باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    العربي يكسب الاتفاق في دورة الفقيد معاوية الجميعابي بالإنقاذ    قوات الدعم السريع تطلق سراح اثنين من أبناء شقيقة البشير اعتقلتهم من قرية صراصر    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مابين مطرقة الحرب وسندان البؤس
القطاع الغربي بشمال كردفان..حال يغني عن السؤال

لم يهبط الذين قاموا بالهجوم المسلح على شمال كردفان وشرق دارفور من السماء ولم تنشق عنهم الأرض!. ولهذا السبب فإن السؤال الذى هم الجميع وإنشغل بالإجابة عنه هو: من وراء هذه الأحداث.
وقد تابعت البرامج التى تبارت وسائل الإعلام فى تقديمها عن الحادث فوجدت أن معظمها يدور حول هذا المعنى: من الجانى؟. وسمعت إجابات ونظريات لم تقدم لنا إجابة.. بل أدخلتنا فى متاهة!.. وقد تكون مهمة الخروج من هذه المتاهة مسئولية الدولة بالدرجة الأولى.. فهى الجهة المسئولة عن كشف مرتكبى هذه الأحداث والتعامل معهم غير أن ذلك لا يعنى أن التعامل مع القضية بأكملها يقع على عاتق الدولة.. فما حدث يؤكد أن الإرهاب يشن علينا حرباً فى شمال كردفان فهل هناك إسم آخر لما يحدث؟!
الهجوم على المناطق الغربية من الولاية المجرور ، غبيش ، ودبندة ، الزرنخ ، أم زميل وفاكوكى فى الأعوام بين 2004 - 2005 - 2006م وبعدها الهجوم على حمرة الشيخ والختيماية والآن الهجوم على مناطق التعدين الأهلى بأم بادر وعلى أرمل والزرنخ كل ذلك يؤكد أننا نواجه حرباً إختار الإرهاب شمال كردفان ميداناً لها ولأنها حرب.. ولأننا نسعى للإنتصار فى هذه الحرب يصبح من الضرورى أن نعرف أولاً عدونا.. أن نعرف من الذى خطط ودبر ونفذ تلك العمليات التى تعرضت لها شمال كردفان خمس مرات على إمتداد الأعوام الماضية.
إتفقنا أن الكشف عن مرتكبى الأحداث مسئولية أجهزة الدولة بالدرجة الأولى لكن ذلك لا يمنع من الإجتهاد بشرط حسن النوايا!.. فقد سمعت آراء لا تبتعد بنا فقط عن الحقيقة.. ولكنها تبدو وكأنها تصفية حسابات مع الدولة!. من هذه النوعية.. على سبيل المثال.. الآراء التى تربط أحداث الحركات المسلحة والفقر والبطالة والأحوال المعيشية الصعبة لأهل دارفور وكردفان وإن كان هذا واقعاً ولكن متى كان الفقر ومتى كانت البطالة سبباً لقتل الأبرياء ثم أن هنالك دولاً كثيرة ومجتمعات عديدة يعانى أصحابها من الفقر والبطالة.. لكننا لم نسمع أن سكان هذه الدول والمجتمعات قاموا بالهجوم على المدن والقرى وقتل الابرياء لهذا السبب !.. بعض الآراء الاخرى تؤكد ان هذه الهجمات حدثت نتيجة ردّ فعل للهجمات التى تقوم بها الدولة على أماكن الحركات المسلحة ويقول اصحاب هذه الآراء إن هذه الاشياء أوجدت مناخاً محتقناً سهل تجنيد بعض أهالى تلك المناطق للقيام بالعمليات الإنتحارية .
مرة أخرى تصطدم النظرية بالعقل والمنطق !.. فنحن نفهم من ذلك أن الإنتقام هو الدافع ... فلماذا يوجه المنتقم انتقامه للأبرياء لماذا لاينتقم من الذين يتصور أنهم السبب .
