بدأت الحكومة فى تلقي قروض للخروج من نفق أزمة النقد الأجنبى بالبلاد، خاصة بعد أن انخفض سعر الجنيه كثيراً فى مقابل الدولار، الأمر الذى أسهم بصورة كبيرة فى خفض سعر الدولار مقابل الجنيه السودانى بالسوق الموازى، مما جعل عدداً من الخبراء يتحسسون، الأمر الذي اختلف فيه الكثيرون، بينما يرى آخرون ضرورة ايجاد مخرج لأزمة النقد الأجنبي في البلاد غير القروض التى يمكنها أن تحل المعضلة فى فترة وجيزة تعود بعدها الازمة الى وضعها السابق بصورة كبيرة. ويقول المحلل الاقتصادي دكتور محمد الناير أنه إذا كان القرض في حدود ال «2» مليار دولار يمكن أن يحل مشكلة النقد الاجنبي بصورة جذرية لفترة قد تفوق الستة أشهر أو تزيد الى عام، ويرى أنه إذا كان المبلغ المتوقع قرضاً لدعم ميزان المدفوعات فهذا هو أفضل الخيارات، لجهة أنه يكون مخصصاً لدعم ميزان المدفوعات، وبالتالي يخلق استقراراً كبيراً في سعر العملة الوطنية، وهو الذي من شأنه أن يأتي بتحويلات المغتربين إذا ما اقترب السعران في السوق الموازي والسوق الرسمي من بعضهما، ومن ثم يأتي النقد الأجنبي إذا ما تمت السيطرة على معدل التضخم بجانب استقرار سعر الصرف، وهو الذي يساعد فيه القرض نفسه، بيد أنه اشار لإمكانية أن تكون هنالك خيارات أخرى للمساعدات عبر الإيداع وهو ليس بالشيء الغريب، حيث أن السودان نفسه عندما كانت لديه وفورات قبل الازمة العالمية كان قد وضع أموالاً في البحرين باعتبار أنها أكثر الدول التي تتعامل بالنظام الاسلامي ولديها أموال كثيرة في دول كثيرة، فإذن الايداع بين الدول فيما بعضها متاح وموجود، كذلك الاستثمار إذا كان المبلغ المتوقع قد دخل عبر الاستثمار فإنه يعتبر أيضاً مصدراً للدخل الأجنبي. ويشير إلى أنه في كل الأحوال سواء أكان إيداعاً أو قرضاً لدعم ميزان المدفوعات فإن الهدف الأساسي في النهاية هو أن تأتي الأموال بالعملات الأجنبية حتى تستطيع أن تساعد في بناء الاحتياطي للنقد الاجنبي مرة أخرى واستقرار سعر الصرف، ولكنه قطع بأن الخيار الأفضل أن يكون قرضاً لدعم ميزان المدفوعات بتسهيلات محددة، لأنه يجعل المبلغ مباشرة مخصصاً بالكامل لدعم ميزان المدفوعات الذي يُوجه بالكامل لاستقرار سعر الصرف، وعدا هذا يكاد ينعدم الفارق بين السوقين وهو الهدف الاساسي، مضيفاً أنه إذا تحقق فمن بعدها تأتي الاشياء الاخرى كالاستثمار أو غيره، مع تأكيده بفاعلية الخيارات الاخرى ايضاً. ولكنه أقرّ بأن المستثمر بالتأكيد يحتاج الى المقابل بالعملة المحلية، ويحتاج إلى أن يستثمر بصورة مباشرة في مشروعه، وبالمقابل تكون الدولة قد استفادت. وقال إن السودان الآن أصبح قبلة للاستثمارات الزراعية، وأضاف قائلاً: في السابق كان هنالك ضعف اقبال على القطاع، حيث اتجه الناس إلى الاستثمارات العاجلة «اتصالات، فنادق وبترول»، ولكنه رأى أن ما جعل الدول الآن تتجه نحو السودان هو الضغوط العالمية بشأن ارتفاع أسعار الغذاء العالمي وشحه، والمهددات التي أدت إلى ارتفاع معدل الجياع في العالم الذي جعل تأمين الغذاء من أهم الأولويات، خاصة أن السودان يعد إحدى ثلاث دول عالمية مرشحة لسد النقص فى الغذاء في العالم. إلا أن بعض الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أن من أهم العقبات التى يمكنها أن تواجه الحكومة فى استمرار تدفق القروض الخارجية، عدم الاستفادة من تدفق الاستثمارات العربية الكبيرة في مطلع الألفية. ويقول الخبير الاقتصادي حسن ساتي إن الهدف من القروض الجديدة العمل على تسديد الديون القديمة. واضاف قائلاً: كيف تطالب الحكومة المجتمع الدولى بإعفاء الديون ومن ثم تطالبه بقروض جديدة. ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين على رأسهم الدكتور الهادى التيجانى أستاذ الاقتصاد بعدد من الجامعات، أن الاصل هو عدم المطالبة بقروض من الدول، بل عرض المشاركة عليها فى المنفعة المشتركة كما تفعل العديد من الدول. ولكن مسألة القروض هذه تعد منهكة للدولة وغير مجدية، بل ربما يكون الحل مؤقتاً ولكن تدخل بعدها الدولة فى دوامة السداد التى تثقل كاهلها مجدداً، ومن ثم تبدأ فى البحث عن قروض جديدة. ويقول إنه من الاجدى والانفع أن تعمل الحكومة على تنشيط كافة المجالات عبر التسهيلات الكبيرة للمستثمرين ورجال المال والاعمال، واعطاء ميزات نسبية للاموال المحلية فى الاستثمارات على المدى القصير والمتوسط والبعيد بهدف الوصول الى ميزات اضافية للموارد المتاحة، وتحفيز عملية الشراكات الاستراتيجية ذات المنفعة المشتركة، واستدل بذلك على ما بدأ به حزب الحرية والعدالة فى مصر بأن تحفظ على مسألة القروض من الدول الغربية التى جاءت بنفسها لتقديم قروض الى مصر للخروج من الازمة الاقتصادية الراهنة، إلا أن الحزب تحفظ عليها وطالب الدول الكبيرة بالدخول فى استثمارات مفتوحة فى كافة المجالات ذات المنفعة المشتركة، معتبرا أن القروض ستكون وبالا على البلاد ولن تجدى نفعاً فى اوقات الازمات الاقتصادية. وفي ما يتعلق بالضمانات يقول الناير: لا توجد أية إشكاليات في ما يتعلق بالضمانات، لافتاً إلى مسألة القبول بالذهب باعتباره ضامناً بديلاً للنفط بدأت أخيراً تجد تجاوباً من الصين وعدد من الدول الأخرى، بعد أن تم التأكد من أن كمية الذهب الموجودة تكفي لضمانات مقدرة بالنسبة لاستعادة هذه الأموال أو القروض، معتبراً أن التخوف في البداية من قبول الذهب يرجع الى أن التعدين كان عشوائياً لجهة أنه من الصعب أن تعتمد هذه الدول عليه ضامناً بديلاً للنفط، ولكن المضي في التعدين المنظم ودخول الشركات في مجال التعدين بصورة جيدة، بالإضافة الى أن هنالك نسباً معلومة من الإنتاج للسودان وللشركات المنتجة، جعل الصين تقبل. وقطع بأن الدول لا تتعامل إلا بعد التأكد من أن هنالك كميات كافية تكون ضامناً لكل القروض التي تمنح للسودان في المرحلة القادمة.