لاحظت انني ظللت محتفيا بالعام 2012 منذ مقدمه على نحو خاص ومنذ يومه الاول بدت نفسي تعيش حقيقة ان عاما جديدا قد اطل على وجدان مليء بالاحزان والتعقيدات والامل. لقد بدا لي اني سأنضم مجدا الى مهنتي في الاعلام الثقافي ناشرا، وان فيه ستتاح امامي فرص اوسع للتحدث مع المبدعين الذين ظلوا يثرون الوجدان السوداني ويجعلونه اكثر تماسكا، في ظروف غاية في القسوة وتدهور مريع في البيئة الانسانية.. وان فيه احتمال ما لتجاوز شقاء التعامل مع اشخاص ينتمون الى العمل العام ومن خلال منابره يوسعون الوجدن بأقذع ألفاظ السباب، باسم دين السماحة والخلق الحسن، دين الاسلام.. عشمي ان يكون العام 2012 عام سلام واستعادة مبادرة لدارفور، لكردفان الجنوبية، للنيل الازرق، للمناصير.. ولكل مظاليم السياسات الاستعمارية الغاشمة.. وان يكون ايضا عام بداية كف الاذى والاعتذار من الخرطوم، مع بداية جديدة، يكفي انها اتاحت لقلوب غليظة ان تجعل من التوتر نمط حياة في السودان، وان تجعل من نصوص الدين مطية لظلم الناس العاديين الجميلين حقا.. احلم ان يكون العام الجديد مشوار صدق «وعمل شاق» وكلمات مضيئة لتعميق قدرات المثاقفة بين اهل السودان من اجل بناء ذات عادلة.. ولكل وسائله ورسائله والتي منها: (2) رسالة للجامعة الأهلية بوسام الإنجاز.. وصلتني ضمن اعضاء مجلس امناء الجامعة الاهلية، رسالة من مديرها بروفسير كرار أحمد بشير العبادي ينسب فيها الفضل في منح الجامعة وسام الانجاز لاعضاء المجلس وكل مؤسسات الجامعة، وهو يشيد بتلك الجهود اذ يقول (بتوفيق من عند الله تعالى قامت الدولة ممثلة في رئاسة الجمهورية بمنح الجامعة وسام الانجاز تعبيرا لجهد صادق وبذل خالص وتواصل وعطاء في سبيل ارساء قيم الحق و العدل والعمل الانساني التنموي في مجالات التعليم.. والذي كان من نتاجه تأسيس الجامعة تتويجا لمسارات التعليم الاهلي في السودان).. هذه فرصة سانحة لتقديم الشكر لرئيس الجمهورية اذ انه بذلك قد رفع من شأن الجهد الوطني في مجال التعليم الاهلي خاصة لأهميته ورمزيته في بناء الامة، ويبقى هناك جهد آخر مطلوب لشكره ايضا، وهو ان يباعد ما بين الطلاب والعنف غير المثمر، الذي اضحى مظهرا مألوفا في مداخل الجامعات، لقد اصبح الشباب من حاملي العصي الغليظة والسيخ بوجوه مغطاة بقطع القماش وهم مندفعون بحماس غير ضروري لضرب وايذاء الطلاب منظرا مألوفا وهم ليسوا وحدهم بل خلفهم تأتي سيارات تحمل قوات شرطة...! انها ليست احتفالات تنكرية بل جزء من مظاهر العنف الذي تحميه الدولة، وهذه اضافة لأصوات بادرت في هذا الاتجاه. (3) رسالة الي عبدالدائم .. أُوحَال مِنْدَى اطلعت على رسالتك الغاضبة التي بعثت بها الى صديقنا المكاشفي (الصحافة 9 يناير 2012) ومن دنقلا الولاية الشمالية، تحث فيها المكاشفي للكف عن تمجيد خليل ابراهيم الذي قتل مؤخرا.. وانت تؤكد ان خليل قتل العزل والابرياء في القرى الوادعة في كردفان ودارفور ، وان الكتاب الاسود الذي حارب المؤتمر الوطني على اساسه يضارع (بروتوكولات حكماء صهيون) في السوء، وانه يمثل قيم عدائية لذانك الانسانية الثقافية الاقليمية (فالذين يعنيهم خليل في كتابه لم يبغوا على احد ولم ينهبوا مال احد، ساهموا عن طيب خاطر في نشر العلم والثقافة في كل ارجاء الوطن دون من او اذى....).. انني اتفق مع المكاشفي انه اتاح امامك فرصة التعريف برأيك.. اذ اسفت كثيرا ان يترع الوجدان الدنقلاوي الآمن بالغضب والخوف، والتمترس لتشجيع النزاع. ربما لا تعرف يا عثمان.. انه تم اعتقالي في 19 ديسمبر 1989م، امضيت بضعة اشهر في سجن شالا بالفاشر، وكان المرحوم خليل يومئذ مسؤولا تنظيميا وامنيا في نظام الانقاذ، واستجوبني ضمن مسؤولياته المتعددة ايامئذ ، بيد اني لم اغضب منه وما كنت اشك في نواياه.. وكنت اصفه بالنظام الشمولي والديكتاتوري وتحمل كل منا مسؤوليته الاخلاقية حتى تكشفت له حقائق غيرت من مساره.. واعتبر نفسه انه كان مخدوعا وجاءت ردوده بغضب وثورة ماحقة.. التقيته في ألمانيا وكان يومها يعد نفسه للمواجهة دون اعلان طلب الى الانضمام اليه باعتباري معارضا للنظام.. كنت واضحا معه ، ان المعارضة دروبها كثيرة ، ولكني لم اتخل عنه كمواطن سوداني اكتشف حقائق عن