هل يعتبر انتشار التعليم الخاص فى السودان مؤشراً لقصور أصاب العملية التعليمية الحكومية حتى غدت بيئة طاردة للتلاميذ وللمعلمين معاً، فارتفعت أسهم المدارس الخاصة التي باتت تقدم إغراءات جعلتها جاذبة، فلم يستطع المعلم والتلميذ مقاومتها؟ وهل نجحت مؤسسات التعليم الخاص في توفير البيئة المثالية للعملية التعليمية التى انعدمت بالمدارس الحكومية؟ ولا يخفي المعلمون والآباء الاهتمام الذى يحظى به طالب المدارس الخاصة فى الجانب الاكاديمى، غير أن هنالك إجماعاً بأن بعض تلك المؤسسات تفتقر لمقومات تساعد في نبوغ التلاميذ، فبعضها يحتاج نظام الدراسة المتبع بها إلى إعادة صياغة خاصة الاسلوب الذى تتبعه فى التعجيل بإنهاء المنهج فى النصف الأول من العام الدراسى، مما جعل الأمر يشكل هاجسا لأغلبية الطلاب وأُسرهم. وأبدت مجموعة من أولياء الأمور قلقها على مستوى أبنائهم الاكاديمى من عملية الضغط والازدحام التى يتعرضون لها، حيث تعجل إدارات المدارس الخاصة بإكمال المنهج خلال الشهور الأولى من بداية العام، ليحدث الأمر ربكة للطالب من شدة التركيز والازدحام فى الدروس. ووفقاً لرؤية بعض أساتذة علم النفس والاجتماع الذين يتبعون إلى المدراس الخاصة، فإن الضغط على الطالب أكاديمياً سيأتى بنتائج عكسية، مؤكدين أن كثيراً من أولياء الأمور فضلوا تلك المدارس بالمباني والبيئة المهيأة دون التركيز على الجانب الاكاديمي. وفي حديثه ل «الصحافة» يقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير إن التعليم الخاص اصبح احد ابواب الاستثمار، ويسعى الكل الى دخوله بهدف تحقيق الأرباح عبر المدارس الخاصة وليس غير ذلك، بل حتى المدارس التي تعمل على تجويد أدائها فإن ذلك يكون بهدف التنافس وجذب اكبر عدد ممكن من الطلاب لهذه المدارس، مما يجعلها تتفوق في امتحانات شهادة الأساس والشهادة السودانية، الأمر يزيد أعداد طلابها بعد أن تدخل في سوق الطلب من خلال تجويد عروضها، فالدافع هو تحقيق مزيد من الربح ، وأصبح واضحاً أن المدارس الخاصة صارت أكثر من المدارس الحكومية، في وقت لم تجد فيه المدارس الحكومية العناية من قبل الحكومة، فالمحليات تدفع ميزانيات تعليم الأساس وهي عاجزة عن تسيير الأمر بالمدارس، وفي المرحلة الثانوية نجد أن امرها متروك للوزارة الاتحادية التي تسعى إلى إحالة تبعيتها إلى المحليات ليكون مصيرها مزيداً من الضعف المستقبلي. وأصبحت كل الأسر الآن تنظر لتعليم ابنائها نظرة مختلفة عما كانت عليه في السابق، بعد أن أصبح الفهم السائد أن المدارس الحكومية لا تؤهل ابناءها لدخول جامعة مميزة، فأصبحت الأسر ترهق نفسها بميزانيات فوق طاقتها وتدخل في ضغوط مادية ورسوم إضافية تحسب على بنود أساسية من منصرفات الأسرة اليومية، الأمر الذي يخلق بدوره مشكلة حقيقية في الميزانية الاقتصادية للاسرة، ويتضاعف حجم المشكلة وتزداد تعقيداً مع الزيادة المستمرة للرسوم الدراسية سنويا في المدارس الخاصة. ويضيف الناير قائلاً: إذا استمر أمر التعليم الخاص بهذه الطريقة، فقد يحيل ذلك أمر التعليم مستقبلاً الى مرحلة يصبح فيها التعليم متاحاً لأبناء الاغنياء فقط، لذا يجب على الدولة ضبط قضية الرسوم بتحديدها لسقف الرسوم في المدارس الخاصة او تطوير العمل في المدارس الحكومية لتصبح مثل المدارس الخاصة حتى لا يكون التعليم للقادرين فقط داخل المدارس الخاصة، مع تدني التعليم الحكومي الى درجة يصبح فيها بالفعل غير قادر على بناء مستقبل، وفي المقابل نجد أن الأسر سعياً منها إلى أن يحقق ابناؤها نتائج متميزة في امتحانات شهادتي الاساس او الشهادة السودانية، ومن أجل بناء قاعدة متينة لهم لبلوغ الجامعة، يتحملون فوق طاقتهم. وكان مدير الإدارة العامة للتعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم بالخرطوم محمد محيي الدين قد أشار في حديث سابق له في «الصحافة» إلى ان المدارس الخاصة تقوم وفق لوائح تلزم صاحب المؤسسة بعدم تجاوزها، وذلك وفقاً المادة «24 عقوبات» من قانون التعليم لعام 2009م التي نصت على أنه إذا خالف أي شخص أحكام القانون في المادة «12» بإنشاء مدرسة بطريقة غير رسمية فإن عقوبته ستكون السجن مدة لا تقل عن ستة أشهر، وقال إن حملات تفتيش المؤسسات التعليمية تتم بصورة دورية ومستمرة، لأنه إذا قمنا بحملة واحدة وتوقفنا فلن يعني ذلك بالتأكيد توقف تمددها.