قبل أن أبدأ في حديثي هذا أرجو أن أعتذر للقارئ الكريم عن عدم تمكني من كتابة حديث الأربعاء في الأسبوع الماضي نسبة لاعتلال صحي لم يمكنني من الكتابة ومازلت أشعر ببقية من آلامه، إلا أنني اضطررت لأن أغالب نفسي مغالبة شديدة للتحقيق والكتابة فيما يدور في بلادنا هذه الأيام ولعل القارئ يلاحظ بأنني كنت ميالاً لحل المشاكل بين الدولتين عن طريق التفاوض والتشاور، وكثيراً ما دعوت لذلك دون أن أشعر بحرج يقيناً مني بأن مستقبل الدولتين مربوط ربطاً وثيقاً بتعاونهما مع بعض. سبق أن نبهت الى أن الحكومة السودانية جاملت كثيراً فيما يختص بإرجاء المشاكل المعلقة إلى ما بعد الاستفتاء وذلك برغبة ضاغطة من الحكومة الامريكية. ومنذ أن أعلن قيام دولة الجنوب أخذت المشاكل تترى وأخذ الاخوة في جنوب السودان يقعون تحت سيطرة قوى اقليمية تعمل جاهدة على خلق الاضطرابات والمشاكل في السودان. ورغم كل هذا فإن حبل الصبر والمفاوضات قد امتد فيما يختص بقضية أبيي والتي يعمل الاخوة في حكومة جنوب السودان على انتزاعها لتضحى جنوبية على الرغم من أن حكومة جمهورية شمال السودان قد أفرزت من الوثائق والمستندات ما يثبت بأن قبيلة المسيرية هي صاحبة الحق الأوفر في تلك المنطقة يشاركهم فيها دينكا نوك والتي كان يمكن أن يتعايشا لولا الإثرة في حكومة الجنوب والتي تريد أن تبتلع الجمل بما حمل ومازال الموقف على ما هو عليه دون بادرة من حكومة الجنوب للتعامل مع الأمر الواقع. ثم ظهرت في الأفق أزمة ترحيل بترول الجنوب الذي يمر بأراضي شمال السودان وهي مسألة محلولة بالأعراف الدولية؛ لأن كثيراً من بلدان الشرق الأوسط وآسيا يمر بها بترول دول أخرى وهناك رسوم معروفة تدفع من جانب الدولة المنتجة للبترول. وقد نبهنا ابان الأزمة لضرورة الاحتكام لمثل هذه الأعراف ومحاولة مقارنتها ببترول الجنوب واستخلاص أسعار مناسبة ترضي الطرفين، ولكن هذه المسألة لم يعمل بها ونقلت إلى وساطة الاتحاد الافريقي بأديس أبابا كما انتقلت وفود تمثل حكومة جمهورية السودان وحكومة الجنوب تحت رعاية واشراف الرئيس الجنوب افريقي السابق أمبيكي ودارت مفاوضات شاقة وطويلة بين وفود البلدين واستطاعوا من خلال الوساطة وضع حلول لجميع المشاكل بين البلدين واتفق الجميع على لقاء قمة يتم بين الرئيس البشير والرئيس سلفاكير وابداء لحسن النية وافق الأخ الرئيس على الذهاب إلى جوبا والتوقيع على الاتفاق مع سلفاكير لو تمت اجازته من القمة ولكن الشيء المحير والمحير جداً انه وفي هذا الجو الواعد أطلق أحد المسؤولين في جوبا قذيفة مطالباً باحترام قرارات المحكمة الدولية والتي تطالب بتسليم الأخ الرئيس لهذه المحكمة العميلة وأثار هذا التصريح حفيظة كل أهل السودان في الشمال ولكن الاخوة في الجنوب أرسلوا وفداً رفيع المستوى بقيادة باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية للتفاوض حول مؤتمر القمة المزمع عقده في جوبا بين الرئيسين ولكن المذهل والمحير في الأمر أن هذا الوفد الذي بعث الأمل في نفوس كل الحادبين على مصلحة البلدين اتضح أن هناك أموراً مبيتة تحقق ما ذهب إليه معارضو رحلة الرئيس إلى جوبا. وأقر الأخ باقان أموم أن يكون بيانه الختامي بهذه الرحلة هو ارسال قوات من الجيش الشعبي إلى جنوب كردفان منطقة تلودي ثم تطور الأمر واستولى الجيش الشعبي على منطقة هجليج الغنية بالنفط والتابعة لحكومة شمال السودان والتي لم تكن في يوم من الأيام مصدر نزاع بين الشمال والجنوب، وقد خلق هذا التصرف الأحمق موجة عارمة من السخط والغضب وأعاد لنفوس