عندما تقول قوى المعارضة السودانية «ان هذا الامر مخالف للقانون والدستور»، فلا تجهد نفسك كثيرا في التفكير في انها تقصد الحريات وحقوق الانسان وما الى ذلك من مطلوبات التحول الديمقراطي الاساسية ، وانما هي تتحدث فقط عن الغاء ندوة او عدم منحها تصديقا للتظاهر من اجل اسقاط النظام، وذات العبارات التي تكررت كثيرا رددها رئيس هيئة الاجماع الوطني المعارض امس الاول فاروق ابوعيسى بعد ان منعت السلطات الامنية قيام ندوة دعت لها المعارضة لمناقشة أزمة الحكم بالبلاد من منظور فكري بمركز الدراسات السودانية بالخرطوم، الا ان ابوعيسى لم يتوعد السلطات بالتقاضي امام القضاء او بخروج جماهير القوى السياسية التي تشكل التحالف، لكنه تركهم للمولي عز وجل قائلا «سنشكو النظام الى الله». فهل يعني هذا الامر ان اليأس ألم برئيس الاجماع المعارض بسبب وعورة طريق التغيير ام انها ردة فعل نتيجة لعدم توقعه للخطوة التي اقدمت عليها السلطات الامنية، ربما لا هذا ولا ذلك بل طريق جديد للتغيير، الخيار الاخير هو الارجح فالمتتبع لحراك المعارضة التعبوي يلحظ انها نادرا ما تخاطب الجماهير بالخرطوم عبر منابر مفتوحة مكتفية بالحديث من داخل الدور الحزبية والمراكز المختلفة وهو ما لا يحتاج الي تصديق او اذن مسبق من السلطات، علق علي الامر احد قيادات المعارضة الحانقين قائلا، هذه صيغة لا ترهق المعارضة ولا تغضب الحكومة وتبدو كأنها اتفاق غير معلن بين الطرفين فالاولي ارتضت بالمساحات الداخلية لدورها وتركت الميادين ، وهو مالا يتفق مع شعاراتها الداعية للتغيير لكنه يتسق تماما مع الاصلاح الذي ينادي به زعيم الانصار رئيس حزب الامة الصادق المهدي، وقريبا من القيادي المعارض يذهب المحلل السياسي قرشي عوض حيث يعتبر توجه ابوعيسى لشكية النظام الي الله كلمة عشم حتي تغير الحكومة من سلوكها السياسي مما يضع المعارضة في خانة التغيير الناعم والاصلاح، ويقول قرشي في حديثه ل» الصحافة» امس ان المعارضة اذا اكتفت بالنشاط داخل الدور فهي ستكون بذلك قد حادت عن طريق الاسقاط وبدأت تعمل في جر النظام الي الاصلاح كما يرغب الامام المهدي. قبل كل ذلك لنتمعن في ماقاله ل «الصحافة» احد القيادات الطلابية«بمؤتمر الطلاب المستقلين» وهو تنظيم طلابي ساهم في انتفاضة ابريل 1985م، و يدعي ياسين صلاح وكان الحديث عقب اطلاق سراحه من المعتقل مع مجموعة من الشباب المنتمين للمجموعات الرافضة للنظام والداعية لاسقاطه، فهو ردد عبارة قال انها وجهت له بالمعتقل تعطي تفسيرا لحديث القيادي المعارض انفا يقول ياسين : اخبرونا داخل المعتقل بان العمل في الشارع ممنوع، واضاف قالوا لنا «نحن لا نحجر عليكم لكن داخل دوركم وجامعاتكم فقط اما الشارع فهو خط احمر». السؤال الان هل هناك موقف جديد من جانب الحكومة؟. يقول مراقبون ان منع ندوة الامس الاول ليس امرا مدهشا او مستغربا و ان قامت المعارضة بقراءة ما حملته تصريحات المسؤولين خلال الايام الفائته لما ابدت دهشتها او ظهرت بتلك الربكة، بداية الاسبوع بولاية القضارف توعد الرئيس البشير المعارضين بالحسم واستخدم واحدة من عباراته التي تتصدر دوما العناوين الاولي في الصحف «سنفقع مرارتهم» موجها حديثه للمعارضة التي اتهمها بالعمل مع الاعداء ، وقال انهم اذيال للصهيونية. لكن يبدو ان الحالة التي حدثنا عنها القيادي المعارض ومانقله القيادي الطلابي هي ما يترك طريقا للاستغراب، في ما يري اخرون ان القضية ليست منع قيام ندوة او غيرها، اذ يتساءل الباحث السياسي منتصر ابراهيم الزين عن ماذا تريد ان تقول المعارضة ان فتحت لها كل المنابر؟، ويقول الزين في حديثه ل «الصحافة» امس ان خطاب المعارضة بات غير ذي جدوى ، معتبرا ان تعرية الانقاذ وكشف فساد المسؤولين ومنسوبي النظام لا يحتاج الي منابر لان الواقع يترجم اخفاقات المؤتمر الوطني، وحالة التصدع التي بدأت تظهر في السطح والتي ليس بدايتها بالضرورة جبهات الحرب بجنوب كردفان والنيل الازرق ولا نهايتها الضائقة الاقتصادية الانية كلها تكشف عن حالة التردي التي يعيشها النظام ومعارضية، ويتساءل الزين ايضا: هل يملك المعارضون رؤية بديلة لحل القضايا العالقة وان وجدت لماذا تظل حبيسة الادراج، في هذه النقطة بالتحديد يقول قيادي بارز في قوى الاجماع الوطني مشترطا حجب اسمه ان رؤى قوى الاجماع ستعلن قريبا، لافتا الي انها متكاملة وشاملة لحل أزمة البلاد فقط في انتظار رؤساء الاحزاب للتوافق عليها، في اشارة منه للاوراق التي كشفت «الصحافة» عن بعض ملامحها نهاية الاسبوع الاول من فبراير، وهنا يشدد الزين علي ضرورة توجه المعارضة للشعب السوداني عبر استراتيجياتهم وبدائلهم وخططها الاصلاحية. لكن المفكر المعروف عبدالله علي ابراهيم ينظر الى الامر من زاوية اخرى ويحصر مقعدات المعارضة في انها لا تتوجه بخطابها الى صلب قضايا الجماهير، ويقول في حوار نشرته جريدة «الجريدة» امس ، ان المعارضة لا تبحث عن مصالحة شاملة لانقاذ الوطن ولكنها تتحدث عن مصالحة بينها والحكومة ومحاصصة بينهما الاثنان، لافتا الي ان مسألة المصالحة الحقيقية يجب ان تترك لتغيير اكثر جذرية، واستشهد ابراهيم بالانتخابات الاخيرة الذي كان ضمن مرشحي الرئاسة فيها، والتي اعتبر حسبما جاء بالحوار ان المعارضة لم تكن راغبة في الانتخابات في الاساس بل كانوا يبحثون عن شئ يرضي ضميرهم، مشيرا الى ترددهم بين المقاطعة ام المشاركة . اما الزين فيقول ان ما يقوم به النظام لايعدو كونه فزاعات لشغل الرأي العام وتلميع قيادات المعارضة لان المستفيد هنا ليس النظام بل الاثنان معا لحالة التردي التي يعيشها الطرفان.