[مراجعة البنية والسياسات] على شرف الإعداد للمؤتمر القومي الثالث للتعليم، يتقدم الكاتب بسلسلة مقالات للقارئ الكريم، بغرض إثراء الجدل الدائر حول أوضاع التعليم في السودان، باعتباره النظام الذي يعول عليه في إحداث التغيير وتحسين شروط الحياة. وفر التعليم العالي في العام الدراسي 2009/2010م ما يقارب 400 ألف فرصة للدراسة في سبعة مجالات رئيسة ومجالين فرعيين آخرين. توزعت الفرص على أقاليم السودان بنسب مختلفة في ما يربو على 35 جامعة حكومية وأهلية على مستوى البكالوريوس. فقد وفرت أقاليم السودان الخمسة خارج ولاية الخرطوم، ربع فرص الدراسات الاجتماعية والإنسانية والعلوم، وثلث الفرص في مجالي الهندسة والطب، ونصف فرص الدراسات الزراعية، وثلاثة أرباع فرص الدراسات التربوية في مؤسسات التعليم العالي المختلفة. أما الإقليم السادس، وهو العاصمة القومية الخرطوم، فقد?وفر ثلاثة أرباع فرص الدراسات الاجتماعية والإنسانية والعلوم، وثلثي الدراسات في مجالي الهندسة والطب، ونصف دراسات الزراعة، وربع الدراسات التربوية في مؤسسات التعليم العالي المختلفة. توزعت فرص الدراسة بمؤسسات التعليم العالي بنسبة 54% للدراسات الاجتماعية والتربوية والإنسانية لعدد 210 آلاف فرصة، و31% لمجالات الدراسة الصحية والطبية والعلوم البحتة والتطبيقية والهندسة والزراعة لعدد 120 ألف فرصة، بينما تتوزع بقية الفرص 15% على الدراسات غير المصنفة والخدمات كالتنمية البشرية والتعليم عن بعد والجامعة المفتوحة لعدد 60 ألف فرصة تقريبا. يتباين عدد الجامعات الحكومية والأهلية في تقديم الدراسات في المجالات المعرفية والتطبيقية المختلفة، حيث تقدم 30 مؤسسة الدراسات الاجتماعية، 28 الدراسات الصحية والطبية، 27 الدراسات التربوية، 21 الدراسات الإنسانية، 21 دراسات العلوم البحتة والتطبيقية، 20 الدراسات الزراعية، و 18 الدراسات الهندسية من إجمالي 34 جامعة حكومية وأهلية للعام الدراسي 09/2010م. إلى ذلك نلاحظ أن معظم الجامعات تقدم فرصا في الدراسات الاجتماعية، بينما لا تقدم تقريبا نصف المؤسسات أي فرص في الدراسات الهندسية. وبالنظر للتحديات التي تطرحها برا?ج التنمية الاقتصادية في البنيات التحتية والنهضة الزراعية نجد أن فرص الدراسات الهندسية لا تتجاوز 10%، كما لا تتجاوز فرص الدراسات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني 6% من إجمالي فرص التعليم العالي بالسودان. 1. حجم الدراسات التربوية: تأتي الدراسات التربوية في المرتبة الثانية، تالية لمجال الدراسات الاجتماعية من حيث الفرص التي توفرها مؤسسات التعليم العالي بنسبة 25.9% من إجمالي الفرص على المستوى القومي. قفزت الدراسات التربوية إلى هذه النسبة بجهود جامعة السودان المفتوحة التي وفرت 32131 فرصة إضافية لتأهيل معلمي وزارة التربية من غير حملة المؤهل الجامعي. باستبعاد جامعة السودان المفتوحة نجد أن الفرص التي وفرتها كليات التربية هي «69606» فرصة بنسبة 14% من إجمالي فرص الجامعات الحكومية للعام الدراسي 09/2010م معظمها على مس?وى البكالوريوس ولم تتجاوز فرص الدبلوم 340 فرصة. تقدم هذه الفرص 26 جامعة في 39 برنامجا، حيث تميل بعض الجامعات لفصل برامج إعداد المعلمين حسب المرحلة التعليمية التي يعدون للعمل فيها «الأساس والثانوي». ينفذ هذه البرامج «1768» مدرسا، يتوزعون على المراتب العلمية المختلفة كالآتي: 40 مدرسا لمرتبة الأستاذ بنسبة 2%، 136 لمرتبة الأستاذ المشارك بنسبة 8%، 646 لمرتبة الأستاذ المساعد بنسبة 37%، و946 لمرتبة المحاضر بنسبة 54%. ويغلب على تركيب هيئة التدريس الذكور بنسبة كبيرة، حيث بلغت نسبة الإناث 0.31 على المستوى القومي، مع?