مرة اخرى لاينفى ذلك أن هنالك أخطاء وقعت فيها الأنظمة التى تعاقبت على حكم السودان لكن ذلك لايعنى ان المنتقم انتقامه للأبرياء ..إنما ينتقم من الذين يتصور انهم السبب.
ولأن من سمع ليس كمن رأى وافقت فوراً على طرح الزميل/عادل البلالى بمرافقته فى جولة صحفية لمناطق الاحداث لمعرفة الحقيقة على ارض الواقع وعكس معاناة اهلنا الذين تضرروا وكان الأخ عادل قد قدم طرحاً بهذا المعنى للأستاذ/معتصم ميرغنى والى شمال كردفان والذى جاءت موافقته الفورية ووجه بتجهيز عربة لتنفيذ المهمة الصحفية يقودها الماهر الصبور الأخ/احمد حسن قادر بك
بدأت الجولة يوم الجمعة الموافق 6/1/2012م واستقرقت ثمانية ايام رصدنا فيها حجم الأضرار التى لحقت بالمواطنين فى الأماكن التى إستهدفتها هجمات الحركات المسلحة وكانت فرصة لنسمع آراء المواطنين وشكاويهم ونتعرف على حجم معاناتهم.
الطريق إلى أم بادر
الطريق من الأبيض إلى أم بادر أولى محطاتنا وعر وشائك ويمر بفيافى موحشة إضافة إلى صقيع الشتاء القاسى. الخوى عيال بخيت أم مراحيك مناطق مررنا بها حتى وصولنا منطقة الهور مع المغيب وهى مناطق رغم الثروة الحيوانية الضخمة التى تشتهر بها الا أنها تعانى من ضعف الخدمات خاصة المياه والصحة. فارقنا الهور والليل يرخى سدوله فى طريقنا إلى أم بادر حاضرة الكواهلة ومن تلك الساعة إبتدأت ملامح آثار العدوان فى الظهور حيث كان الحذر والتوجس والخوف من المجهول هو طابع كل من إلتقيناه فى طريقنا، وبعد 5 ساعات من السير المتواصل لاحت لنا اول مناطق التعدين الاهلي وهي عبارة عن شريط ممتد من الرواكيب والاكواخ الصغيرة مشيدة من المشمعات والقش والكراتين تحيط بها تلال من الحجر والرمل المستخرج من الآبار المحفورة يدويا، وتكرر هذا المشهد حتى وصولنا لمنطقة ام خصوص وبعدها لاحت لنا ملامح امبادر وغابة عند مدخلها تنبئك بالوصول توجهنا مباشرة إلى منزل مضيفنا محمد شمو ( ود الفضل) .
عند شروق شمس الصباح بدأت جولتنا حول ام بادر وإسترجعت الذاكرة كل ما قيل في وصفها من شعر وغناء ودوبيت ولكن فوجئنا بأن كل ما قيل في وصفها قد ذهب به الزمان وتقلباته وأضحت كالعجوز التي فقدت بريق شبابها بفعل التقدم في العمر.
اقتربنا من المستشفى فوجدنا مرضى ولم نجد مستشفى إلا من لافتة باهتة تعلن عن وجود ما يسمى بمستشفى ام بادر الريفي. دلفنا الى حجرة الطبيب ووجدناه يصف العلاج لطفل مصاب بالبلهارسيا وأفادنا الطبيب بأنها اصبحت من الأمراض المستوطنة بفعل صحة البيئة المتدهورة إلى جانب ظهور حالات من إلتهاب الكبد الفيروسي وتفشي مرض الحصبة وسط عمال المناجم. وعند تفقدنا للغرف المسمية مجازا عنابر والتي لا تتعدى سعتها ال 25 سريراً وجدنا بعض جرحى الهجوم الذى شنته الحركات المسلحة على مناطق التعدين الاهلي ومررنا بعربة اسعاف قال المدير الطبي انها بدون سائق ويستعينون بسائق بنظام الاجرة عند الحاجة وقال إن نسبة التردد حاليا تتراوح مابين 65 إلى 75 شخصاً في اليوم وهي نسبة عالية بالنسبة للامكانيات المتاحة للمستشفى والذى بالكاد كان يقدم خدماته لسكان ام بادر قبل ظهور الدهب والذي اضاف 10 ألف نسمة للسكان هم العاملون بمناطق التعدين الاهلي.
