانية والتدويل الدولي، واعتبر المهدي أن حل تلك الإشكالات يكمن فى ما أسماه بالأجندة الوطنية التى يتبناها حزبه وقدم المهدي روشتة حل حزبه أثناء حديثه لنازحي معسكر النيم بالضعين؛ أشار الى أنها تضمنت إعلان مبادىء يشمل الإقليم الواحد والتعويضات الفردية والجماعية ومشاركة دارفور فى السلطة المركزية بنسبة عدد السكان وإجراء تحقيقات فى الجرائم التى ارتكبت فى دارفور وتحقيق العدالة، معتبراً اتفاق الدوحة بأنه اتفاق مرحلي وليس نهائياً. موقف المهدي ربما يدعم توجه رافضي الدوحة كما أنه رمى بحزمة مقترحات بديلة للحل فى وجه مؤيدي وثيقة الدوحة ستزعزع فى قناعاتهم فى ظل واقع دارفور المستجد يوما بعد يوم ونقده لوثيقتهم التى لا زالت أسيرة لإعلان التشكيل الحكومي الجديد، أينما حل الحديث عن مشاكل دارفور تحظى المحكمة الجنائية الدولية بالحضور. ما نادى به المهدي عن ضرورة التوفيق بين الاستقرار والعدالة يواجه بعسرات الواقع المأزوم بل مضى المهدي من أن عدم القيام بذلك سيضع البلاد فى مواجهة الأسرة الدولية التى ربما لا تبالي الحكومة فى العداء لها فى هذا الموضوع وانتقد ضمنياً موقف الحكومة وجسد ذلك فى مثل شعبي يقول "حردان السوق مافى زول بيرضيهو". خيار قاصر منذ أن وصل الحوار بين الأمة والوطني الى خواتيمه وتوج بعدم مشاركة حزب الأمة فى الحكومة إلا أن النقطة الأبرز هى إصرار المهدي على تواصل الحوارات مع كافة القوى السياسية بما فيها الوطني حيث اعتبر أن خيار المقاطعة " خيار قاصر" وفى رده على سؤال (السوداني) فيما يتعلق بإصرار حزبه على المشاركة رغم وصول الحوار الى طريق مسدود وماهى الآليات التى يبتدعها حزبه فى معارضة النظام، أجاب قائلاً إن حزبه لاخيار له غير الحوار وأن وسائله هى استمرار الحوار مع زيادة جرعات الضغط المدني بل مضى المهدي الى انفتاح حزبه فى الحوار مع كافة المكونات السياسية والحركات المسلحة من أجل الوصول الى ما أسماه بالأجندة الوطنية. التعامل بالمثل ربما تكون خصوصية المكان هى التى دفعت المهدي الى التحدث بعمق عن العلاقة بين الجنوب والشمال لاعتبارات تنبع من متاخمة المنطقة لجنوب السودان خاصة بعد انتقاده لتصريحات وزير الطاقة بعد قرار منع تصدير نفط الجنوب ووصفه لذلك بالحماقة الكبرى، ليتزامن ذلك تحديداً مع اتجاه قبائل البقارة الى الرعي فى حقول الجنوب لذا حذر المهدي من التعامل بالمثل ومنع دخول ما أسماه " البترول الأحمر" وقيام دولة الجنوب بخطوة مماثلة ومنع دخول البقارة من دخول الجنوب تلك المصطلحات التى أطلقها المهدى أصبحت حديث الشارع لدى أصحاب البترول الأحمر بل أثنى البعض على تفهم المهدي لقضاياهم. أحد الأنصار القادمين من البادية قال: " الصادق دا أبوه رباهو فى البادية " وفى مخاطبته للأنصار بدار حزبه بالضعين لفت الى ضرورة التعايش بين الشمال والجنوب والى التفكير مستقبلاً حول إعادة الجنوب عبر كونفدرالية تجمع البلدين. استعداد للاعتذار غياب قادة التيار العام فى زيارة حزب الأمة الى الضعين كان أحد العلامات البارزة لاسيما د. آدم مادبو، كما أن معظم الشباب بالمنطقة الذين ينتمون للأمة اكتفوا بموقف المتفرج فى المشاركة دون الدخول فى تفاصيل الزيارة بل غادر البعض الى زراعته وقريته وقال أحد ناشطي الأمة بالضعين ل(السوداني) إنهم أصيبوا بحالة إحباط من توجهات الحزب الأخيرة. ورغم نفي متحدثي لانتمائه لجماعة التيار إلا أنه أكد على أن (التيار ذاتو) فى طريقهم لمفارقته في