شهدت الساحة السياسية الفترة الماضية حراكاً غير مسبوق حول قضية الدستور فقد نظمت جامعة ام درمان الإسلامية ندوة خاصة بصياغة موجهات دستور إسلامى تحت شعار «دستور جامع لأمة واحدة» الا ان قوى الاجماع الوطنى المعارض خطت خطوة مشابهة بمعاونة عدد من منظمات المجتمع المدنى والقانونين لصياغة دستور جديد يكفل المبادئ الأساسية لحقوق الانسان ويجاوب على سؤال «كيف نٌحكم»، يراعى المتغيرات الحالية ويضمن الشفافية والمشاركة والاجماع واخذ الدروس والعبر من التجارب المشابهة لتفادى الفشل والخروج من الحلقة المفرغة التى ظل السودان يرزح فيها منذ خروج المستعمر. «الصحافة» التي كانت عرضت اوراق ندوة الجامعة الإسلامية تحصلت على ورقة «اعلان المبادئ العامة للدستور» الذى أمنت عليه قوى الاجماع الوطنى، الورقة تتحدث عن ان المواطنين السودانيين هم أصحاب الأرض و مقوماتها ، وأساليب ادارتها، يفوضون سلطاتهم فى هذه المجالات كافة من خلال عقد اجتماعي يؤسس الى برلمان منتخب ديمقراطياً وحكومة تنفيذية مسئولة أمامه، وقضاء مستقل، وفصل تام لتلك السلطات لتحقيق السلام والأمن والرفاه الاجتماعى، الموقعون على هذا من أحزاب سياسية، ومؤسسات مجتمع مدني يلتزمون باحترام تلك المبادئ كافة فى اطار الديمقراطية والمساواة بين المواطنين، وسيادة حكم القانون وتعزيز حقوق الانسان الأساسية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما يلتزمون اولاً ان بالتأكيد على ان جمهورية السودان تلتزم بتحقيق السلام والوحدة الوطنية وتعزيز الحوار أسلوباً لفض النزاعات المسلحة والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة وجبر الضرر للضحايا واعادة تأهيل المرافق، والتوافق على معنى الهوية الوطنية وعدم التمييز بين المواطنين، بأى سبب كان، واحترام التنوع الاجتماعى والدينى والعنصرى والثقافى، وتكريس مبادىء الحكم الرشيد. وشددت الورقة على التأكيد على أهمية الدستور وحمايته بصفته القانون الاسمى الأعلى والمرجعية القانونية للمواطن وأجهزة الدولة كافة، باعتبار ان الحكومة تمثل الشعب ومن حقه مساءلتها ومحاسبتها فى سياق المساواة فى المواطنة والتعددية وعدم التمييز وكفالة اجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة ومراقبة يشارك فيها كل من يمنحه القانون حق الاقتراع، ومن ثم العمل على توفير الاحتياجات الأساسية لجميع المواطنين والحد من الفقر وتوفير سبل العيش الكريم والصحة والتعليم والسكن وسبل المواصلات والاتصال والبيئة السليمة مع الاهتمام الخاص بالفئات التى عانت من الترحيل القسري والتهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى، وكفالة الدستور لجميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانضمام لكافة العهود والاتفاقيات الدولية والاقليمية، واتاحة الحق فى الحصول على المعلومات وحرية واستقلال وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وكفالة حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وحرية التجمع، وضمان الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، واكدت الورقة ان صناعة دستور دائم للسودان، هو مسألة قومية ، تستلزم مشاركة كافة قطاعات الشعب السوداني بالقدر الذي يعكس مبدأ سيادة حكم الشعب، الذى يشعر بملكيته لهذا الدستور، ولذلك يجب ان يتسم ب»الشمول ، و الشفافية و المشاركة و الاتفاق عبر اطار قانوني يتفق عليه الشعب السوداني بصورة ديمقراطية»، وذلك لا يتأتى دون اجراء اصلاحات تشريعية عاجلة تهيئ المناخ لميلاد ديمقراطية حقيقية، و ذلك بازالة و الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات و القوانين المتعارضة مع الدستور الانتقالي، بالقدر الذي يكفل مشاركة كل السودانيين بصورة ديمقراطية حقيقية مبنية على الثقة في المؤسسات و القوانين. ووضعت الورقة اربع مراحل لصياغة الدستور اولاها الاتفاق حول مبادئ ومؤسسات صناعة الدستور بتمثيل تكوينات الشعب السوداني بدون أدنى تمييز وهى الأحزاب