وسط تباين حاد في الآراء يشهد اليوم المجلس الاعلى للحكم اللا مركزي اجتماع مناقشة قانون الحكم المحلي المقترح لسنة 2011 الذي أجازه مجلس الولايات في مرحلة السمات العامة، ورغم ان القانون المقترح حمل عددا كبيرا من التعديلات، غير ان التداول بالمجالس التشريعية بالولايات انحصر في مادة واحدة استحوذت على اهتمام كبير وهي المتعلقة بسحب صلاحيات تعيين المعتمدين من حكام الولايات لتكون في يد مواطني المحلية عبر الانتخاب المباشر، عطفا على منح المديرين التنفيذيين سلطات أكبر تتعلق بالشؤون التنفيذية والمالية والتشريعية. وشهدت المجالس التشريعية بالولايات تقاطعا كبيرا في الآراء حول ما حمله قانون الحكم المحلي المقترح من مواد وتعديلات، خاصة فيما يتعلق بمادة انتخاب المعتمد وسلطات المديرين التنفيذيين، ويرى الرافضون لمبدأ انتخاب المعتمد ان هذا يمثل سحبا مباشرا لصلاحيات وسلطات حكام الولايات على المعتمدين، ويشيرون الى ان ذلك من شأنه جعل المعتمد صاحب سلطات مطلقة لا يستطيع الوالي التدخل فيها وان هذا الامر ربما قاد الى تضارب في الصلاحيات، وانه ايضا سيقود المعتمدين الى التمرد على الولاة، ويعتبرون ان منح المدير التنفيذي صلاحيات واسعة ?ي ادارة الشؤون المالية والتنفيذية والادارية يعني تقليص ادوار المعتمد وتحويله لسياسي فقط دون ان تكون له مهام واضحة، مؤكدين ان القانون المقترح يسلب الولاة سلطاتهم على المحليات ويمنح الاخيرة استقلالية كبيرة خاصة المدير التنفيذي الذي سيكون مسؤولا حتى عن كل شؤون المحلية، ويؤكدون ان هذه المادة اذا تمت اجازتها ستترتب عليها آثار سالبة تقوض الاستقرار بالولايات، وهذا ما اشار اليه عضو مجلس الولايات حامد محمد آدم الذي قال ان رأيه الشخصي يذهب ناحية جعل السلطات كافة في يد الحكام من اجل الحفاظ على استقرار الولايات وللحي?ولة دون ظهور متفلتين، مشيرا في حديث ل«الصحافة» الى ان تجربة مالك عقار اوضحت ان المعتمد اذا تم انتخابه ربما اعتقد انه فوق المحاسبة، وان الوالي لا سلطان عليه، وقال ان التعيين يجعل المعتمد أكثر حرصا على تجويد ادائه وعدم الدخول في صراعات مع حكومة الولاية من اجل الاستقرار في منصبه وفي محليته وانه سينفذ سياسات حكومة الولاية دون خروج عن النص، مؤكدا ان القانون تباينت حوله الآراء، معتبرا ان ذلك ظاهرة صحية تصب في مصلحة تطوير الحكم المحلي. وعلى الضفة الاخرى من النهر يرى مؤيدون لهذه المادة ان انتخاب المعتمد من قبل مواطني الولاية يجعله في مواجهة معهم ومع تشريعي المحلية وهو الامر الذي يدفعه لتنفيذ مطالب المواطنين وليس والي الولاية، ويعتبرون ان اكبر مكاسب هذه المادة المقترحة من قانون الحكم المحلي لعام 2011 ان الدعم المركزي يذهب الى المحلية مباشرة وليس عن طريق حكومة الولاية، ويشيرون الى ان هذا الامر يخول لسلطات المحلية تنفيذ المشروعات التي يطلبها المواطنون، ويقول رئيس المجلس التشريعي للولاية الشمالية محمد عثمان تنقاسي انهم في تشريعي الولاية وبعد?تداول ونقاش مستفيضين اكدوا ضرورة الحفاظ على الصفة الاعتبارية للحكم الاتحادي، مشيرا الى ان وجهة نظرهم ذهبت ناحية الحفاظ على الدستور الحالي، مؤكدا في حديث هاتفي مع «الصحافة» اهمية قيام المعتمد بدور الخدمات وليس التنمية، معتبرا ان القانون الجديد ضاعف من موارد ميزانيات المحليات معتبرا ذلك بالامر الجيد. ويعتبر عضو تشريعي ولاية البحر الاحمر حامد ادريس في حديث ل«الصحافة» ان القانون المقترح اذا تمت اجازته سيكون من افضل القوانين المنظمة والمشرعة للحكم المحلي، وقال ان تنزيل السلطات للمحليات ومجالسها التشريعية يعني تقصير الظل الاداري واستقلالية المعتمد في تنفيذ الاولويات التي يضعها المواطنون والمجلس التشريعي وليس حكومة الولاية، وقال ان وجود مدير تنفيذي من التكنوقراط يسهم في تجويد الاداء، وقال ان تجربة الضباط الاداريين تؤكد هذه الحقيقية، غير ان ادريس تخوف من ان تشوب تطبيق هذا المقترح اذا ما تمت اجازته سلبي?