إشارة الى معرفته للأنصار والمنطقة التى كانت معقلاً لحزب الأمة وشهدت تراجعا كبيرا ، لافتاً الى أن الزيارة يجب أن تحظى بحضور أوسع للأنصار يمتد الى بحر العرب كما نوه الى غياب "زفة الخيل" المعهودة لدى الرزيقات، لكن المهدي فى حديثه أمام الأنصار بدار حزبه بالضعين لفت فى إشارة ربما تحمل أوجهاً متعددة مفادها أنه مستعد للاعتذار لكل من له موقف تجاهه من أعضاء حزبه، حال ثبوت التعدى عليه بل مضى قائلاً: "خصوصاُ فى المنطقة دي" فى إشارة ضمنية لمادبو وموقفه الشيء الذى وجد الارتياح من الحاضرين، ورغم قيام رئيس الأمة بالضعين المقبول آدم الحاج والسكرتير العام السر جلال وبقية أعضاء الحزب بإنجاح الزيارة إلا أن غياب مادبو ومحمد عيسى عليو ظل بارزاً وموضع تسأؤل لاسيما داخل قلوب من لايدرون خبايا وأسرار الحزب العتيق خصوصاً وأن الأخير "عليو " ظل موجودا بمنطقة ابومطارق التى لا تزيد عن 30 كيلومتراً جنوب الضعين. عد البعض أن ذلك الموقف هو فى إطار تمايز الصفوف داخل الحزب وقادة التيار العام. غير أن قيادات من الأمة نوهت الى أن إقامة مؤتمر للتعايش السلمي بمنطقة ابومطارق بشكل يتزامن مع الزيارة قصد منه إضعاف الزيارة. وقد كشفت مصادر مطلعة بالضعين عن أن بعض قيادات التيار العام طالبت ناظر الرزيقات بعدم استقبال الصادق المهدي، إلا أن الناظر أقنعهم بأن دار الناظر مفتوحة للجميع ولا تغلق أبدا. حضور غياب مشاركة نجل المهدي عبدالرحمن الصادق شكلت محور حديث دائم لجماهير وقواعد حزب الأمة ورغم بيان ابن المهدي وخروجه من حزب الأمة وإعلان مشاركته فى الحكومة باسم القوات المسلحة إلا أن أسئلة كثيرة خيمت على الأنصار بل مضى بعضهم الى مطالبة رئيس الحزب بتوضيح أعمق حيال الموقف الذى اتخذه ابنه. ضم وفد الأمة القومي كل من الأمين العام الفريق صديق اسماعيل ونائب رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر ورئيس المكتب السياسي سارة نقد الله ومريم الصادق والعديد من قادة حزب الأمة والأنصار ورؤسائه بالولايات وقد أقام الحزب ورشة الرباط الإستراتيجي التى شارك فيها أكثر من 100 طالب وطالبة من مختلف بقاع السودان استمرت لمدة ثلاثة أيام فى إطار تأهيل الأمة لكوادره كما التأم اجتماع رؤساء الولايات بالضعين الذى تمت فيه مناقشة وإجازة تقاريرهم وفى ذات السياق كشف عدد من قادة الأمة عن انعقاد الاجتماع القادم لرؤساء الحزب بالولايات فى مدينة كسلا. التخوف الضريبي الضعين حاضرة الرزيقات مدينة مليئة بالحيوية والنشاط التجاري والزراعي بشقية الرعوي والنباتي ورغم تنوعها ووقوعها فى إطار الاقليم المنكوب إلا أنها تتميز بالاستقرار النسبي من الناحية الأمنية والتعايش بين مكوناتها رغم أنها تفتقد للبنيات التحتية ومرافق الخدمات بل إن المستشفى الموجود بها يفتقر الى الكثير من المعدات بحسب حديث أحد العاملين فيه وأضاف أن هنالك غياب تام لتخصصات طب العيون والأسنان وأنه فقط يوجد ثلاثة أطباء اختصاصيين، يتطلع المواطنون فى المنطقة الى ترفيع منطقتهم الى ولاية من أجل تحسين الخدمات ولكن فى ذات الوقت يتخوف البعض من زيادة الأعباء الضريبية وألا تحقق ما يريدون بل تكون مثل تجربة الوحدات الإدارية التى تم ترفيعها الى معتمديات دون تحسين أو زيادة فى الخدمات. هذه التوجسات ربما تفصح عنها الأيام القادمة فى واقع يزداد تأزماً اقتصاديا يوما بعد يوم. تقرير: محمد حمدان هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته