تقف الخرطوموجوبا على مفترق طرق صعب هذه الايام على خلفية وصول درجة التوتر بينهما الى حد الذروة بسبب ملف النفط المختلف عليه بين الدولتين الجارتين ، ومن ثم تأكيد رئيسى البلدين ان احتمال عودة الحرب بات راجحا بشكل كبير من اى وقت مضى. فخلال فترة اقل من 24 ساعة بين الخرطوموجوبا ، وجه رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ورئيس الجمهورية عمر البشير رسائل تحمل فى طياتها الكثير من الاحتمالات بما فيها قيام الحرب لكنهما - فى ذات الوقت - فتحا الباب مواربا لمنح الفرصة للسلام للاستمرار عن طريق التفاوض. فسلفاكير وعقب عودته من اديس ابابا بعد مشاركته الاولى فى القمة الافريقية استقبل من قبل شعبه كالابطال فى جوبا بعد ان رفض التوقيع على مقترح اتفاق قدمته الوساطة الافريقية بشأن النفط. وقال خلال مؤتمر صحافى دعيت اليه كافة وسائل الاعلام فى الجنوب ان «احتمال نشوب حرب جديدة وشاملة بين السودان وجنوب السودان وارد بسبب الاتفاق المعروض لنا لأنه يشكل لوقوع نزاع بين الارض والسكان والنفط». وتابع قائلا: «ان الاتفاق الذى نفكر به يجب الا يركز على النفط فقط ويجب ان يكون شاملا يغطى كافة المسائل العالقة». وبعد مرور فترة اقل من 24 ساعة على حديث كير للصحافيين اطل الرئيس عمر البشير على المشهد خلال حوار تلفزيونى منقول عبر عدة تلفزيونات، وكأنه يرد على ماذهب اليه رصيفه من الجنوب، عندما قال ان التوتر بين السودان وجنوب السودان يجعل الأجواء أقرب للحرب من السلام، مؤكداً أن «الحرب واردة»، . وقال ان الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان تتعامل بأخلاقيات غريبة على السودانيين والأفارقة، واعتبر جوبا خاضعة لضغوط من قوى خارجية تحرضها ضد السودان. واعتبر البشير خلال الحوار الذى استمر لنحو ساعة و45 دقيقة أن «الجو الآن متوتر وأقرب للحرب منه للسلام» . وأقر فى الوقت نفسه بأن الحرب مع الجنوب ستكون استنزافاً للسودان بجانب فقدان ايرادات البترول، لكنها- أي الحرب- ستكون استنزافاً للجنوب أيضاً، وتابع: «لن نلجأ للحرب الا اذا فُرضت علينا». ويفسر المحلل السياسى الدكتور عبد الرحيم محمد على ان «خطاب الرئيس البشير يحوى العديد من الرسائل لحكومة الجنوب منها ان السودان قادر ومستعد للحرب ، وان الشعب السودانى يقف خلف قيادته». واضاف محمد علي الذى كان يتحدث «للصحافة» عبر الهاتف يوم امس قائلا: «لكننى لاحظت ان البشير لم يقدم اى مقترحات واضحة بشأن النفط ، وانما اصر على ان الخرطوم ستواصل اخذ حقها عينا من البترول فى حال اعادة ضخه من جديد». ولايتوقع محمد على ان يقدم الطرفان الى الدخول للحرب بقوله « الدولتان منهكتان اقتصاديا ولديهما من المشكلات الداخلية مايكفى ، وليسا فى حاجة الى فتح جبهة جديدة ، واعتقد ان الرئيسين يريدان تطمين شعبيهما بان لهم قيادة قوية تقف امامهم». ووصلت الاجواء بين الخرطوموجوبا الى حافة الهاوية بسبب اصرار الثانية على وقف انتاج البترول الذى يعتبر شريانا للحياة بين البلدين فى ظل اعتماد اقتصاد الطرفين عليه وعدم وجود موارد اخرى يتم الاعتماد عليها فى الوقت الحالى. ووصف