ت كتلك التي صاحبت انتخابات الولاة، مستبعدا ان تأتي الانتخابات حرة ونزيهة، قائلا ان الحكم الراشد يتمثل في ان تنبع القرارات والتوصيات من القاعدة وليس المواطنين. ولكن والي ولاية سنار احمد عباس يستبعد تنفيذ مقترح انتخاب المعتمدين، ويراه في حديث ل«الصحافة» بعيدا ولا يمكن ان يتحقق، مشيرا الى ان انتخاب المعتمد اذا حدث فلن تكون البرامج هي التي ستجذب الناخبين ولن تكون المعيار الاساسي في فوزه، معتبرا ان القبلية والجهوية ستكون هي الفيصل، وقال ان ذلك لا يصب في مصلحة المحليات، مشيرا الى ان الانتخابات ربما تأتي بمن هو مخالف لبرنامج الحكومة، وعاد عباس ليقول ان الامر قابل للنقاش والتداول قبل اجازته. وبصورة غير مباشرة المح والي الجزيرة الزبير بشير طه رفضه لمقترح انتخاب المعتمدين، وطالب خلال الورشة التي أعدتها أمانة حكومته لمناقشة قانون الحكم المحلي المقترح الجميع بالتروي وعدم التسرع في اتخاذ الآراء المخالفة والداعمة لرفض المشروع جملة وتفصيلا لاعتبارات قانونية وسياسية، معتبرا في اشارة لرفض القانون الجديد ان الجزيرة من أكثر الولايات حرصا على تطوير الحكم المحلي مؤكدا نجاح قانون 2006م ومساهمته الواضحة في تحقيق الأهداف المرجوة للمواطن موجها بتكوين لجنة من الأمانة العامة والتخطيط الاستراتيجي والوزراء تعمل ع?ى تضمين الآراء المتباينة ورفع قانون الولاية للعام 2006 كنموذج لمناقشته غدا امام مجلس الحكم اللامركزي خوفا من الدخول في دوامة أخرى مثل الذي أحدثها قانون مشروع الجزيرة 2005م. وفي اتجاه مختلف يعتبر مراقبون ان مقترح انتخاب المعتمد وتوجيه الايرادات مباشرة صوب المحليات من المركز يوضح اعتزام المركز تجريد حكام الولايات المنتخبين من الصلاحيات المطلقة التي يتمتعون بها على الاصعدة كافة، ويعتبر هؤلاء ان هناك حكام ولايات باتوا يتجاهلون توجيهات المركز ويعملون على تنفيذ ما يرونه مناسبا متمترسين خلف حاجز انهم منتخبون من قبل المواطنين، موضحين ان هذه الاستقلالية بدأت تزعج المركز الذي يريد بطريقة غير مباشرة تحجيم صلاحيات وطموحات حكام الولايات، ويشير اصحاب هذا الرأي الى ان هناك الكثير من السلب?ات التي ظلت تصاحب تجربة المحليات خاصة فيما يتعلق بتعيين المعتمدين الذي اشاروا الى انه اضحى خاضعا للموازنات الجهوية والقبلية بعيدا عن الكفاءة، وان المديرين التنفيذيين لا يتمتعون بصلاحيات، ويؤكدون ان نظام الحكم المحلي يحتاج لتغيير جذري وذلك لأن مخرجات القانون السابق كشفت على ارض الواقع افتقار المحليات للتنمية، ورغم ذلك يؤكدون صعوبة اجازة القانون لجهة ان هناك تيارا واسعا داخل المؤتمر الوطني ينادي بالعودة الى نظام تعيين حكام الولايات، وان الرافضين لمبدأ انتخاب الولاة لن يسمحوا بتكرار تجربة تفلت بعض حكام الولاي?ت في سن قانون جديد يفضي الى انتخاب المعتمدين. ويشير المحلل السياسي د. الطيب زين العابدين الى ان هناك ثلاثة مستويات للسلطات وهي الاتحادية والولائية والمحلية، وقال ان حكام الولايات ظلوا يصادرون سلطات المعتمدين، وانهم يتغولون على ميزانيات المحليات وحقوقها في التوظيف وغيرها من حقوق وصلاحيات، وقال في حديث ل«الصحافة»: سلطات المعتمدين وصلاحياتهم واضحة في الدستور ولكنهم لا يمارسونها بداعي سيطرة حكام الولايات المطلقة، مشيرا الى ان ممارسة المعتمد لصلاحياته كافة تتوقف على انتخابه من قبل المواطنين وبذلك يكون ولاإه لمحليته ومواطنيها وليس من قام بتعيينه، معتبرا ان?انتخاب المعتمد من شأنه تقصير الظل الاداري على المواطنين الذين عندما تواجههم قضية سيذهبون للمعتمد وليس الوالي، وعن رفض عدد من حكام الولايات مقترح انتخاب المعتمدين، عبر زين العابدين عن تعجبه، وقال ان ذلك يتناقض مع مطالبات هذه القيادات من قبل ان يأتي الوالي منتخبا، وتساءل: لماذا يكون الوالي منتخبا والمعتمد معينا؟، مطالبا بتقليل المحليات التي قال ان معظم ايراداتها تذهب منصرفات للمعتمد وادارته التنفيذية، ممتدحا مقترح تنزيل الايرادات مباشرة الى المحليات التي اعتبرها اضعف حلقات الحكم في السودان وذلك لسيطرة حكام ا?ولايات المطلقة على مواردها.