منظومة المركزية الاستعمارية وهكذا عندما دخل في نزاع مسلح مع المؤتمر الوطني نزاع معترف به دوليا.. وقفت في صلب العملية السلمية مع الآخرين لتطوير ادوات النزاع سلميا بين الاطراف عبر التفاوض والحوار... واليوم اوافق المكاشفي انه كان رجلا شجاعا وان قُتل، وصاحب ارادة وان اختلفت الرؤى معه، والذي لا يعرفه الكثير من السودانيين عنه ان قبر جده السلطان عبدالرحمن فرتي كان ابرز المعالم لترسيم الحدود بين السودان وتشاد. عزيزي عبدالدائم.. ان رسالتك اعطتني ملامح لتداعيات جديدة للأزمة السودانية في دارفور.. لقد اصبح بوسعها ان تزيد التوترات.. ولكن علينا بالحوار ان نتجاوزها .. انه علينا ان نساعد السودانيين في هذه الرقعة من افريقيا ان يعيشوا كما كانوا متنوعين ولكنهم متعايشون.. والحوار اكثر مشقة من لغة السلاح ، لا تستعجل يا عثمان فدارفور مليئة بالدناقلة.. وبالمحس.. والآخرين من جذور وسط السودان، وبهم جميعا ستعود دارفور رائعة وجامعة كما كانت.. ومبادرة ورائدة كما ستكون في لمِ الشأن السوداني... وسترى ذلك مع الايام وفي سياق استكمال العملية السلمية بين كل الاطراف. (4) رسالة الى وزير العدل.. بيئة العدالة اولا: في سياق تطبيقات وثيقة الدوحة، ورد في الاعلام ان وزير العدل السوداني قد اتخذ اجراءات عدلية ضرورية بتعيين مدعي عام للمحكمة الخاصة بدارفور.. وبرغم مرارات النزاع في دارفور، فانها خطوة يباركها الوجدان الدارفوي.. باعتبار ان زمانا جديدا على وشك ان يطل بوثيقة الدوحة ، ولكن فيما يبدو ان الوقت والمسافة ما بين استقرار قيم العدالة والاجراءات ما تزال متباعدة. ان سيادة الوزير والمستشارين بوزارته يدركون ان النزاع المسلح والسياسي في الاقليم لم تكتمل تسويته برغم الارهاصات الموجبة لذلك .. لعل من ابرز الارهاصات القبول الواسع للسلطة الاقليمية ولرئيسها د. التجاني سيسي، بيد ان المواطن يكتفي بالتطليع ان تدخل السلطة الاقليمية مدخل طمأنينة من جور وفساد الاجهزة السياسية والادارية الراهنة وان تعلن ان دافور ما تزال امكانية التعايش بين مكوناته ثم اعادة تأهيل وانعاش مبكر ومشاريع تنمية انسانية اولا.. وان تكون السلطة صوت مطالبة بحقوقهم المادية المهدرة والقابلة للهدر باسم الامن وباسم دعم السلطة وباسماء متعددة اخرى يعرفها المواطن الدارفوري وهو في القاع عاجز... ايضا يتطلع الدارفوريون ان تكون السلطة الاقليمية منبر نداء مثابر لاستكمال السلام من خلال نماذج بناءة من الحوارات والانجازات تجذب القادة الآخرين في الحركات المسلحة لموائد التفاوض بما يحقق سلاما شاملا. اما العملية العدلية برغم غور المآسي في النفوس.. فان الاستعداد لها يجب ان يكون متأنيا وصارما حتى لا يفلت مجرم من العقاب، خاصة ان مجتمع دارفور القائم على العدالة تاريخيا يسمح ان تطول فترة الاستعدادات ولكن نريدها جادة وصارمة وحقيقة حتى لا تكون المحكمة فرصة لطمس معالم الجُرم، او من خلالها تصفي الخصومات ولا تصل الى العدالة..! ولعل زيارة النائب الاول لرئيس الجمهورية الى كبكابية مؤخرا قد شهد فيها انماط فوضى منتهكي الحقوق الاساسية ، ففي ظل الفوضى التي شهد طرفا منها لن يتوقع الوجدان السليم اجراءات تضمن العملية العدلية. (5) زالنجيون.. بوثيقة الدوحة: التقى بعض رموز مدينة زالنجي القديمة وسط دهشة الشباب، وتحدثوا الى انفسهم مجددا من خلال ذكريات الستينات والسبعينات بمنزل الوجيه عبدالله الطيب الهادي، بمدينة الفتيحاب امدرمان، وبدعوة كريمة منه، وكان بينهم التيجاني سيسي كواحد من ابناء زالنجي وسط الاعمام والعمات والاخوة الكبار والاخوات والزملاء والاجيال الصاعدة كانت الدعوة تمثل القاعدة الاجتماعية الاقتصادية لزالنجي السيدات حيث كنت ضمن تلاميذ مدرستها الاميرية الوسطى.. كان جو العشاء مفعما بمشاعر الحب والتقدير.. وتحدث كثيرون من القلب.. متذكرين ومحذرين ومتطلعين ومؤيدين لوثيقة الدوحة من خلال وجود التجاني والذي طلب الي محمد أحمد الشايب وكان الاخير ضمن قائمة متعلمة ان يتحدث نيابة عنه لأهل زالنجي ولم ينس ود الشايب ان يقول ان السلام في دارفور يبدأ بزالنجي وتجويد وحدة البلاد تتأكد بدارفور، وان الرئيس القادم للبلاد ولخيرها قد يأتي من دارفور..