٭ وضح جلياً أن الخلاف بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان لا يلقى قبولاً من احد بل على النقيض فإن دولاً كثيرة اخذت تبدي انزعاجاً واضحاً للخلاف الذي وقع بين الطرفين، والى ما قبل بدأ هذا الخلاف، كانت هذه الدول إما أنها تكيل الامور بمكيالين أو متحمسة لقضايا الجنوب فتبدي تأييدها الواضح والصريح لمشكلات الجنوب التي تحدث بينه وبين شمال السودان، ولعل مقولة (انصر اخاك ظالماً أو مظلوماً) أخذت تجد لها مساحة في ما يدور بين البلدين، وفجأة تغير سلوك هذه الدول الى فكرة البحث عن حلول عقلانية تجنب البلدين اثار اية حرب متوقعة بين البلدين، واخذت تزج بأنفها في هذه القضية بحديث اقرب الى الواقع والمسؤولية والعقلانية. فهذه دول مثل امريكا وانجلترا وفرنسا اعلنت انها ستقوم بوساطة كريمة بين الشقيقين المتنافسين والمتخاصمين على نفط السودان، واذكر انني قبل اسبوعين ناشدت كل العالم لا سيما ذوي الضمير فيهم ان يتدخلوا بوساطة كريمة نسبة لخطورة هذا الامر على البلدين المتخاصمين أولاً وخطورته ايضاً على مسار هذه العملية الاقتصادية بالنسبة للعالم أجمع، وكيف ان تسويق البترول العالمي سيضع السودان الام في قائمة سوداء قد تؤثر على تجارة النفط في العالم، كما أنهم بالطبع لا يستطيعون ان يفصحوا عن الدوافع الحقيقية لهذا التطور المفاجئ ومحاولتهم تكوين لجان الوساطة لحل هذه المشكلة، وكان الدافع الحقيقي في مؤخرة رؤوسهم هو ان القوى الاستعمارية التي تتعامل في هذا السوق تخشى على مصالحها من التأثر الذي لا يمكن تلافيه مستقبلاً. وعلى أي حال فإن الذي يهمنا في هذا الامر هو التطور المفاجئ في سلوكيات هذه الدول وفي هذه القضية، والذي نرجوه فعلاً ان تكلل هذه الجهود بالنجاح، وعندئذٍ سنقول لهم شكراً جزيلاً ثم تطمئن قلوبهم الى عدم وجود (ربكة) في سوق البترول العالمي. وعلى الرغم من انني قد ناشدت دول الاوبك وبحكم المهنة (والصنعة) فإن هذه الدولة الوليدة ستنضم قريباً الى مسيرة دول الاوبك، وكنا نعتقد ان مثل هذا الشعور اذا اخذ يعتمل في نصوص أعضاء هذه المؤسسة فسوف تكون هي من أولى الجهات التي كان ومازال يتحتم عليها مثل هذا الواجب، كما أنني دعوت الشقيقة مصر والشقيقة دولة الكويت ان يتدخلا بوساطة تسعى الى حل هذه المشكلة بين البلدين نسبة لما تربطهما من علاقة قديمة ومتطورة وثقة كبيرة ومتوفرة، ولكننا لم نسمع منهما ما يفيد بذلك. كما طالبت الأمين العام للأمم المتحدة للتوسط في هذا الأمر نسبة لما سيحدثه هذا الامر ان سار على نهجه الذي هو فيه. واعتقد ان بداية حل هذه المشكلة جاء من دولة الجنوب حينما قبلت مبدأ المفاوضات بينها وبين السودان، وسرعة هذا التطور الايجابي ان يكون لا بد للطرفين من الاقتناع بالتروي والهدوء الذي نأمل ان يؤدي في نهايته الى حل جذري مقبول من الطرفين، ولكن المهم والاهم من كل هذا ضرورة تناول الإعلام السوداني لهذه المشكلة بشيء من النضوج السياسي الذي يجب أن يشمل تخير لغة التخاطب والتفاهم بين الطرفين، لأننا لاحظنا أنه كلما ظهرت بوادر لاي اتفاق لمثل هذه القضايا يموت في مهده نسبة لاخفاق طرف واحد من الطرفين او كليهما في اختيار الكلمات التي يجب ان تتحلى بشيء من المعقولية وتبتعد تماماً عن لغة الاستفزاز والتشنج الذي يتحدث بها البعض في مثل هذه المواقف، ليس هذا في مجال الاعلام وحده وإنما في مجال أهم وارحب وهو مجال سماع اصوات ممثلين لحكومتي البلدين التي يجب ان تسعى ما أمكن ذلك الى اختيار اللغة المرنة المهذبة والمقبولة لكلا الطرفين، وانا اؤكد أن حرارة هذا لموقف كانت في اعلى درجاتها ويمكننا بعد ان عمل الجميع على إنزال درجات الحرارة هذه ان نحافظ على جو ودي سليم يمكننا من إجراء مفاوضات جادة ومثمرة، لأن القضية في لبها وطرفها قضية سهلة، لأن هناك كثيراً من السوابق التي تمت