أخيرا كشفت الولاياتالمتحدةالامريكية عن غرضها من تصريحات ابداء القلق التي اعتادت ان تطلقها بمناسبة اوبدونها عن الفوضى التي تسود منطقة البحر الاحمر والقرن الافريقي، فقد اعلنت وزارة الدفاع الأميريكية ،بحسب مانشر بالامس،عن شروعها في تحريك قاعدة عسكرية عائمة، إلى منطقة جنوبي البحر الأحمر، بالقرب من الحدود المصرية مع السودان. وهو القرار الذي يتوقع ان يسفر عن ردود افعال غير مرحبة به في كل من السودان ومصر والدول المشاطئة. فالدول العربية المطلة على البحر الاحمر والمطلة على الخليج عقدت في العام ( 2008) لقاء فى العاصمة السودانية شدد على أن امن البحر الاحمر مسئوليتها هي، وان لا سماح للآخرين بالتغلغل في مياهه بحجة محاربة « القرصنة» او الارهاب. والاجتماع المشار شارك فيه السودان وتزعمته السعودية الحليف الرئيس لواشنطون في المنطقة. وفي اول تعليق للخارجية السودانية على القرار الامريكي، قال الناطق الرسمي العبيد احمد مروح ان السودان غير معني به، واصفا الخطوة الامريكية ب» الشأن الدولي». واشار الناطق باسم الخارجية في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف أمس الى ان القاعدة التي اعلن عنها الامريكان « عائمة»، وذلك في اشارة الى انها ستتنقل عبر المياه الدولية. وبرغم ان «البنتاجون» برر القرار ،في بيان رسمي،نقلته واشنطن بوست، بأنه يأتى لمواجهة «المخاطر الناجمة عن تصاعد أنشطة تنظيم القاعدة الإرهابي فى اليمن»، وان تكون القاعدة «بمثابة احتياطي استراتيجي من أجل حماية خطوط تصدير النفط»، وأيضا كتدبير احترازي»حال اشتعال الموقف مع إيران، فى الخليج العربي، وذلك ضمن عدة مخاطر أخرى». فان تلك المسوغات لن يتقبلها احد في المنطقة، لان التواجد الامريكي العسكري في البحر الاحمر ظل ناشطا منذ اعوام، وعمليات البنتاغون ضد الارهاب مستمرة ولم تواجه بعقبات، في ظل وجود قيادة موحدة تعمل على تنسيق العمليات في الشرق الاوسط باكمله. كما ان ما اوضحه البيان من أن القاعدة العائمة ستحمل مئات من الزوارق العسكرية السريعة والمروحيات، و أنها مزودة بفرق الصاعقة، سيثير مزيدا من الشكوك حول حقيقة المخططات الامريكية لها، وحول الدور الذي ستلعبه وهي على مرمى حجر من سواحل السودان ومصر واريتريا والصومال واليمن. يقول مدير مركز دارسات الشرق الاوسط السفير عثمان السيد ان القاعدة الامريكية لن تكون داخل المياه الاقليمية للبلاد، وان القانون الدولي يفرض على الولاياتالمتحدةالامريكية ان تضع قاعدتها هذه في المياه الدولية بعيدا عن الحدود المائية بين السودان ومصر. ووصف السيد الذي عمل مديرا لجهاز الامن في السابق مبررات البنتاغون لانشاء القاعدة ب» الدعاوى الكاذبة»، معتبرا ان الحديث عن مكافحة الارهاب اصبح مثل « قميص عثمان»، ترفعه واشنطون كلما ارادت ان تفعل شيئاً تحت غطاء الارهاب، واشار مدير مركز دراسات الشرق الاوسط في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف أمس ان الارهاب بحسب المفهوم الامريكي مسألة لاحدود لها، واردف» يفهمونه بحسب طريقتهم». الا ان السيد اكد ان الخطوة الامريكية تعد امرا بالغ الخطورة على المنطقة، وتشكل اضافة جديدة لتدهور الاوضاع في البحر الاحمر، مما يشكل ظلالاً على التوتر الموجود في الخليج الفارسي ومضيق هرمز. والبحر الاحمر ساحة لاتفاقيات امنية ثنائية اقليمية ودولية ضمت اغلب دول المنطقة معا، فامريكا لها اتفاقيات بخصوص سواحله مع كل من جيبوتي واليمن واسرائيل. كما ان لايران اتفاق ثنائي مع اريتريا محوره ميناء عصب . وتنطلق العمليات الامريكية في افريقيا الآن من ميناء جيبوتي، وهو ذات الميناء الذي يحتضن الجهود الدولية لمحاربة قراصنة الصومال. ويشير عثمان السيد الى وجود امريكي آخر في الخليج، يتمركز في عديد القواعد التي تتوفر على كل الاسلحة والمعدات والطائرات، مما يجعل من الحديث عن سد الابواب امام استخدام اعدائها للمنطقة، ذرا للرماد في العيون. ولفت السيد الى ان التواجد في هذه المنطقة وبتلك التجهيزات امر مقلق، فالحرب اضحت تستخدم الطائرات بلا طيار والصواريخ بعيدة المدى، وهو ما يمكن توفيره من قواعد الولاياتالمتحدة في الخليج العربي. اذن ماذا تفعل امريكا على مقربة من مياهنا الاقليمية، على مرمى حجر من حدودنا مع مصر، هذا السؤال يحتاج لاجابة لن تحتويها البيانات المقتضبة للامريكان بالتأكيد، كما ان التطورات المختلفة في القرن الافريقي والمنطقة العربية تجعل منها مفتاحا لفهم ما يدور في المراكز الامنية الامريكية. وهذا التشابك المعقد لقضايا المنطقتين، ربما هو ما دفع بالمحللين السياسيين في الخرطوم لان يرجحوا ان امريكا قلقلة من تداعيات الربيع العربي ، وحلول انظمة غير حليفة في دول اعتمدت عليها منذ عقود كحلفاء استراتيجيين لها، وربما تسفر عن مواقف مصادمة للمصالح الامريكية الاسرائيلية، وهو ما يدفع امريكا لمحاولة اثارة الخوف والردع في نفوس البعض، وتطمين البعض الآخر الذي لازال حليفا لواشنطون. وهذا لب ما يشير اليه عميد كلية العلوم السياسية والاستراتيجية بجامعة الزعيم الازهري في الخرطوم، مضيفا في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف أمس ان امريكا اضحت لا تدرى بالضبط من هو القادم، وماهية المتغير في المنطقة. ولفت د. آدم محمد احمد الى ان امن البحر الاحمر كان يتكفل به نظام الرئيس المصري السابق مبارك، وان الانظمة الجديدة لا تبدو حريصة على الاستمرار في رعاية المصالح الامريكية والاسرائيلية في المنطقة ككل والبحر الاحمر بصفة خاصة، معتبرا ان استمرار تهريب السلاح والجماعات عبر الحدود والجبال بين سواحل البلدين، وتهديد ممرات عبور النفط في قلب البحر، والمياه الاقليمية سواء اكان من القراصنة او الارهابيين، يشكل صداعا للامريكان وحلفائهم في تل ابيب، وربما يستلزم مثل تلك التحركات. غير ان وجود قاعدة امريكية في المياه الدولية، قبالة سواحل السودان لا يبشر بخير، وهذه النقطة يثيرها السفير عثمان السيد، مطالبا الخبراء والمعنيين بدراسة التصرف الامريكي، والتعامل معه بالاهمية المطلوبة. فيما يؤكد د. آدم محمد احمد ان القرار الامريكي يبعث على القلق، ولكنه يرى ان لا علاقة للقرار بالتطورات السياسية في البلاد، او بالعلاقات المتردية بين دولتي الشمال والجنوب.