* رويدك أيها القارئ تمهَّل فلا تظنن بي الظنون.. ولا تحسبنّ إنني قد إنضممتُ لمطالب المعارضة المنادية «بإلغاء القوانين المقيِّدة للحريات» مثل قانون الأمن الوطني.. أو قانون الجنايات.. أو قانون النظام العام.. أو قانون تنظيم الأحزاب.. أو قانون الصحافة والمطبوعات.. أو غيره.. فما من « قانونٍ» في طول الدنيا وعرضها إلَّا وهو مقيِّد للحريات لأن القوانين تؤسِس للنُظُم. وتنظيم أي شئ يضبط التصرف في ذلك الشئ بقواعد محددة، تبدأ من النظام داخل البيت إلى نظام المدرسة من مراحل الأساس وحتى الجامعات كلها تقيِّد المنتسب إلي?ا بقوانينها وإلا اكتنفت الفوضى كل شئ من الطابور والدخول للفصول إلى تلقي العلوم والجلوس للإمتحان فيها والإنتقال من فصل إلى فصل ومن مرحله إلى مرحلة.. إلى الحياة العامة المرور.. والسكن.. والتملك.. والسلوك الشخصي.. فلولا القانون لما كانت هناك جريمة أصلاً.. «إذ لا جريمة بلا قانون».. والدولة التي تحترم نفسها إنَّما تحترم قوانينها ومؤسساتها.. فتصبح دولة مؤسسات.. ويسود العدل بسيادة القانون فكل الناس أمام القوانين سواء.. وما المحكمة الدستورية إلا إستدراكٌ على أي قرارٍ يخالف الدستور أبو القوانين.. وما هيئة المظالم و?لحسبة العامة إلا لجبرالضرر وإزالة الغبن بالنظر في ما وراء الأحكام القضائية النهائية دون المساس بنهائية تلك الأحكام.. ونحن في بلادنا نتمتع بقضاءٍ عادل ومستقل في فصل واضح بين السلطات نظرياً وعملياً.. * بيد أن هناك ضرورات.. والضرورات تبيح المحظورات.. والتي قد تستدعي إجراءات إستثنائية «كإعلان حالة الطوارئ مثلاً « والتي توجب تعطيل بعض القوانين والعمل بقانون الطوارئ ريثما تنجلي الحالة التي أوجبت إعلانها.. ثم تعود الحياة سيرتها الأولى.. وهذا إجراء دستوري وقانوني وتقدَّر كل حالة فيه بقدرها ينظمها الدستور والقوانين.. وكمثال فقد أنشأ القرار الجمهوري رقم (61) لسنة 1999م والقرارين رقم (362) و (363) لسنة 2001م «وحدة تنفيذ سد مروي» ثمَّ بدا للقائمين على الأمر بعد ما رأوا العقبات أو «الآيات» أن يستبدلوا تلك القر?رات بقرار آخر يحمل الرقم (217) لسنة 2005م لإنشاء وحدة بديلة لوحدة تنفيذ سد مروي تسمى «وحدة تنفيذ السدود» وتتبع لرئاسة الجمهورية وإليها تؤول جميع الممتلكات الثابتة والمنقولة وحقوق وإلتزامات وحدة تنفيذ سد مروي وبكل كوادرها والعاملين فيها وحقوقهم. * وقد إستدعت الضرورة أن تُستثني «الوحدة» من بعض القوانين «المقيدة لحريتها» وهي قانون الخدمة العامة.. وقانون معاشات الخدمة العامة.. وقانون الصندوق القومي للتأمين الإجتماعي.. وقانون محاسبة العاملين.. ولائحة الإجراءات المالية والمحاسبية.. وقد تبيَّن لنا بالممارسة والمشاهدة والبيان العملي النجاح الباهر الذي حققته «الوحدة» وأولها إنشاء سد مروي وتمديد الخطوط الناقلة للكهرباء وتعبيد مئات الكيلو مترات من الطرق المسفلتة.. وإنشاء الجسور الكبيرة على مجرى نهر النيل الذي لم يكن يعبره جسر من شمبات وحتى السد العالي بأ?وان.. فدالت دولة البنطون.. وإنشاء أكبر مطار بمواصفات عالمية «على الإطلاق» في مروي.. حيث تعربد «السفَّاية» عليه صباح مساء.. وإنشاء مستشفى بأحدث المواصفات في مروي.. يقف اليوم شاهداً على عجز القادرين على التمام.. وما لا يحصى من «الزُلُطة» الداخلية.. جمع ظلط.. والعديد من المشروعات الزراعية وغيرها من المشروعات المصاحبة للسدود وهذا من الاختصاصات التي منحها القرار «للوحدة» والتي يحق لها كذلك التصرف في عائداتها بنص القرار.. هذا غير المشروعات الكبرى الأخرى مثل تعلية خزان الروصيرص وإنشاء سد أعالي نهر عطبرة وسيتيت.. ?ل هذا وغيره لم يكن ممكناً لولا إستثناء الوحدة من «القوانين المقيَّدة للحريات».. ولما كان دوام الحال من المحال فقد إنتقل المدير التنفيذي للوحدة «أي الرئيس الأعلى لها حسب منطوق القرار» والذي يختص بالإشراف الكامل على جميع الأعمال الفنية والإدارية والمالية للوحد. إضافة إلى سبعة بنود أخرى.. إنتقل المدير «المؤسس» وزيراً لوزارة الكهرباء والسدود في تطور طبيعي ومنطقي ومستحق.. وصدر قرار بتعيين مدير تنفيذي جديد «مترقياً» للوحدة.. وبقي سؤال!! هل سيخضع الوزير لصلاحيات المدير التنفيذي فيشرب من نفس الكأس التي سقى منها ال?زراء إستناداً على صلاحياته غير المحدودة؟ أم سيستعلي على المدير التنفيذي «الجديد» بحسبانه عرَّاب الوحدة «وأبوها الروحي» وشيخ المنسوبين لها والعاملين عليها؟؟ ويواصل نهجه على طريقة «أقرا يا.....» * وفي ظل هذه «الشربكة» عَنَّ لي أن أدعو لإلغاء هذه «القوانين» المقيَّدة لحرية العمل الجاد والاستثمار.. وهو أهون في ما يبدو من الدعوة إلى تعديل القرار الجمهوري في بعض مواده.. فما عجزعنه الدكتور عوض أحمد الجاز وزير الطاقة والتعدين بخطابه بتاريخ 19 يناير 2006م فلن يحققه مقال في صحيفة سيَّارة بعد مرور ست سنوات على مطالبة رجل في قامة عوض الجاز.. وقد أسعدني أن أرى الدكتور عبد اللطيف الحمد رئيس الصندوق الكويتي يمد إقتصادنا بالمزيد من القروض لإنقاذ السدود في حفل مشهود ويقف خلفه وزير الكهرباء والسدود. وهذا هو المفروض