رغم ان الرجل تعرض لما لم تتعرض لها شخصية سودانية، من قبل اجهزة الاعلام العربية والعالمية، فقد دخل مؤتمره الصحفي بالأمس في الخرطوم، وهو منشرح ومنسجم مع ذاته. وهكذا ظل الفريق اول محمد احمد الدابي رئيس بعثة المراقبين العرب الى سوريا، طيلة اوقات المؤتمر الصحفي، ما خلا بعض الاوقات التي اما رد فيها بضراوة على انتقادات وجهت للبعثة، او ذكر خلالها اسم عضو فريق المراقبين الجزائري انور مالك. واللافت ان الدابي اتى هذا المؤتمر الصحفي وهو مدجج بالوثائق، فقد حمل معه نسخة من تقرير فريق المراقبين الذي قدمه للجامعة العربية في الاجتماع الوزاري الاخير بتاريخ (22) يناير،» وقد تكون النسخة الاصلية» علاوة على صورة ضوئية من بيان لمنظمة انسانية يعمل فيها الجزائري انور مالك، بالاضافة الى صورة اخرى لفيزا تخص مالك، وتوضح بجلاء انه قدم من مكان اخر غير بلاده الاصلية الجزائر، فضلا عن بيان صدر عن الاجتماع الاخير للمجلس الوزاري للجامعة العربية، حول عمل البعثة ، يحمل اشادة بما قامت به وتقديرا خاصا لدور الفريق الدابي. ولان الدابي قد عبر فور دخوله، قاعة المركز السوداني للخدمات الصحفية، عن ان اهتمامه الآن ينصب فقط بعرض الحقائق حول دور البعثة وطبيعة مهمتها وطريقة ادائها، للرأى العام السوداني، بعد ان تعرضت للتشويه واختلاق الاكاذيب وتعمد الضبابية من اجهزة الاعلام في المنطقة والعالم، فقد قدم سردا مطولا لطبيعة البعثة ومهامها وتكوينها، ثم شرح باستفاضة ان دوره شخصيا كان متابعة عمل المراقبين المنتشرين في القطاعات المختلفة على ارض سوريا، وتسلم تقاريرهم اليومية، مع التأكد من ربط عمل البعثة من قلب مقر قيادتها في دمشق، بغرفة العمليات في مقر الجامعة العربية بالقاهرة. وهى المهمة التي لا تسمح له بالقيام بجولات على ارض الواقع، بيد انه اشار « رغم ذلك ذهبت ليومين متتاليين فور وصولي الى حمص»، واضاف» تجولت هناك في باب عمرو والسباع وهى احياء تضج بالاعمال العدائية والانتهاكات، وكنت اتجول دون حراسة» ، وزاد الدابي « قمت باشياء لاتمت للبروتوكول الموقع بصلة، وهذا لاني انسان وهى اعمال تدفعني الانسانية الى التصدى لها، مثل السماح بتوصيل الكهرباء والمياه والطعام والدواء لمناطق معارضين، خارج سيطرة الحكومة». وذهب الدابي ليقلل من الاتهامات التي كالها المعارضون في سوريا له ولبعثته قائلا» نحن لا ندخل في جدال معهم، انتم تعلمون ان كل معارض يقول ما يريد»!. وكشف ان من تحققوا من اطلاق سراحهم بالفعل من معارضي «الاسد» من السجون يبلغ (5) آلاف، فيما يصل اجمالي ما اعلنت عنه الحكومة (7400) شخص. واكد رئيس المراقبين انه غير مسئول عن اعداد تقرير البعثة المقدم للجامعة حول الاوضاع في سوريا، وان مهمته انحصرت في جمع تقارير المراقبين المنتشرين على الارض في كافة القطاعات (15)، ورفعها في تقرير واحد للوزراء العرب، مشددا « هذا ليس تقرير الدابي». وقال الرجل في معرض دفاعه عن ادارته للبعثة، وعن مصداقية المراقبين وتجردهم « لقد اقسمنا قسما خاصا على ان لا ننحاز ونؤدى دورنا بنزاهة»، ومضى ليضيف» لاننا سنسأل عن ذلك امام الله قبل البشر»، ثم فاجأ الفريق الصحفيين بتلاوة القسم الذي اداه ومراقبوه امامهم، معبرا عن كامل رضائه عن دور البعثة واداء اعضاء فريقه، غير ان الدابي قرأ ايضا على الحضور مقتطفات من تقارير عدد من المراقبين العرب،مع ذكر جنسياتهم، في قطاعات سورية مختلفة، وكلها تشير الى اوضاع واجواء غير التي تشاهد على الفضائيات او الانترنت. واكد الدابي ان عمل البعثة وجد تقديرا واشادة من وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاخير، بشأن الاوضاع في سوريا، وانه تلقى اشادة شخصية في ذلك الاجتماع، فضلا عن البيان الصادر من الاجتماع متضمنا تلك