لقاءات وتجمعات المغتربين أضحت هذه الأيام تسيطر عليها أحاديث الانتخابات، بل أصبح بعض المغتربين يتحدث عن الانتخابات ومآلاتها حتى خلال ساعات العمل في المؤسسات والشركات التي تحتضن مجموعات كبيرة منهم، ويمكن أن تسمع فجأة احدهم وفي غمرة العمل يطلق صيحة «يا خلف الله ما عذبتنا»، كأنه يحاول أن يأخذ قسطا من الراحة، ويخفف ضغط العمل وهو يسترجع «سلسلة» جمال حسن سعيد ومجموعته، عبر الفضائيات السودانية من الحكايات التثقيفية الجاذبة بشأن الانتخابات. كما أن السودانيات في أرض الغربة لحقن بالركب، فتحولت أحاديثهن في المتنزهات والحدائق الى كل ما يتعلق بالانتخابات، وهن بارعات في تبادل «الأخبار العاجلة» التي تفيد بمن انسحب، ومن تحالف مع من.. وماذا جرى في الحزب «الفلتكاني».. وما هو موقف الحزب «العلاني».. بل لهن نصيب في تحليل مآلات الوضع مستقبلا. وعندما تعود إلى المنزل بعد يوم عمل طويل ومرهق، وتشاهد التلفزيون، وأنت تقلب دفاتر الصغار، في ذات الوقت الذي تتناول فيه «وجبه الغداء» المتأخر، يطل من الشاشة أحد المرشحين في مختلف المستويات وهو يتحدث عن برنامجه الانتخابي، الذي يغلب عليه «المأكل والمشرب»، وإن خرج قليلاً عن المأكل والمشرب فهو لا يغادر غزل «البطون» حتى يتحدث عن «العلاج» .. ولكنه لا يتحدث أبداً عن خططه لتوطين التقنية الحديثة أو الصناعات الثقيلة ولا حتى عن إعادة «الأقطان» إلى أسواق «مانشستر»، أو حتى عن «الرفاهية» بمعناه الواسع .. «يعني» الكل يستبقون حاليا حتى يوفروا لنا الأكل والشُرب، وكأننا «أمة من الجياع».. فالإنسان السوداني رغم «المعاناة» تجاوز مرحلة من يبشره بأنه سيوفر له الأكل والشُرب. المهم يبقى أن أهل السودان ومعشر المغتربين في حالة انشغال بأمر الانتخابات حتى ينقضي أمدها، ويفوز من يفوز.. حتى يبلغ أهل السودان مرحلة أخرى ربما تسود فيها الأحاديث حول التزوير وعدم النزاهة، ومن ثم انتهاء بعض التحالفات السياسية الهشة. وحتى انتهاء أمد الانتخابات سنظل نتحمل من يدخل منازلنا عبر الفضائيات وهو يحدثنا عن أنه سيوفر لنا لقمة العيش، وسنتحمل من لا يحترم عقولنا وهو يفتي بلا علم، وسنصبر على من يحدثنا عن الوطنية المزعومة، كما أننا سنصبر على «عذاب خلف الله» ونسأل الله أن يهديه إلى صناديق الاقتراع ليسجل صوته الذي هو أمانة في عنقه. وأخيراً نقول للذين سننتخبهم بلسان المغتربين اعملوا على إيجاد فرص جاذبة لاستقطاب المغتربين الذين يرددون صباح .. مساء، وهم يعانون لوعة الابتعاد عن الوطن: يا نفس ويحك في التغرب ذلة ٌ.. فتجرعي كأس الأذى وهوان وإذا نزلت بدار قوم دارهم .. فلهم عليك تعذر الأوطان