مفاجأة.. أرض الصومال    البرهان: لن نقبل هدنة ما دام الدعم السريع في شبر واحد من السودان    معتصم جعفر يعقد جلسة مع المدرب وقادة المنتخب ويشدد على ضرورة تحقيق الانتصار    رونالدو بنشوة الانتصار: المشوار لا يزال طويلًا.. ولا أحد يحسم الدوري في منتصف الموسم    انطلاقًا من الأراضي الإثيوبية..الجيش السوداني يتحسّب لهجوم    الصادق الرزيقي يكتب: البرهان وحديث انقرة    الأهلي مروي يستعين بجبل البركل وعقد الفرقة يكتمل اليوم    عبدالصمد : الفريق جاهز ونراهن على جماهيرنا    المريخ بورتسودان يكسب النيل سنجة ويرتقي للوصافة.. والقوز أبوحمد والمريخ أم روابة "حبايب"    الوطن بين احداثيات عركي (بخاف) و(اضحكي)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الخرطوم وأنقرة: من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    الإعيسر يؤكد الدور الفاعل والاصيل للاعلام الوطني في تشكيل الوعي الجمعي وحماية الوطن    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسؤولية المثقف ودوره
نشر في الصحافة يوم 17 - 01 - 2012

يوم الاحد 8/1/2012م قدم الخبير الوطنى الاستاذ علي جماع تأملات حول واقع الاحوال فى دار المسيرية، وذكر أنها تأملات رجلٍ غاب عن دار اهله لاكثر من اربعة عشر عاماً، ثم عاد ليجد ان تغييراً كبيراً قد طال حياة الناس شمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن هذا التغيير قد أثار شجونه وجعله يلجأ إلى البث المفتوح ليشاركه اخوانه المشاعر المختلطة التي انتابته وهو يجوب دار المسيرية، رغم أن الوقوف بالديار والبكاء عليها عادة قديمة عند البدو من لدن إمرئ القيس:
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
وعنترة بن شداد
فوقفت في عرصاتها متحيراً
أسلُ الديارَ كفعل من لم يذهلِ
لَعِبَتْ بها الأَنْواءُ بعد أنيسها
والرَّامساتُ وكل جونٍ مسبل الى المتنبي
بُليت بلى الديار إن لم أقف بها
وُقوف شحيح ضاع فى التُربِ خاتمه
وعلي جماع ولا شك واحد من هذه السلالة التى تُحب الترحال «الرحيل عز العرب» لكنها مع ذلك تحن الى الديار وتبكى عليها «الفرقة حارة تبكى البهايم، خى نعيمة قال العمير ما دايم »، فلا غرابة إن وقف جماع وبكى بكاءً مكتوما، لكنه لم يقف على الديار ويبكيها وحسب وإنما وقف مع نفسه وحاسبها كذلك، ولم يشاء أن يقف وحده كما فعل الكثيرون من قبله الذين بكوا وأعياهم البُكاء وتحركوا فأعيتهم الحركة كما قال احمد الصالح صلوحة، لذلك جاء الى دار المصارف متكئاً على الدبيلو ليتقاسم الشجون والأحزان والتأملات مع آخرين، وقال وهو يعلق على التغيرات الكثيرة التى لاحظها وأنه لا ينبغي للمثقف ان يترك الأمور تمر كما هى دون تدخل منه، ثم اورد عدداً من الملاحظات التى سجلها بقلم الخبير المحائد الذى يزن الامور بموضوعية وتجرُد، فكانت ملاحظاته عميقة وعلمية ومُحائدة، وأصبحت سبباً لإمطار المنصة بعدد هائل من طلبات الحديث، وعجز مدير الندوة البروفيسور الدبيلو عن توفير فرص زمنية كافية لطالبى الحديث رغم الحرص الذى ابداه على مشاركة اكبر عدد ممكن من الحضور، واختتم علي جماع حديثه بطرفة وإقرار، اما الطرفة فمتعلقة بسؤاله لأحد البدو الذى صادفه يتنقل بماشيته فى بادية المسيرية، حيث سأله علي جماع عن وجهته ولماذا عبر خط عشرة؟ فبادره البدوي بسؤال مضاد وما هو خط عشرة؟ اجاب جماع انه خط لاهاي، وهنا اجاب البدوى بكل تلقائية وبراءة لا لا لا أنا لا شفت خط لاهاى ولا مررت به ولا قطعته، لقد انتابني شُعور مزدوج من الحزن والرهبة والإشفاق على المجتمع الذى ننتمى اليه ويكاد يعيش خارج حركة الاحداث اليومية رغم كثرة المتكسبين باسمه، مجتمع يضيق الفرد فيه ذرعا بمتابعة التفاصيل، وينزع للنتائج النهائية مباشرة، ويستعد لأن يدفع أغلى الاثمان للوصول لهذه النتائج حتى لو كان الثمن هو الحياة نفسها. قال أحد البدو من الحوازمة يعلق على نتائج تحكيم لاهاى حول أبيى: «المسيرية غلطانين الزول بقرته ما بربطها للشريعة.. أبيي دى يموتو فيها ما يمرقوا ابدا» والحديث فيه رفض لمبدأ التحكيم نفسه واستعجال للنتائج، أما الإقرار الذى انتهى اليه الاستاذ علي جماع فى حديثه فهو: «إن مسؤولية المثقف اى مثقف هى إشاعة الوعى بين الناس»، وانا اتفق معه وأشعر ان رأس السوط قد وصلنى مباشرة وألهب ظهرى مثلما ألهب ظهور الكثيرين من النخبة التى تدعي الثقافة وتجلس فى قاعة اتحاد المصارف لتستمع الى حديث علي جماع، لقد انتصبت امام عينى مباشرة الآية القرآنية الكريمة «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» البقرة/143 ورجعتُ مكتبتى متلهفاً أراجع رسالتين كنت قد قرأتهما كُتبت فى الربع الأخير من القرن الماضى، الأولى للعلامة مالك بن نبي بعنوان «دور المسلم ورسالته فى الثلث الاخير من القرن العشرين» والثانية للشهيد الدكتور علي شريعتي بعنوان «مسؤولية المثقف» قال مالك رحمه الله:
«حدد الله دور المسلم بصورة عامة في قوله تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً»، وهذا الدور خطير ولا بد من لفت الانظار إليه، وهو من اختصاص الفقهاء والحقوقيين، لأنهم يعرفون شروط تزكية الشهادة والشاهد من الناحية العقلية والأخلاقية معاً. وبذل مالك في هذه الرسالة وفى محاضرات اخرى كثيرة، جهداً كبيراً ليعرف معنى الشهادة ويفرق بين الشهادة بمعناها التقليدى الذى يعني مراقبة الاحداث وتدوينها وروايتها عند الطلب كما يفعل شهود المحاكم، وبين الشهادة بمعناها الواسع العميق الذى يعنى الحضور الفاعل فى الاحداث والتأثير فيها، وهذا يعنى ضرورة ان تكون للشاهد رسالة ودور، وضرورة أن يكون الشاهد حضورا بين الناس يلامس حياتهم اليومية ويؤثر فيها. واعتقد ان هذا هو ما ذهب اليه جماع وهو ينثر كنانته لاخوانه فى دار المصارف لتوظيفها فى إحداث التغيير المطلوب، أما لماذا كان الحديث موجهاً للصفوة والنخبة الذين نسميهم مثقفين؟ فذلك من وجهة نظرى شعور بمسؤولية المثقفين وواجبهم تجاه مجتمعهم، وقد جاء فى حديث صحيح أن رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال: «لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع: عنْ عُمُرِهِ في ما أفناهُ وعنْ جسدِه في ما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيم أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ». وهذه ما يمكن ان نسميها عناصر المسؤولية فى الاسلام، ولا شك ان النُخبة التى شهدت حديث دار