الاشادة. غير ان الرجل لم يفسر اقدام دول الخليج العربي على سحب مراقبيها من البعثة، الا انه اشار ان وزراء خارجية تلك الدول شاركوا في الاجتماع ، اي اسهموا في صياغة البيان الصادر. وابدى الدابي ضيقه من الانتقادات التي وجهت الى البعثة وله شخصيا على خلفية ادائها لدورهها، مشددا ان البعثة لم تنحاز لطرف دون الآخر في سوريا، لا الحكومة ولا معارضيها ولا المسلحين. وهو ما لا يبرر في نظره ما «تعرض له»، و « تعرضت له البعثة»، واضاف الرجل « لسنا من يحدد من يحكم سوريا، ومن يحدد ذلك اهلها»، وزاد» انا لم نأتِ لدعم النظام او المعارضة». واشار الدابي الى ان الفضائيات هاجمت البعثة قبل ان تبدأ عملها، ناسجة اكاذيب عديدة حوله تحديدا.. وحول البروتوكول الموقع بين الجامعة العربية وسوريا. واوضح الفريق الدابي للصحفيين في الخرطوم ان مهام البعثة التي اوكل قياداتها ليس وقف العنف في سوريا، وانما التأكد من تطبيق البروتوكول ذي النقاط الخمس الموقع بينها والجامعة. ومضى الفريق ليشير» ليس مهمتي انا وقف العنف، ولم ادخل دمشق حاملا حتى مطوة «، ثم رد على الانتقادات الموجهة له شخصيا قائلا « انا مؤهل لمهمتي وسيرتي الذاتية تثبت ذلك». وكال الفريق الدابي في مؤتمره الصحفي الهجوم لعضو فريق المراقبين الجزائري انور مالك، قادحا في استقلاليته،ومشيرا ان المنظمة التي يعمل بها اصدرت بيانا تتبرأ من ساحته، واردف» كشفت لي مصادر ان مالك هارب من محكومية بالسجن تبلغ (15) عاما، وانه يقيم بفرنسا لا بلاده بسبب ذلك»، وابرز امام الكاميرات صورة ضوئية من تقرير المنظمة، واخرى من فيزا لمالك تثبت قدومه من عاصمة عربية غير الجزائر. وقال الدابي ان بعثته كانت صادقة في عكس الحقائق على الارض،بخاصة وانها لم تواجه بقيود في حركتها داخل مناطق المعارضة ، ولم تتعرض لرقابة لا من الحكومة ولا المواطنين، وزاد» كانت البعثة صادقة في اداء مهمتها قبل اجتماع المجلس الوزاري الاخير للجامعة، وظلت صادقة حتى بعد انتهاء ذلك الاجتماع» ، وقال « البعثة لم تكذب وليس لها اغراض». وكشف الدابي انه من ابلغ الامين العام للجامعة بتصاعد وتائر العنف بين الطرفين على الارض هناك بعد الاجتماع المشار اليه، بعد عودته دمشق، مما افضى الى قراره بتجميد عمل البعثة. وكشف رئيس بعثة المراقببن عن مغادرته الخرطوم الى دمشق خلال ساعات، لمواصلة مهامه بعد توقف قصير في القاهرة، للقاء الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي. وقال ان امر التمديد للبعثة او جعلها دائمة، او حتى تغيير تفويضها من مهام المراقبة، الى العمل على وقف العنف « تظل حتى الآن خاضعة لمشوارات بين الاطراف العربية، وانه سيظل الى حين ذلك رئيساً لفريق المراقبين». ورفض رئيس بعثة المراقبين العرب احداث اي ربط بين مهمته وموقف السودان باتجاه التطورات في سوريا، وقال ان الحكومة السودانية معنية بتحديد مواقفها من القضية، واضاف « اما موقفى الشخصي كمواطن فساحتفظ به، واعلنه بعد ان تنتهى هذه المسألة». وربما يغادر الفريق محمد احمد الدابي الخرطوم خلال ساعات هذا اليوم، كما اعلن بالامس، الى القاهرة ليلتقي الامين العام للجامعة العربية، كما يزمع، ليقفل راجعا الى دمشق. لكنه لن يشعر بالتاكيد بعد هذا المؤتمر الصحفي، انه استطاع ان يقدم للرأى العام السوداني « الحقائق عارية» كما اراد واحب ان يفعل. وذلك لان وسائل الاعلام العربية والاجنبية التي تركها هناك، انتظرته بالامس باكرا في القاعة، والحال ينطبق على ذات الاسئلة التي ظلت تلاحقه منذ تسلمه مهام رئاسة البعثة، غير ان المفاجأة التي لم يكن يتوقعها بالتأكيد تصدر تنسيقية الثورة السورية في الخرطوم المقاعد الامامية في القاعة، محاصرة ابناء الجالية السورية لرئيس المراقبين، بالاسئلة في قلب الخرطوم.