وجود فروق حسب المرتبة العلمية كالآتي: تغيب الإناث تماما في مرتبة الأستاذ، وبنسبة 0.12 لمرتبة الأستاذ المشارك، 0.40 لمرتبة الأستاذ المساعد، و0.58 لمرتبة المحاضر. 2. بنية البرامج التربوية: معظم البرامج التي تقدمها كليات التربية هي برامج تستهدف إعداد المعلمين لمرحلتي الأساس والثانوي. بصفة عامة تقتصر البرامج على إعداد المعلمين لتدريس المواد الدراسية التقليدية وهي اللغتين الانجليزية والعربية والدراسات الإسلامية والرياضيات والعلوم الطبيعية كالأحياء والكيمياء والفيزياء والمواد الاجتماعية كالتاريخ والجغرافيا. وتقدم جامعتا السودان والخرطوم برامج لإعداد معلمي التربية البدنية والفنية. ولا تتوفر أية برامج لإعداد معلمين للموسيقى والمسرح والحاسوب. وعلى مدى عقدين من الزمان «1991?2011م» لم يطرأ أي تغيير جوهري في محتوى برامج إعداد المعلمين. كما لم تسجل أي مساع جادة للتنسيق بين مؤسسات إعداد المعلمين ومراكز المناهج وإدارات التعليم على المستويين القومي والولائي، بما يمكن من ضبط جودة التعليم في اكتساب المعارف والمهارات والقيم المرجوة في بناء إنسان المستقبل القادر فنيا والملتزم أخلاقيا. وقد أدى غياب التنسيق، مع عوامل أخرى، إلى حالة من التدني العام في مستوى مخرجات التعليم. 3. توزيع الفرص: تتوزع فرص الدراسات التربوية بنسب متوازنة لأسباب ترتبط بتاريخ التعليم في أقاليم السودان المختلفة. نجد الفرص الأكبر في قطاع الخرطوم بنسبة 33%، يليه القطاع الأوسط 23%، وتتوزع بقية الفرص على الأقاليم الأربعة الأخرى بمتوسط 10% لكل إقليم. إلا أن عدم التوازن الفرص، يظهر بوضوح داخل القطاعات تبعا للجامعة من حيث زمان ومكان نشأتها وحجم ونوع هيئة التدريس. 4. معايير الجودة: مقارنة بالمعايير الإقليمية للجودة، حيث يتوقع ألا تتجاوز أعداد الطلاب منسوبة للمدرس «30: 1» في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، نجد أن السودان لا يستجيب، في المتوسط، للمعيار في الدراسات التربوية «39: 1». مع ذلك سجلت الدراسة فروقا واضحة بين المؤسسات المختلفة. فقد استجاب 12 برنامجا للمعيار، واستجابت 5 برامج لحد ما، ولم تستجب 13 برنامجا للمعيار البتة بنسب تراوحت من «50: 1» إلى «106: 1»، ولم تتوفر بيانات كافية لتحليل البرامج المتبقية. «.ملحق1». 5. سوق العمل: من المؤشرات المهمة التي يوصى بأخذها في الاعتبار، عند تخطيط فرص الدراسة والتدريب في مؤسسات التعليم العالي، مؤشر سوق العمل. يمكن تحديد حجم الطلب في سوق التعليم، بتحليل البيانات المتوفرة في وزارة التعليم العام. فقد بلغ متوسط نسبة عدد التلاميذ للمدرس بمرحلة الأساس للعام الدراسي 08/2009م «36 :1» لعدد 5800829 تلميذا و«161145» معلما، بينما لم تتجاوز النسبة «17: 1» بالثانوي، لعدد «782765» طالبا و«44943» معلما، مع وجود فروق بين الأقاليم والولايات. وبالنظر لحجم التعليم مقروءا مع نسبة استيعاب الفئة العم?ية المقابلة لكل مرحلة، نجد أن نسبة الاستيعاب لمرحلة الأساس «66.1%» مقابل «29.7%» للثانوي، كما بلغ حجم الفصل «47» تلميذا لمرحلة الأساس و«43» طالبا للمرحلة الثانوية. تشير هذه النتائج إلى تناقص مستمر في حاجة السوق للمعلمين، مع تزايد الحاجة لتحسين نوعية المعلمين ببرامج فعالة للإعداد والتدريب. 