المصارف حول واقع الحال فى دار المسيرية تملك الكثير من هذه العناصر التى تضعها تحت المساءلة، والشيء بالشيء يذكر، وأنا اطرح بعض الافكار حول مسؤولية المثقف ودوره لا بد من بعض الفذلكة حول تعريف المثقف فى اللغة والمصطلح، فكُتب اللغة ومعاجمها توضح إن جذر كلمة مثقف وثقافة هو: ث ق ف، ولهذاالجذر معنيان رئيسيان متباينان في اللغة العربية: الأول: ثَقَفَ: قال الفيروز أبادي: ثَقَفه: أي صادفه أو أخذه أو ظفر به وأدركه. وبهذا المعنى جاء قوله تعالى: «فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم» والثاني: ثَقِفَ يثقَف، وثَقُفَ يثقُف، ثَقْفاً وثَقَفاً وثقافة: صار حاذقاً خفيفاً فطناً. ومنه: ثَقِفَ الكلام: حذقه وفهمه بسرعة وثَقَّفَ الرمحَ: قوَّمه وسوّاه وثقَّف الولد: هذّبه وعلّمه. وثاقفه مثاقفةً: غالبه فغلبه في الحذق. ويبين ابن منظور في لسان العرب أن معنى ثَقَفَ: جدّد وسوّى، ويربط بين التثقيف والحذق وسرعة التعليم. ويعرف المعجم الوسيط الثقافة بأنها «العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب فيها الحذق» أما ابن خلدون فينتقد الذين لا يمعنون النظر فى احوال المجتمع وظواهره انتقاداً لاذعاً قال فى المقدمة ص4 «لم يلاحظوا اسباب الوقائع والاحوال ولم يراعوها، ولا رفضوا ترهات الاحاديث ولا دفعوها، فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح فى الغالب قليل، والغلط والوهم نسيب للاخبار وخليل، والتقليد عريق فى الادميين وسليل، والتطفل على الفنون عريض طويل، ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل، والحق لا يقاوم سلطانه، والباطل يقذف في شهاب النظر شيطانه، والناقل انما هو يملى وينقل»، كما يصف ابن خلدون منهجه فى كتابة التاريخ بالحذق والإجادة المقدمة ص 5 «ولما طالعت كتب القوم وسبرت غور الأمس واليوم، نبهت عين القريحة من سنة الغفلة والنوم، وسمت التصنيف من نفسى وانا المفلس أحسن السوم، فأنشأت فى التاريخ كتاباً، رفعت به عن احوال الناشئة من الاجيال حجاباً، وفصلته فى الاخبار والاعتبار باباً باباً، وابديت فيه لأولوية الدول والعمران عللاً واسباباً »، هذا ما كان فى اللغة العربية عن الثقافة والحذق، أما في اللغة الإنجليزية، فكلمة culture تترجم إلى العربية على أنها الثقافة والتهذيب والحراثة، وقد يعطونها أحياناً معنى الحضارة، وجذرها cult ومعناها: عبادة ودين، ومن مشتقاتها cultivation ومعناها: حراثة، تعهد، تهذيب، رعاية، و cultural ومعناها ثقافي، مستولد، ونلاحظ أن معناها في الإنجليزية لا يخرج عن معناها في العربية غير أنه يضيف مصداقاً آخر من مصاديقها وهو حراثة الأرض. وفى اللغات الاوربية ترد كلمة Intelligentsia كاسم مصدر والصفة منها Intellectual واصل الكلمتين معا هو Intellect او Intelligence وتعنى الفطنة او الذكاء او قدرة الادراك والفهم والاستنتاج، ومنها اشتقت ال «سى. اى. ايه» وكالة المخابرات المركزية central intelligence agency وهى وكالة امريكية حكومية لجمع المعلومات وتحليلها ومعالجتها وتقديمها لجهات مختلفة، ويعمل فيها ذوو القدرات العقلية العالية، فى اللغة الفرنسية مرادف كلمة ثقافة هو :clairvoyant ومعناها بعيد النظر