في كثير من المناطق البترولية لتنظيم رسوم العبور، وكنت أرجو مخلصاً أن يسمع الجميع ندائي الذي اطلقته قبل اربعة او خمسة اشهر ولكن نرجع الى قوة الايمان عند الجميع، ونصدق جازمين بأن الله سبحانه وتعالى سيهدي الجميع الى الوصول الى حالة من القبول والرضاء بحل يتقف عليه ويصير ملزماً لكلا الطرفين حتى يمكنهما العمل الجاد في وضع أسس مقبولة للتفاهم في هذه المسألة وكثير من المسائل المختلف عليها، (وما تشاءون إلا ان يشاء الله) صدق الله العظيم. سرني جداً أن تختار حكومة جنوب السودان الاخ باقان أموم لرئاسة وفد حكومة الجنوب، ولعل مرد هذا السرور ما يربطني بالاخ باقان من صلات حميمة، وثقتي الشديدة في انه قد تبين مخاطر هذا الاتجاه الذي كان سائداً قبل اسبوع والذي وصل الى طريق مسدود ادى الى وقف هذه المفاوضات وقفاً تاماً. ولعل اخواننا في الجنوب لم يتصوروا الدمار الذي سيصيب صناعة وتجارة البترول من جراء هذا الذي تم، وانزعاج دول العالم الكبرى لهذا القرار واعلانهم بأن مثل القرار قد يتهدد صناعة البترول في السودان، وسيؤدي بالقطع الى وضع السودان كأول بائع يوضع في كشف النقاط السوداء، وهو امر لو تعملون عظيم، وانا الذي ابديت انزعاجاً وقلقاً من نشوب هذه الازمة قد أكون من اكثر الناس سعادة اذا تم اتفاق بين دولة السودان وحكومة جنوب السودان، لأنني احمل في قرارة نفسي وعميق مشاعري شعوراً صادقاً بأن البترول الذي تم اكتشافه وسيتم اكتشافه مستقبلاً هو صمام الامان الوحيد بعد ارادة الله وقوته في قيام تنمية جادة ومثمرة سوف تعود بالخير الوفير العميم على كل من البلدين، على الرغم من انني لاحظت أن الادارتين الحكوميتين في الشمال والجنوب يحيدان عن هذا الهدف ويركزان على شراء الاسلحة الكثيرة المدمرة استعداداً لليوم الاسود الذي يتوقعون حدوثه او يعملان بوعي او بلا وعي على خلق الاجواء التى تؤدي الى مثل هذا الشعور، وانتهز هذه الفرصة لأناشد القيادتين في الشمال والجنوب أن يعملا سوياً على خلق هذا الشعور الذي سيؤدي الى بناء سودان قوي ومتحد يكون أنموذجاً يحتذى به في هذه المنطقة والمناطق التي تجاورها. دعونا وبدلاً من التقيد بخطوات (دبلوماسية) نتذرع بها نحن في العالم الثالث ولا نعمل بها، دعونا ندخل في لب الموضوع مباشرة لنضع حداً لهذه المشكلات، ووضع الخطط المستقبلية لحل مثيلاتها. إن التاريخ لا يرحم، وفي حالتنا نحن في السودان فإنه سيسجل بدقة متناهية على كل من يتسبب بالحيرة عند وضع هذه الاسس أو العمل على خلق المشكلات، لان بلادنا مهما تعددت المسميات الدستورية والسياسية فإنها بلد واحد تمازجت دماؤها منذ امد بعيد، وكل الذي يحدث الآن هو أن البعض في أنحاء السودان الاخرى اراد ان يستغل الحمية القبلية لتحقيق بعض الطموحات السياسية، وهذا لعمري مؤشر خطير ومدمر، لأنه ان استعمل فلن يترك لنا بلداً نستطيع ان نحكمه بديمقراطية شعبية، كما أننا ينبغي ان نتحوط لضرورة توافق او انسجام امتدت صلاته عشرات المئات من السنين، وتم خلالها التزاوج بين الشعبين، كما تم التأثير على مجتمعيهما بعادات وتقاليد كل مجتمع على الآخر. هناك حقيقة لا أجد حرجا في التحدث عنها بوضوح. وهى أنه اذا لم نتدارك هذا الموقف بشيء من الحكمة والتعقل فإن حرباً شرسة لا محالة سوف تقع بين الشعبين، وانتم تعلمون في الجنوب وفي الشمال ان هناك حروب بين فئات قبلية كثيرة ومتشابكة تدور رحاها في الجنوب، وهى كما اسلفنا ذات مبادئ غير مقبولة ولا تؤدي الى قوة حكومة الجنوب ولن تساعدها في أية تنمية مفيدة مهما كان قدرها، كما نقول للإخوة في حكومة الشمال إن هناك مشكلات وحروب تدور رحاها حول اسباب قبلية وجهوية، وتجد كل العون من بعض العناصر التي تثير حروباً عنصرية، والحال هكذا فإني اناشد القادة في الشمال بنفس القوة التي ناشدت بها القادة في الجنوب، وكل ما ارجوه ان يعمل الطرفان على التحقق من مخاطر هذه الخلافات ودرئها لأن خطرها على الكل لو تعملون عظيم. هل تؤدي خلافات الإسلاميين إلى التأثير على الحركة الأم؟ ٭ يبدو أن السودانيين قد اخذوا يتأثرون بما تتناقله الاخبار في الحياة العامة، فأخذوا يبدلون او يضيفون اليها شيئاً من عندياتهم، فقد نشرت الصحف قبل اسبوعين او ثلاثة ان الحركة الاسلامية قد اصدرت بياناً مارست فيه النقد الذاتي على تحركات الاسلاميين، كما اوردت الصحف في اعداد متفاوتة الذين صاغوا هذه المذكرة او اشتركوا في صياغتها، ولم يعد سرا فحوى ما كتب، وهى ملاحظات عادية لا ترقى الى تقييمها اكثر من التقييم الذي اتفق عليه الجميع واعتبروه نقداً ذاتياً للحركة. ولكن حُمى المذكرات لم تقف عند حد المذكرة الاولى، فأخذت بعض التنظيمات الاسلامية في تدبيج المذكرات بآراء ونظم مختلفة، كما ان بعض من الاسلاميين من المخضرمين في هذه الحركة قد اشتركوا في إبداء آرائهم في فحوى المذكرة، وكان اول من انبرى لها الاخ/ أحمد عبد الرحمن محمد المسؤول عن الصداقة الشعبية، وأعلن تأييده لها بشيء من التحفظ، كما علق قطبي المهدي عليها بقوله انها مذكرة ليس فيها ما يحظر او يسيء، وأعلن ايضاً أن المذكرة ان عرضت عليه لوقعها لأنها لا تتعارض مع سياسات المؤتمر الوطني. كما ان نقاشها العام في الصحف السيارة المختلفة قد وجد طريقاً لا بأس به. الذي يهمني في هذا الامر هو ان الظروف التي يمر بها السودان الآن هى ظروف جد صعبة، وقد تؤدي الى نتائج وخيمة قد تخرج من المعنى الذي كتبت من اجله، كما أننا نرى الآن أن مشكلات السودان كثيرة ومتعددة ومتشعبة، ويجب ان تتضافر جميع الجهود للمشاركة في سبر غور هذه المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها، مع الاهتمام بتوعية الشعب السوداني الكريم للمخاطر المحدقة ببلادهم، وقد يعتبر البعض مثل هذه المذكرات أنها حركات انصرافية لا تخدم غرضاً لاحد. وكاتب هذه السطور ميال الى الوقوف مع هذا الرأى نسبة للمشكلات الكثيرة التي تحيط بشعبنا الآن، وضرورة حلها عن طريق التوعية الشعبية اللازمة، وتمدد الامر الآن الى اكبر من مذكرة الاسلاميين بظهور بعض المشكلات الاخرى التي يسيرها من يحملون هذا اللقب ممثلاً في هيئة العلماء التي قررت استتابة الاخ الامام الصادق المهدي، وهى بلغة هذه الجماعات هيئة اولية لتكفير الامام الصادق المهدي، وقد كتبت قبل ثلاثة اسابيع في هذا الباب مطالباً بإحالة هذا الموضوع الشرعي الى محكمة قانونية تفتي في هذا الموضوع، لأن تقاذف التهم في هذا الموضوع ضار للغاية، لا سيما أن الاخ الصادق يعيش في هذا البلد ويؤم جماعة إسلامية كبيرة لها ماضٍ عريق في الذود عن الاسلام وتكوين اول حكومة اسلامية في المنطقة. إن هناك انتصارات كبيرة قد حققها الاسلاميون في الانتخابات التي اجريت حتى الآن في تونس ومصر، وقد حقق التيار الإسلامي اغلبية ساحقة في هذه البلاد الامر الذي سيثير حفيظة العلمانيين وبعض القوى الاشتراكية الأخرى والتي تعارض مبدئياً زج الدين في السياسة، واذا لم ينتبه الاسلاميون فسيواجهون مشكلات كثيرة مع هؤلاء، وسيجد العلمانيون فرصة سانحة للعمل على وقف هذا الزحف الديني في الدول العربية والاسلامية، ونصيحتي لهؤلاء الذين يدعون انهم التيار الاسلامي أن يفطنوا لهذه الحقائق. كلمة لا بد منها الأسعار ٭ أخذت الزيادات في أسعار السلع المختلفة تلقى علينا كل يوم من اصحاب هذه السلع، وكانت آخرها تلك الزيادة التي أعلنتها شركات المياة الغازية، على الرغم من ان سعر السكر مستقر منذ زمن طويل، ولا اجد سبباً وجيهاً واحداً إلا اذا ارتفع سعر الماء الذي تصنع منه هذه المشروبات. وأرجو من والي ولاية الخرطوم أن يدرس هذا الأمر دراسة اقتصادية يتم بموجبها تقدير الأسعار لهذه المنتجات، مراعاة لظروف الوطن والمواطنين والله الموفق.