توجهنا إلى التردة(حفير) التي تعتمد عليها ام بادر في توفير الماء وجدناها تحيط بها أكياس البلاستيك إحاطة السوار بالمعصم وعلى ضفافها انتشرت اعداد كبيرة من الماشية والصبية في سن التعليم الذين يقومون بتعبئة الماء على ظهور الدواب وبعض التناكر التي تنقل الماء إلى سوق الذهب وحدثنا مرافقنا بان ماء التردة سوف لن يصمد حتى فصل الصيف وبعدها الإتجاه إلى جلب الماء من أماكن تبعد عن ام بادر بحوالي الساعتين. وناشد السلطات بالتدخل لأن السد الذي اكتمل العمل فيه ينتظر الخريف القادم وقال إن حفر دونكي بالمنطقة امر ضروري. وعلى مسافة قريبة من التردة يقع سوق الذهب ويفصل بينهما تلال من النفايات واكواخ بائسة دون مرافق يسكنها العاملون بالسوق والذي يمتد على مسافة كيلو متر وهو عالم قائم بذاته حيث تصطف الطواحين التي تستعمل لطحن الحجر الذي يأتيها من المناجم محدثة غباراً كثيفاً يغطي كل انحاء السوق وما جاوره . ويجاور الطواحين صف طويل من الرواكيب والاكواخ وهؤلاء هم الباعة ووسط هذا الجو الملبد بالغبار والذى يسوده الهرج والمرج وحركة السيارات التي لا تنقطع داخل السوق تلوح لك المطاعم والبوتيكات واماكن الخدمات الاخرى مشكلة لوحة من الفوضى والتلوث البيئي ،رغم ذلك كله هذا لا يقاس بحجم الضرر و الخطورة التي يسببها الزئبق الذي يستعمل بطريقة عشوائية لإستخلاص الذهب وحدثنا الخبير الصادق بابو وهو من ابناء ام بادر بأن الزئبق من المواد التي يجب استعالها وفق طرق معينة لأن تأثيرها يمتد إلى ما حوله من مناطق و يتسبب في أمراض كثيرة على المدى القريب والبعيد كالفشل الكلوي و السرطان. وحذر من امتداد خطره إلى ام بادر وإلى التردة التي تجاور السوق وقال انها قنبلة مؤقتة في انتظار مواعيد انفجارها .
وأجمع عدد كبير من اصحاب المحلات بسوق الدهب على أن المحلية فرضت عليهم رسوما تجاوزت المليون دون أن ينعكس ذلك على الخدمات الضرورية للسوق علما بأن عدد المحلات يقارب ال 3000 وناشد الجهات المسئولة بإنشاء حمامات عامة و الالتفات إلى تنظيم السوق وتوفير الماء الصالح للشرب بحفر دونكي .
وتحدث المواطن أحمد حسن عن الأضرار والسلبيات التي صاحبت وصول الأعداد الكبيرة من الباحثين عن الذهب إلى منطقة أم بادر وقال انهم اصبحوا يخشون على ابنائهم من الإنزلاق في مهاوى تعاطي الممنوعات حيث انتشرت ظاهرة تعاطي المخدرات والخمور وسط بعض العاملين وترك كثير من الأطفال المدارس بحثا عن المال في سوق الذهب والشيء الواضح للعيان أن ام بادر تحتضر ما لم يتم إجراء معالجات سريعة وفعالة فإن الواضح ينذر بشر مستطير .