أو مستنير ويفكر بوضوح وسعة افق ويميز عصره والارض التى يقف عليها، فالثقافة شيء لا يكتسب بالشهادات الاكاديمية والالقاب العلميه، إنها شيء مختلف متعلق بالنباهة والوعى بالمسؤولية تجاه المجتمع، فرسول المسلمين الى بلاط كسرى لم يكن حاملا لالقاب علمية رفعية، لكنه كان يعرف دوره ومسؤوليته ورسالته «لقد أتينا لنخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والاخرة ». يقول الشهيد على شريعتي فى رسالته «النباهة والاستحمار» ص 8 : «ان إعطاء العالم العناوين والالقاب البارزة كالدكتور والمهندس والبروفيسور وامثالها من الالقاب لحالة مؤلمة جدا فيما اذا كان فاقداً للفهم والنباهة والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والزمان وحركة التاريخ التى تأخذه معها»، والاسلام حساس جدا تجاه التفاعل مع حركة الحياة اليومية، وفى الحديث «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لن يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان». وفى رواية أخرى: وليس وراء ذلك مثقال خردل من الايمان، او كما قال رسول الله «ص»، والمغزى هنا هو إثبات الفعالية للمسلم ونفي السلبية عنه، وفى القرآن «وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى» وفى سورة النمل قالت نملة «يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده»، فهذه الآيات تشير الى اهمية الفعالية والمبادرة وتستهجن السلبية، «قال ما لي لا أرى الهدهد». ونحن نثمن مبادرة جماع وتأملاته رغم انه حصرها فى دار أهله المسيرية التي جابها بعد غياب طويل وتفحص التغيرات التى طرأت عليها، لكن ارجو ان انبه الى ان التغيرات التى يتحدث عنها جماع ليست محصورة فى دار المسيرية، انها طالت كل حزام التماس الممتد من ام دافوق غربا حتى الكرمك شرقا واصبح يمثل حدودنا الجنوبية التى ينبغى لنا ان نوليها اهتماما خاصا ونولى جنوب كردفان النصيب الاوفر من هذا الاهتمام، حيث القت هذه التغيرات بظلال كثيفة على المنطقة وفرضت تحديات كبيرة على الجميع، ومعروف ان التحديات تخلق الإبداع إذا ما ووجهت باستجابات مناسبة. وكل حضارات العالم الكبيرة كانت نتيجة لاستجابات ناجحة لتحديات عظيمة، وهذه التغيرات ولدت حراكا سياسيا كبيرا، وانتظمت جنوب كردفان حركة مذكرات ومذاكرات عديدة انصبت على واقع الولاية، وبالطبع نال مراجعة الوضع الادارى ومنهج احمد هارون فى الحكم وغياب مؤسسات الشورى والحكم النصيب الاكبر من المداولات والحوار، غير ان بعض قصيرى النظر اصحاب الغرض والمصلحة الخاصة اختزلوا الامر فى صراع على المناصب والكراسى، وراحوا يروجون للوالى بأن هنالك مؤامرة كبرى لإزالته عن منصبه، واخرجوا بيانات ركيكة المعنى والصياغة، وسيروا الوفود التى يظنون انها تجد عند الوالى القبول، وتوجه لمن يريد ان يتحدث عن احوال الولاية إنذاراً، ونحن بالطبع نجد لهم العذر كما ذكرنا فى مقالنا السابق «قبل الوقوع فى الخزان» فالحكم كما قال ابن خلدون فى المقدمة ص154 :«الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية، فيقع فيه التنافس غالبا، وقل أن يسلمه احد لصاحبه الا إذا غلب عليه فتقع المنازعة وتفضى الى الحرب والقتال والمغالبة وشيء منها