الخبير فى شئون القرن الافريقى اليكس دى وال خطوة الجنوب «بالانتحار». وقال فى مقالة له نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية ، الاسبوع الماضى ، «ان الجنوب يعتمد بشكل اساسى على النفط وان قرار ايقاف ضخه يعتبر كنوع من الانتحار. واضاف وعندما سألت كبير مفاوضى حكومة جنوب السودان باقان اموم عن سبب هذا القرار فقال لى «انه ليس مزحة وانه مرتبط بكرامة شعب جنوب السودان ، وافضل للجنوب ان يحتفظ بنفسه من ان تتم سرقته بواسطة الشمال». كما ان وكيلة الامين العام للامم المتحدة للشئون الانسانية فاليرى راموس التى تزور الجنوب هذه الايام حذرت من ان قرار الجنوب باغلاق نفطه سيزيد من سوء الاوضاع الانسانية «المتردية اصلا والخطيرة جدا « بسبب النزاعات القبلية. وينظر سلفاكير بذات الزاوية التى ينظر منها باقان عندما برر رفض التوقيع على مقترح الوساطة الافريقية بقوله « من الصعب عليَّ القبول باتفاق يجعل من شعبنا ضعيفا تابعا يتعين عليه دفع ملايين غير متوجبة عليه»، وتابع: «نرفض الانطلاق من مبدأ ان السلام يمر بالتبعية المتبادلة ، هذا ليس الحال ، التبعية لم تقدم لنا سوى مواجهات والام انسانية دائمة». غير ان الرئيس عمر البشير ينظر للامر من زاوية مغايرة تماما عندما يقول: « ان السودان يتعامل على أساس أنه الاخ الأكبر مع الجنوب ويتحمل المسؤولية، وظللنا نتعامل بأخلاق وليس ضعفاً». واعتبر البشير ان الهدف من قرار حكومة الجنوب هو اسقاط حكومته لا اكثر بقوله سلفاكير لم يوقع اتفاق النفط الانتقالي رغم ضمانات أبلغتها لملس زيناوي. . و جنوب السودان بنى حساباته على سقوط النظام في الخرطوم بعد ايقاف انتاجه من النفط لمدة شهرين». وكانت منظمة «قلوبال ويتنس» المعنية بالصراع على الموارد والفساد قد حذرت الخرطوموجوبا ، فى وقت سابق ، من ان اقتصاد البلدين معرض للانهيار وان اى ايقاف للنفط سيؤدى الى عواقب وخيمة للاوضاع المالية وصادرات البلدين وشركائهما على حد سواء. وقالت المنظمة فى بيان لها تلقت «الصحافة» نسخة منه «ان على البلدين التوصل الى اتفاق سريع وعادل وشفيف لتفادى توتر اكبر بين البلدين». ويرى المحلل السياسى ، ورئيس تحرير صحيفة «ذى سيتيزن» الناطقة بالانجليزية نيال بول ان احتمال عودة الحرب بين الشمال والجنوب واردة بعدما تحول الصراع مباشرة حول النفط. وقال «للصحافة» خلال اتصال هاتفى ، ان النفط هو عصب الحياة ، وكما ان هنالك تدخلا وحروبا بسبب المياه فان الخرطوموجوبا يمكن ان تعودا للحرب فى حال استمرار الوضع على ماهو عليه، موضحا « الوضع لايحتمل اى مزايدات اخرى بعد ان نفذت حكومة الجنوب تهديدها وقامت باغلاق الانابيب. . والشعب فى الجنوب سيعانى وكذا الحال فى الشمال وربما يؤدى الى قيام ثورتين شعبيتين فى البلدين» ، ويرى بول ان الحكومتين يمكنهما ان تحركا الجيوش فى المناطق الحدودية، واضاف قائلا: «اصلا يوجد توتر على الحدود وهنالك اتهامات متبادلة بشأن دعم التمرد حاليا ويمكن ان يزداد الدعم لكلا الطرفين وان يتحول الامر برمته الى حالة سيولة يصعب السيطرة عليها ونعود الى ايام سوداء لانريد لها ان تعود».