مناجم الوادي الأخضر :
تقع مناجم الوادي الأخضر على بعد ساعة من ام بادر و التي وصلناها ساعة الإفطار وهو احدى المناطق التي استهدفتها الحركات المسلحة، وحكى لنا التاجر عثمان ابو القاسم قصة الهجوم على المنطقة وقال انه على المستوى الشخصي قد تم سلبه مبلغ 50 مليون وبضاعة تقدرقيمتها بحوالي ال25 مليون كما تم نهب عدد من المحلات التجارية الاخرى واقتادوا معهم بعض الشباب وسط سيل من الشتائم والإهانة.
وإلتف حولنا عدد كبير من الشباب يحصون لنا عدد المفقودين وأسمائهم ومناطقهم وعند الظهيرة توجهنا غرباً فى إتجاه أم قوزين بمحلية أم كدادة بشرق دارفور والذى نما إلى علمنا بأنها أكثر المناطق التى تضررت ويمر الطريق إلى أم قوزين عبر مشروع جريج السرحة حيث مقر ناظر قبيلة الكواهلة المشهورة بالشجاعة والكرم والشهامة وهم أحفاد عبد الله ود جاد الله (كسار قلم ماكمبك) والمقصود ماكما يكل الحاكم العام أيام الإستعمار وأصر أهلها علينا بالمكوث معهم حتى الغد ولكن وعدناهم بذلك عند الرجوع من أم قوزين.
غادرنا جريج السرعة قاصدين أم قوزين والتى وصلناها منتصف النهار وبمجرد دخولنا السوق بدأت لنا معالم العدوان واضحة للعيان واستقبلنا اهلها بنظرات يملاؤها الحذر والشك والريبة وسرعان ما بددها التاجر النور محمد عندما جلسنا معه وقال إن أم قوزين تعرضت لهجوم شرس من الحركات المسلحة وآثارها واضحة على الشاحنات المحترقة واغفال الدكاكين المهشمة بالرصاص وقال انه فقد جراء الهجوم على متجره مبلغ 36 مليون جنيه وبضاعة تقدر قيمتها بخمسين مليون وان جزءاً كبيراً من البضاعة ليست ملكه بل هى ديون واجبة السداد لتجار آخرين وقال ان الوالى والمعتمد قد وعدوهم بالتعويض وذلك عند زيارتهم التفقدية للمنطقة بعد الاحداث.
ووجه المواطن حامد آدم خريق رسالة للرأى العام والجهات الدولية ان تأتى إلى أم قوزين وتتقصى حول الجهة التى قامت بنهب وحرق أم قوزين ونفت أن تكون قد قامت بذلك الأمر.
وقال المواطن عبد الله الدومة بأن الذين هاجموا أم قوزين إقتادوا معهم شقيقه (الأصم) الذى لا يسمع ويعمل فى مهنة (العتالة) وأن تصرفاتهم كانت تتسم بالهمجية والفوضى ولم يرحموا صغيراً ولم يوقروا كبيراً وقاموا بنهب وسلب المواطنين العزل وضربهم وإهانتهم كما قاموا بحرق مظلة المسجد وقال إن جملة الخسائر تجاوزت الخمسة مليار جنيه وقد وعدت حكومة الولاية بالتعويض ونحن فى الإنتظار لأننا فقدنا كل ما نملك.