لا يقع الا بالعصبية». والحرب التى وقعت فى جنوب كردفان يونيو الماضى ومازالت مستمرة وقعت بسبب التنازع فى الحكم، لكنها طالت حياة الناس فى جوانبها المختلفة، وشملت النواحى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا بد للنخبة ان تشارك فى رؤية ادارة الازمة وصناعة المستقبل، ولا ينبغى أن تكون للوالى حساسية تجاه الآراء المستقلة التى تُطرح حتى لو كانت معارضة لنهجه فى الحكم. وليتذكر ان الخليفة عثمان بن عفان صاحب فضل فى الاسلام، فهو من اوائل المسلمين ومجهز جيش العسرة الذى قال عنه الرسول «ص» «ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك» وزكاه «ص» بقوله عثمان رجل تستحى منه الملائكة، وهو ذو النورين واحد المبشرين بالجنة، ورغم ذلك عندما تولى الخلافة وحكم ثار عليه الناس وحاصروه وقتلوه بسبب سلوك حاشيته وبطانته مثل مروان، ومروان وقت الخليفة كان رجل واحد شوه سمعة الخليفة، لكن المروانية اليوم اصبحت ظاهرة، وبكل اسف يصنعها الولاة انفسهم ويرضى الوالى بدور المروانية التى تحجبه عن عامة الناس وتزين له الانفراد بالرأي.. هل تصدقوا ان مذكرة قيادات جنوب كردفان المزعومة التى ملأ البعض بسببها وسائل الاعلام بالضجيج والهتاف والتطبيل للوالى، لم تكن فرصة للتواصل مع هذه القيادات والاستماع الى آرائهم حول ما يدور فى الولاية؟ مما اتاح الفرص لتعدد المنابر التى تتناول الازمة فى جنوب كردفان، وما المنبر الذى انعقد فى دار المصارف واختص بقضايا دار المسيرية الا واحدة من دوائر كثيرة تناقش اوضاع جنوب كردفان الآن، وقد علمت ان الحزب الحاكم قد سير لجنة لتقييم الاوضاع فى الولاية تكونت من واجهات عديدة تمثل القطاعات، تمهيدا لاقرار مشروعات قومية للتعامل مع أزمة جنوب كردفان، وهذا امر محمود لأن هذه اللجنة سوف تكشف ما ظللنا نتحدث عنه، واخيراً لا بد من تصحيح أمر مهم هو أن من خرج من الولاية من ابنائها لاى سبب من الاسباب لا يصح عزله عن قضاياها وهمومها، كما يخطط من تعرفونه فى لحن القول، بل التاريخ يؤكد ان المشروعات التغيرية الكبرى قادها المهاجرون عن الارض، وذلك لسببين، الأول هو أن المهاجرين هم الفئات الثلاث الاولى الفاعلة حسب تقسيمات علماء الاجتماع، حيث يقسم علماء الاجتماع فئات المجتمع الى خمس فئات هى: 1/ المجازفون 2/ المتبنيون الاوائل 3/ الاغلبية المبكرة
4/ الاغلبية المتأخرة 5/ الجامدون.. بل كل الرُسل من لدن سيدنا محمد «ص» الى موسى عليه السلام، كانت الهجرة إحدى محطات حياتهم، فلا يمكن أن ينقطع المهاجرون عن هموم وطنهم لمجرد هجرتهم منها، الا إذا كانت فى الأمر حاجة في نفس يعقوب. والسبب الثاني هو أن الهجرة والخروج عن الدار كانت دائماً فرصة لاكتساب مزيدٍ من العلم والاطلاع على تجارب جديدة، وأنا ادعو جميع ابناء ولاية جنوب كردفان للاضطلاع بدورهم بوصفهم مثقفين ومستنيرين، ويشاركون فى صياغة مستقبل الولاية والسودان عموما. وعلى الاخ أحمد هارون والي جنوب كردفان ان يمد جسور التواصل معهم، ويستمع الى وجهة نظرهم حتى لو كانت لا ترضيه، وألا يساهم فى عودة ظاهرة المروانية من جديد.. ولنا عودة.
* مركز دراسات التماس
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.