6. أولوية تعليم اللغات والرياضيات: الهدف الرئيس للتعليم الأساسي على المستوى العالمي هو تنمية مهارات التفكير بالرياضيات والاتصال باللغة. بمراجعة نتائج امتحان شهادة التعليم الأساسي على المستوى القومي، نلاحظ أن اللغتين العربية والإنجليزية والرياضيات هي مواد الرسوب الشائعة في كل الولايات، خاصة في الريف ومناطق التداخل اللغوي والنزوح واللجوء. وقد أدت حركة النزوح من الريف إلى المدن إلى تشكل مجموعات متعددة اللغات في أطراف المدن، تصل أحيانا إلى سبع مجموعات في غرفة الصف الواحد. هذه الأوضاع تتطلب مضاعفة الجهد في إعدا? معلمي هذا الصنف من المدارس للتدريس ليس ثنائي اللغة فحسب «تجربة معهد الخرطوم للناطقين بغيرها»، بل إعدادهم للتدريس متعدد اللغة، بالاستفادة من تجربة البلدان الافريقية التي سبقت في هذا المجال، حيث ما زلنا نقف عند تجربة البلدان العربية التي لا تواجه مشاكل مماثلة. 7. نسونة مهنة التدريس: تشير نتائج تحليل البيانات، إلى تزايد لافت في أعداد الإناث على مستوى اعداد المعلمين وعلى مستوى المعلمين العاملين بوزارة التعليم العام. ففرص البنات تقترب من الضعف لإجمالي الطلاب المقيدين في كليات التربية. وعلى مستوى وزارة التعليم العام يكاد يتساوى عدد المعلمات مع المعلمين في التعليم الثانوي «0.98» ويزيد في مرحلة الأساس إلى مقابل نسبة «1.58». هذه النتيجة تشير إلى أن مهنة التدريس تتجه نحو النسونة، ما يفرض تحديات تتعلق بالتدريس في المناطق الريفية والنائية وتكدس المعلمات في مدارس المدن. فف? ظل التقاليد التي تحد من عمل المرأة بعيدا عن محيطها الأسري وتزايد أعداد المعلمات بوزارة التعليم العام ووسط الدارسين في كليات التربية، ومع طبيعة التوزيع السكاني، حيث يسكن أغلب السكان في المناطق الريفية والنائية، يتوجب اتخاذ حزمة إجراءات لمواجهة التحدي المهم بتوفير معلمين للمناطق الريفية والنائية. من الإجراءات المناسبة إعادة توجيه برامج إعداد المعلم لتأهيله للعمل في الريف «تجربة معهد بخت الرضا 1934م». ومن المداخل الأخرى تغيير المفاهيم التقليدية التي تربط المرأة بالعمل في محيطها الأسري، بالإضافة إلى تحسين شر?ط العمل في الريف بحوافز مناسبة، مع النظر في تحديد حجم الفرص المتاحة لكل نوع. 8. إعادة هيكلة كليات التربية: على الرغم من ارتباط مشكلة تدني مستويات مخرجات التعليم، بمدخلات العملية التعليمية الأخرى كالمناهج وحجم الفرص والبيئة المدرسية، إلا أن نتائج مسح آراء المعنيين بالتعليم تشير إلى أهمية تجاوز تدني المستويات برفع قدرات المعلم. وتتطلب أي عملية جادة لإعادة تأهيل المعلم وتدريبه إعادة تنظيم كليات التربية. من السياسات التي حان الوقت لتطبيقها، إعادة بناء كليات التربية لتتحول لكليات للآداب والعلوم تؤهل الطالب معرفيا في المواد الأساسية بعمق أكبر. فتحول كليات التربية إلى كليات للآداب والعلوم?يعني جودة تأهيل المعلم في المادة الدراسية. ويستكمل تأهيل المعلم بإعداده اللاحق في العلوم التربوية وتطبيقاتها، في مراكز متخصصة للتأهيل الأساسي والتدريب المتقدم في مستويات متعددة من الدبلوم العام إلى العالي والدراسات العليا. ويراعى في إنشاء المراكز توزيعها جغرافيا لترتبط بأوسع دائرة من الإدارات التعليمية والمدارس.