وتحدث محمد سالم أحد الشباب الذين إقتادتهم الحركة وإستطاع الإفلات والعودة إلى أم قوزين وقال بأنه قد تم إقتيادهم قسراً بعد ضربهم وتوجيه الإهانة لهم وأن مجموع الذين تم إقتيادهم يقارب ال 700 شخص إلا أن بعضهم قد إستطاع الإفلات من قبضتهم وقال الشاب النشط والذى يكنى ب (أبو بصلاية) والذى رافقنا فى جولتنا بأم قوزين بأن التدمير والسلب الذى تم فيها أقعد بها وإنقطعت حركة اللوارى العابرة وتوقفت الحياة لأن حركة اللوارى تعتبر مصدر رزق لكثير من السكان. وقال إن قوات الحركات المسلحة إقتادوا معهم 27 شاحنة وأضرموا النار فى أربع شاحنات مليئة بالبضاعة لمجرد أنهم لم يجدوا سائقيها ليأخذوها معهم وهو فعل يدل على الحقد. وحكت لنا والدة الطفل الذى تم قتله فى منظر يؤكد بجلاء إستهداف الذين هاجموا أم قوزين للأبرياء والعزل وقالت بأن إبنها وهو فى الثالثة عشر من العمر وعند بداية الهجوم عاد متجهاً إلى منزل جدته المجاور لنا وكان يرتدى الزى المدرسى الشبيه بزى القوات المسلحة وقاموا بمطاردته وأطلقوا النار عليه ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بدهسه بالعربة ومن ثم حاصروا منزل جدته بثلاثة عربات وأطلقوا النيران بكثافة مما تسبب فى وفاة الوالدة العجوز ذات ال 80 عاماً وهى ضريرة. وقال رئيس اللجنة الشعبية إن خسائر ام قوزين تم حصرها حتى الآن تتمثل فى إختطاف 196 من الشباب وقد عاد بعضهم واحراق أربع شاحنات هينو محملة بالبضائع واحراق 16 مقهى في السوق ونهب عشرات الدكاكين وجملة الخسائر تجاوزت 5 مليار وناشد الحكومة بالإسراع في تعويض المتضررين حتى تعود الحياة إلى ام قوزين.
غادرنا ام قوزين وفي النفس حسرة على ما آل إليه حال الوطن العزيز وما حال بالمواطن المغلوب على أمره والذي اصبح بين شقي الرحي. وقبل المغيب وصلنا مشروع جريح السرحة في رحلة العودة وهو مشروع قام بإنشائه الرئيس الراحل نميري في أوائل السبعينيات لتوطين العرب الرحل وقد ساهم كثيراً في استقرار قبيلة الكواهلة والقبائل المجاورة .
وقال الشيخ ابو صباح احد اعيان الكواهله ان المشروع وفي عهده الذهبي كان يعج بالمواشي ولكن موجة الجفاف التي ضربت المنطقة في الثمانينيات اثرت في المشروع بصوره كبيره واصبحنا نذهب بماشيتنا للرعي والشرب في منطقة ام قوزين بدارفور وقد عانى المشروع ما عانى من الاهمال من كل الحكومات التي جاءت بعد حكم نميري ويقف الدونكي المعطل خير شاهد على ذلك ومنذ انشائه في العام 1969 لم يهتم بأمره احد حتى جف ماؤه رغم ان منطقة جريح السرحة تتمتع بثروة حيوانية ضخمة حيث تمثل الابل ما لا يقل عن ربع قطيع الولاية اصبحت كلها تذهب إلى ام قوزين بدارفور. ورغم ان الدولة قد قامت بانشاء سد لأم قوزين الا ان إعادة تأهيل المشروع امر في غاية الاهمية حتى يساهم في استقرار المواطنين مما يساهم في رفد الاقتصاد بناتج الثروة الحيوانية الضخمة.
وقال المواطن محمد حسن بأنهم رغم انحيازهم لبرنامج المؤتمر الوطني واحرازهم اعلى نسبة تصويت في المنطقة الا انهم حصدوا عدم الاهتمام والاهمال حيث لم يتفقدهم مسئول ولائي او مركزي وقال ان الصحة بالمنطقة صفر كبير كما ان مدرسة المشروع التي اطاحت الرياح بسقفها والتي قمنا بتأهيل أربعة فصول بالعون الذاتي وتبقت اربعة اخرى يدرس تلاميذها في العراء خير دليل على اهمال المسئولين .
وتحدث الطيب محمد فضل الله الإعيسر ممثل الإداره الأهليه بالمشروع وقال بان الذين تعرضوا للإعتداء في كردفان ودارفور هم أخوة وجيران لنا وفقدنا كقبيلة عدداً من الشباب تم إقتيادهم قسراً من مناطق التعدين الأهلي ونهب محلات بعضهم كما أننا تضررنا اقتصادياً حيث لم يصلنا لوري اوعربة حتى الآن وتوقفت الحياة تماماً واصيب الناس بالهلع والرعب وحدث شلل تام في الحياة التجارية. وقال ان خسارتهم في الماشية كبيرة حيث تم ذبح اعداد كبيره من الماشية واطلقت النار عشوائياً على بعضها وفقدنا 18 راعي تم اقتيادهم عنوه من وسط مواشيهم.