السياسية والمنظمات الطوعية، ومجموعات النساء والشباب و الطلاب، وذوي الحاجات الخاصة، و النقابات المهنية والحرفية واتحادات المزارعين والرعاة و الرحل وأصحاب الأعمال والادارة الأهلية والجماعات الدينية واللاجئين والنازحين والسودانيين في المهاجر والأقليات والقوات النظامية، و غيرها من مجموعات يتفق على تمثيلها. اما المرحلة الثانية تقتضى تكوين مفوضية الدستور وهيئة للتوعية والتثقيف المدنى تنشأ الهيئة عن طريق التوافق الوطني كهيئة قومية للحوار الدستوري، مستقلة تضم كفاءات من خبراء و متخصصين في مجال التوعية و التثقيف المدني بموضوعات الدستور، تستخدم الهيئة كافة الوسائل التعليمية و التدريبية التي تحقق الغرض المتعلق برفع الوعي والتثقيف المدني، بالاضافة لحمايتها لحقوق الكافة، بما في ذلك الأفراد و الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني، في التبشير برؤاهم و أفكارهم الخاصة بالدستور ، في أنشطة خاصة بهم، و بطرقة مستقلة، و أن تضمن حيادية أجهزة الدولة حيال عملية صناعة الدستور، و أن تتصدى لأي جهة تمنع حرية التعبير، ومن ثم ترفع مخرجات ذلك الحوار مرفقةً مع التوصيات الى المفوضية القومية لصياغة الدستور، واشترطت الورقة انشاء مفوضية قومية تمثيلية، تضم كافة قوى المجتمع السياسية و الاجتماعية، تكون مهمتها صياغة الدستور على هدى الأفكار التي جمعتها و صنفتها هيئة الحوار الدستوري، ومن ثم تلتزم المفوضية القومية للدستور بايداع مسودة الدستور أمام جمعية تأسيسية منتخبة، في تاريخ يحدده قانونها ، الذى يسمح لها أن تستعين بأي خبرات فنية أو قانونية، وطنية أو أجنبية في سبيل انجازها لمهامها، ويجب ان تعتمد مبدأ الشفافية بأن تنشر تقارير دورية، تكون متاحة للكافة للاطلاع عليها دون قيد، و تعقد جلسات تنوير و مؤتمرات صحفية، بجانب أن تراعى في تكوينها تمثيل المرأة بصورة منصفة، و أن يتم اشراكها بفعالية في صناعة القرارات الصادرة. اما المرحلة الثالثة تقتضى اجازة الدستور بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة يجوز لها أن تقوم بتعديل المسودة المقدمة لها بواسطة المفوضية متى ما توافق الأعضاء على ذلك، على أن تطرح تعديلاتها كجزء من المسودة المطروحة على الاستفتاء، ويحق لها ايضاً دعوة أعضاء المفوضية القومية للدستور لحضور مناقشات مسودة الدستور لتقديم شروحات و تفسيرات و تقارير و ملخصات حول قضايا بعينها، و الاجابة على اسئلة أعضاء الجمعية التأسيسية، واعادة المسودة الى المفوضية اذا دعت الحاجة ، مع ارفاق المقترحات و الملاحظات، على أن تقوم المفوضية باعادة ايداعها مرة أخرى وفق قيد زمني محدد، واقرت الورقة ان تجيز الجمعية التأسيسية مسودة الدستور بالتوافق اذا أمكن أو بالأغلبية المطلقة «ثلثي الأعضاء»، وبعد اجازة مسودة الدستور يجب ان تطرح للاستفتاء الشعبي العام، واجازة قانون خاص بعملية الاستفتاء خلال مدة زمنية لا تتجاوز 90 يوماً من تاريخ اجازة المسودة بواسطة الجمعية التأسيسية. اما المرحلة الرابعة والاخيرة هى الاستفتاء العام للدستور بعد اجازة الجمعية التأسيسية لقانون الاستفتاء، على ان يتم الاجراء بشكل ديمقراطي و حر، يستلزم على الجمعية التأسيسية التأكد من اكتمال اجراءات الاصلاح التشريعي بازالة كافة القوانين المقيد للحريات قبل الشروع في تكوين المفوضية القومية للدستور، و قبل البدء في الحوار الدستوري، ولضمان نزاهة و حيدة اجراءات الاستفتاء، يجب أن تضمن الجمعية التأسيسية وجود رقابة دولية ووطنية فعالة و كفؤة، تشارك فيها منظمات المجتمع المدني على نطاق واسع، ومن ثم تتم المصادقة على مسودة الدستور بواسطة الاستفتاء العام اذا صوتت نسبة «70%» من اجمالي المقترعين ب «نعم» لصالح اجازة مسودة الدستور، على أن لا تكون قد صوتت الأغلبية في أربع ولايات ب «لا» ضد اجازة مسودة الدستور، وفي حال وافق 70% من المقترعين على اجازة مسودة الدستور، فان لجنة الاستفتاء تحيل مسودة الدستور لرئاسة الجمهورية للمصادقة عليها.