السودانيين ذكريات الحرب الأهلية الماضية بكل ما خلفته من مشاعر غير ودية بين الشعبين كما أن هذه الحركة قامت بالقضاء على كل آمال وطموحات أهل السودان في خلق علاقات ودية وندية بين الشعبين ومهندسو هذه الحركة إن كانوا يعلمون ما ستحدثه من آثار سالبة ومشاعر عدائية لما قاموا بها. وأنا أؤيد ما ذهبت إليه حكومة السودان في رفض أي وساطة لا تعمل على اجلاء القوات الجنوبية من منطقة هجليج وجنوب كردفان، ولابد أن يعمل الاخوة في جنوب السودان لتغيير هذه الصورة القبيحة والذي شجبته القوى العالمية ممثلة في مجلس الأمن والقوى الاقليمية ممثلة في الاتحاد الافريقي والقوى الوطنية ممثلة في التنظيمات الوطنية المختلفة التي شجبت هذا التصرف شجباً يصل إلى درجة القطع عند معظمها وشجباً خفيفاً عند الذين مازالوا يتعاملون مع أحداث السودان بطريقة ليس فيها الحسم القاطع. وبهذه المناسبة فإنني أرجو أن أنبه إلى حقيقة طالما دفنا رؤوسنا في الرمال في التحدث عنها بحجة الوحدة الوطنية أو الانحياز إلى الديمقراطية الليبرالية وأخذت بعض القوى السياسية تتفنن في استغلال هذه الشعارات العاطفية وصولاً إلى واحد من أمرين: أولاً: ضرب النظام القائم أو الوصول إلى تحقيق أهداف ايدلوجية لا تقوى القوى التي تعمل لها بمواجهة مخططاتها للشعب السوداني الكريم الذي وضح أنه يهتم ويتحسب لعزته وكرامته، ونحن نؤمن بأن النظام القائم هو نظام سياسي يمارس نشاطه في ظل الديمقراطية، وأنا شخصياً أعتقد بأن من يريد ضرب النظام الحالي أو الاطاحة به عليه أن يسلك الخطوات الديمقراطية عن طريق مزيد من إعمال في الديمقراطية ولا يمكن لأي وطني عاقل أن يعرض عزة وكرامة السودان للوصول إلى هذا المبتغى. لقد لاحظنا بأن هناك كثيراً من الأدبيات والثقافات السياسية تحاول أن تلغي دور السودان وتعرضه للانتقادات والتهميش الذي يحط من قدر السودان على حساب مسميات لا أصل لها في قاموس الوطنية وعليه فإني أرجو مخلصاً من جميع القوى السياسية الوطنية التي تحترم وتعز وتجل تراب هذا الأرض وتعمل بضمائر سودانية خالصة. على هذه القوى أن تعمل وعلى جناح السرعة بالاتفاق على وضع الأسس واللبنة الأولى لوضع قانون الخيانة العظمى لوقف هذا التدفق من الخيانات في حياتنا السياسية والتي سمحت للبعض أن يجاهروا بالانحياز إلى قوى أجنبية ضد مصالح السودان وهو أمر معيب ومشين، وإذا تركنا الحبل على الغارب لهؤلاء المتفلتين الذين لا ضمائر ولا وطنية لهم فإن بلادنا ستفقد كثيراً من ذاتيتها في زحمة مراكب الخيانة والتي تسرح وتمرح تحت مسميات عدة. إن وضع هذا القانون سيمكننا من حصر الخونة والأعداء والمأجورين وابعاد خطرهم على بلادنا. كما أن هناك حقيقة مرة ليس السودان هو البلد الوحيد المعني بها وإنما امتدت جذورها إلى كثير من بلدان المنطقة وأعني بذلك تلك الأموال التي تقدمها الدول الاستعمارية الكبرى لقطاعات كبيرة من المنظمات بحجة تجويد العمل الصحفي تارة والعمل الحزبي السياسي تارة أخرى تحت سمع وبصر الحكومات ذات الشأن في تلك البلاد، وهذه تحوطات يجب القيام بها فوراً لضمان نزاهة وحرية الحركة السياسية في بلادنا. ولنعد إلى موضوع احتلال هجليج من قبل الجيش الشعبي الذي وكما أسلفنا أن هذا العمل يقابل بشجب ورفض من الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي ونحن من جانبنا نرجو أن نلفت أنظار الجميع بأن هذا الأمر أثار حفيظة أهل السودان في الشمال وخلق نوعاً من الحساسيات والأحقاد التي كنا نظن أننا تخلصنا منها. كما أن أخطر ما في الموضوع أن هذا الاحتلال والسلوكيات التي لازمته من جانب الجنوبيين جعلتنا نتذكر بشيء من الأسى والأسف حوادث 1955م التي راح ضحيتها كل أهل الشمال الذين كانوا يعملون في مواقع تنموية أو تعليمية وأبيدوا عن آخرهم تحت مرأى ومسمع عوائلهم وفقد السودان في ذلك الوقت خيرة أبنائه من المثقفين والمتعلمين والذين كانوا يعملون في تنمية وتأسيس المشاريع التنموية كمشروع أنزارا الذي فقدنا فيه الأستاذ الطاهر السراج وهو من كبار الخريجين في ذلك الوقت، وفقدنا الأستاذ النذير مدير مدرسة رومبيك الذي تم قتله أمام أسرته، وفقدنا كثيرا من الشباب الذي كان يعول عليه في تنمية السودان وفقدنا المرحوم علي البكري والمرحوم عصمت بحيري والمرحوم مصطفى علي نديم، والأخيران قد مثل بجثمانيهما إذ علقا فوق شجرة وتم حرقهما حتى درجة التفحم والجرم الجنائي الأكبر هو قتل جميع تجار أم دوم، وشهدنا في ذلك الوقت أكثر من 30 مأتما وفراشا في قرية أم دوم ولمعلومية الذين يحاولون أن يربوا في نفوس اخوتنا الجنوبيين مشاعر الحقد أذكرهم وأنا في ذلك العام أعي كل كبيرة وصغيرة فلم تتسبب هذه الابادة الجماعية للشماليين في خلق مشاعر حقد أو انتقام وعاش اخواننا الجنوبيون بين ظهرانينا في سلام وأمان وكنت آمل أن أجد كتابا قام بوضعه قاضٍ لبناني يدعى ميشيل قطوان، سرد فيه كل حوادث 1955م كما أورد فيه أسماء جميع الشهداء ومن سوء الحظ أنني لم أعثر على هذا الكتيب لأمد القارئ بكثير من التفاصيل بدلاً من تفاصيل الذاكرة هذه. إن الشجب الذي صدر من الاتحاد الافريقي والأممالمتحدة كان يجب أن تعقبه اتصالات سريعة في كلا البلدين لأن أسلوب الشجب هذا لن يوقف خطورة هذا العمل الذي يتطور في كل ثانية وكان على المجتمع الدولي أن يبذل جهداً غير بيانات الإدانة. وأعجبني الدور المصري الرائد الذي تجلى في اتصال المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي اتصل بكل من المشير عمر البشير رئيس جمهورية شمال السودان والفريق سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب وأوفد وزير خارجيته لاجراء محادثات مكثفة مع الطرفين وهو دور مطلوب ومرغوب من الشقيقة مصر والتي تتحوط دائماً لأمن وأمان وسلامة وادي النيل. الطريقة السمانية الطيبية القريبية تحتفل بالذكرى الثانوية للمرشد الشيخ زين العابدين الشيخ حسن الطيب أقام مولانا الشيخ الشعراني الشيخ زين العابدين الذكرى الثانوية السادسة عشرة للعارف بالله والده الشيخ زين العابدين الشيخ حسن الطيب، وذلك بمسجدهم بمدينة شمبات. وقد أم الاحتفال عدد كبير من رجال الطرق الصوفية وعدد مماثل من رجال المجتمع السوداني وأنا ان فاتني الحضور الجسدي لهذه المناسبة نسبة لمرضي إلا أنني كنت معهم بروحي، راجياً من الله المولى العظيم وببركات هذا الولي الكامل أن يهيئ لي علاجاً سريعاً وشاملاً. كما أتقدم بخالص التهنئة والتبريكات لمولانا الشيخ الشعراني الشيخ زين العابدين، راجياً من الله العظيم أن يوفقه دوماً للسير في طريق والده العارف بالله الشيخ زين العابدين، كما أرجو أن أتقدم بالتهنئة الخالصة لكل اخواننا في الطريقة السمانية. كلمة لابد منها أرجو أن أسجل أسفي وامتعاضي لهذه الخلافات التي أخذت تطفو على السطح بين شمال السودان وجنوبه، شاجباً تلك الميول التخريبية التي ظهرت في تكوين آبار البترول والتي لم تمارس في أي قطر من الأقطار مهما بلغت درجة الخلافات داخل البلدان المنتجة، مذكراً بأن النفط طالما استخرج من باطن الأرض ليصير ملكية عالمية ولا يجوز العبث بها. والله الموفق