وقال الملازم/ أحمد قسم الله محمد فضل الإعيسر قائد فصيل حرس الحدود بالمنطقة الفوج 19 حمرة الشيخ السرية السادسة بمشروع جريح السرح بأنهم ظلوا يتابعون تحركات القوى حتى لحظة دخولهم منطقة الخور الابيض واختبأوا وسط قطعان المواشي تفادياً لقصف الطيران كما قاموا بتفتيش الرعاة ومصادرة اسلحتهم وذبح ماشيتهم واقتياد الشباب منهم .
تحركنا بعد ذلك نحو منجم قرن الجداد وعند منتصف النهار وصلنا إلى أول المناجم والتف حولنا العاملون بالمناجم كل يريد أن يحكي عن حجم المعاناة واللحظات القاسية التي عاشوها ابان الأحداث حيث اشار احدهم إلى بعض الرواكيب التي تشكل اماكن تجارية لعرض البضائع ،وقال ان اصحابه قد غادروا المكان بعد ان تم افراغ محالهم ونهبها وقال آدم حسن احد العاملين بقرن الجداد أن المجموعة التي داهمت المنجم كان قوامها صبية اعمارهم أقل من 20 سنة وتتسم تصرفاتهم بالهمجية والوحشية وان اول ما فعلوه بعد ان حاصروهم بالعربات أن اطلقوا النار على شخص كان يؤدي في صلاته، كما قاموا بإطلاق النار على القرب التي تخزن فيها المياه و مولدات الكهرباء وغادروا المكان بعد ان قتلوا ونهبوا واقتادوا بعض المواطنين قسرا تحركنا بعدها إلى ارمل وهي منطقة تجارية كبيرة حيث تمثلت خسائرنا في اتلاف ابراج الإتصالات واقتياد بعض المواطنين . وبعدها واصلنا طريقنا وبعد مغيب الشمس دخلنا منطقة الزرنخ والتي صادفنا فيها النائب البرلماني عن دائرة ود بندة قريب يقود فزعاً مكوناً من مائة وخمسين شخصا وقد وصلوا لتوهم بعد مطاردة لصوص قاموا بنهب ابل وتم القبض عليهم في دارفور. وحكى لنا سكان الزرنخ عن الفظائع التي ارتكبتها قوات العدل والمساواة وتطابقت رواياتهم مع ما سبقها في المناطق الاخرى التي تم الإعتداء عليها من حيث الوحشية واستهداف المواطنين.
وكانت نهاية المهمة هي ادارية المجرور اكثر المناطق التي تعرضت لهجمات الحركات المسلحة وفقدت الكثير من ابنائها جراء ذلك حتى تم تأمينها بإنشاء حامية للجيش بها لتحمي انسانها وتحمي ثروتها وآخر ثرواتها التي اكتشفت حديثاً هو البترول وهذه قصة اخرى كشفت لنا تلك الجولة عن ان ولاية شمال كردفان وبالرغم مما تذخر به من ثروات وما ترفد به خزينة الدولة من خيراتها، إلا أن كل اصقاعها تعاني من عدم الإهتمام وضعف التنمية في كل العهود منذ استقلال السودان وحتى الآن. وعلى الدولة ان تولي هذه الولاية اهتمامها وإلا فإنها ستكون معبرا دائما للحركات المسلحة ومكاناً لتوالد وتفريخ حركات التمرد لأن ما تعانيه الولاية أكبر بكثير من الإمكانيات المتاحة لحكومة الولاية وإلا فإن الولاية موعودة بكثير من الأخطار على مدار فصول السنة الأربعة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.