واجه جيل الاستقلال اختباراً صعباً غداة الاحتفالات باعلان الاستقلال . كانت النخبة الحاكمة مواجهة آنذاك بقضية الاتحاد مع مصر الذي التزمت به ، وهي تخوض انتخابات نوفمبر 1953م ? ثم جاءت أحداث اول مارس 1954م وهي التي فتحت ابواب العنف السياسي في السودان ، وإن غيرت مجرى التاريخ السوداني ، ثم اكمل الدائرة اقصاء اللواء محمد نجيب من رئاسة الجمهورية المصرية ، والذي اعتبره البعض ضمانة لوحدة مصرية سودانية لما عرف عن اللواء نجيب من علاقات متميزة بكل الأطراف السودانية . وواجهت النخبة الحاكمة في عام 1955م حملات الاعلام المصري ، ثم جاء تمرد الجنوب في أغسطس 1955م ، ومؤامرات الانجليز لعرقلة مسيرة السودان ، ثم جاء الانقسام في الحزب الوطني الاتحادي واسقاط حكومة السيد اسماعيل الأزهري ، وقيام حكومة جديدة برئاسة عبدالله خليل ائتلف فيها حزب الأمة مع حزب الشعب الديمقراطي حتى قيام الانقلاب العسكري في نوفمبر 1958م . وهذا هو المناخ السياسي آنذاك ... كان هناك تيار اسلامي يسعى لاقامة الدولة على أساس اسلامي مشبعاً بأفكار الأخوان المسلمين ? وتيار يساري أممي نشط في أوساط المزارعين والعمال والطبقة الوسطى في الحواضر ? وتيار الجمهوريين الذي قدم رؤى متقدمة حول الفيدرالية ? وجاءت حركات القوميين العرب منذ عام 1960م ? وكانت هناك في كافة التيارات يميناً ويساراً اجتهادات فكرية لم تتبلور في فلسفات واضحة محددة المعالم ... ويعزى ذلك الى عدة عوامل منها ضعف حركة التأليف والنشر ، غياب مناخ الحريات والذي يغلق الأبواب أمام الاجتهادات ومن أمثلة ذلك حل الحزب الشيوعي ? منتصف الستينات ? محاكمة البعثيين والجمهوريين في الثمانينات ? اغلاق بعض دور النشر ومصادرتها في التسعينات .. وسيادة الرأي الأحادي ، واغلاق منابر التعبير ? وسيادة الخطاب الاعلامي الموالي ... والطريق الى تحقيق الاستقلال الفكري يتمثل في اطلاق الحريات ، وتمكين المفكرين والكتاب من اقامة منابر مستقلة ، وأن تصبح وسائل الاعلام منفتحة على الآخر ، وحق الآخر في أن يكون حراً .