تطلق منظمة المعالي الخيرية التابعة للتيار السروري السلفي أولي مبادراتها الفنية والغنائية مساء اليوم الخميس حيث تشدو عصافير فرقة المعالي بأناشيدها ومدائحها بالقاعة الدولية بقاعة الصداقة والطريف ان الاعلان الانيق الملون الذي نشرته بعض صحف الخرطوم أمس وفي الملصقات واوراق البوستر المعلقة علي جدران الشوارع العامة والطرقات يشير الي وجود أماكن خاصة للنساء لحضور الليلة الفنية علي شاكلة ما تم التعارف عليه في الندوات الدينية والمحاضرات المفتوحة التي يقيمها علماء السلفية بوجود أماكن خاصة للنساء .. وربما يكون هذا الحفل والمنشط الفني غريبا بالنظر الي فلسفة وطبيعة الفكر السلفي الذي ظل وعلي الدوام مخاصما للفن عموما والغناء علي وجه التحديد خاصة المرتبط بالمعازف والذي تصاحبه الموسيقي والآلات الوترية، فالمدرسة السلفية بكافة مكوناتها تضع الفن في مرتبة الحرام بجانب انهم يرون ان الفن لا يمثل همّا يندرج في سلم أولويات العمل الدعوي والاسلامي لكن فرقة المعالي قفزت بالزانة للدخول لعالم التطريب ووضع الإنشاد في موقع ومكانة خاصة لدرجة إقامة حفل يبدأ الساعة السابعة مساء ويستمر حتي التاسعة والنصف كما ان تخصيص قاعة الصداقة لتكون موقعا للحفل وشراء بدلات لسبعة من أعضاء الفرقة بتكلفة قدرها أحد المقربين من الفرقة بانها وصلت لمبلغ 3500 جنيها بواقع 500 جنيه للبدلة الواحدة مما يعني ان الامر له أهمية ووضعية خاصة في برامج ومناشط التيار السلفي الحديث ... دعونا الان من التيار السلفي الذي يحرّم الغناء والموسيقي والعزف فحتي الحركة الاسلامية والاخوان المسلمين كانوا والي وقت قريب يضعون الفن في رف التحريم ولا يستسيغون الاستماع اليه أو استلطافه أو جعله قضية ذات أهمية بل يكاد البعض منهم خاصة أصحاب ( المدرسة الحنبلية) داخل الحركة الاسلامية يقاطعونه بالكلية ولعل الكثيرين لا زالوا يذكرون حادثة رقصة (العجكو) التي أقامها طلاب اليسار في جامعة الخرطوم في نهاية عقد السيتنات من القرن الماضي وكيف ان طلاب الاخوان المسلمين وقتها هجموا علي الحفل الراقص وفرقوا طلاب الجبهة الديمقراطية واعتدوا بالضرب علي بعض الفتيات المشاركات فيه ,كان ذلك في عهد الشهيد مبارك قسم الله زايد وعبد الرحيم علي والامين الحاج وزكريا بشير إمام وبشير حسن بشير ... أما اليوم وكما يقول ل الصحافة الشيخ ياسر جاد الله القيادي بجماعة الاخوان المسلمين فان من منعوا رقصة (العجكو) في جامعة الخرطوم من قبل يرقصون الان (الكمبلا ) . حيث كان الفن محصورا ومرتبطا بقبائل اليسار فقط الذين كانوا يجيدون اللعبة في كافة جوانبها تأليفا ولحنا وأداء ورقصا بينما كان الاخوان المسلمون يعتبرون الامر من خوارم المروءة ويتساءلون : كيف يرقص الرجل أو يعرض في زفة وحفلة ؟؟.. وبالطبع كانت كل بضاعة الاسلاميين في الفن عبارة عن أناشيد اسلامية تردد في الرحلات النيلية والليالي القمرية حيث يجتمع الاخوان بمفردهم وفي مجالس أنسهم ومسامراتهم الخاصة لترداد عدد من القصائد الحزينة التي كانت تعبّر عن مرحلة وفترة المحنة والنكسة حيث يكسو هذه الاناشيد طابع (الحزن النبيل) مثل قصيدة سيد قطب المملوءة بروح السجن ورائحة المعتقل ويقول مطلعها : أخي انت حر وراء السدود .... أخي انت حر بتلك القيود اذا كنت بالله مستعصما .... فماذا يضيرك كيد العبيد أوقصيدة هاشم الرفاعي التي تقول بعض ابياتها: أبتاه ماذا قد يخط بناني ... والقيد والجلاد ينتظران هذا الكتاب اليك من زنزانة ... مقرورة صخرية الجدران انا لست أدري هل ستذكر قصتي بعد ... أم سوف يعلوها رحي النسيان أم انني سأكون في تاريخنا متآمرا ومهدم الاوثان كل الذي أعرفه ان تجرع كأس المذلة ليس في الامكان *أو نشيد الاخوان القومي الذي يشرح شعار جماعة الاخوان ( الله غايتنا والرسول قدوتنا .... الخ ) حيث يقول جزء من النشيد : هذه مبادئ دعوة قدسية كتب الخلود لها مدي الازمان ... هذه مبادئنا التي ندعو لها في حالة الاسرار والاعلان الي ان يقول ... الله غايتنا وهل من غاية أسمي وأغلي من رضي الرحمن وزعيم دعوتنا الرسول ومال لنا سوي محمد من رسول ثان ثم نشيد الكتائب المشهور الذي يحفظه كل اخ مسلم او منتم للحركة الاسلامية ومطلعه : هو الحق يحشد اجناده ... ويعتد للموقف الفاصل وصفّوا الكتائب آساده ودكوا به دولة الباطل ويجوز القول ان الجدل وسط منسوبي الحركة الاسلامية لم يحسم حول رؤيتهم للفن الا بعد صدور كتاب الدكتور حسن الترابي الذي عالج قضية الفن والموسيقي والمعازف ودورها في الحياة العامة ومجتمع الاخوان المسلمين ونقل القضية من مربع التحريم والاباحة الي خانة الضرورة والحل _بكسر الحاء_ باعتبار ان الفن جزء من مكونات النفس البشرية وأثار مؤلفه ( حوار الدين والفن ) جدلا في الاوساط الاسلامية خاصة داخل المدرسة السلفية التي كانت تخاصم الفن بشكل قاطع ونهائي لا يقبل أي نقاش أو مساومة .. في وقت كانت فيه بعض عناصر الاخوان المسلمين الملتزمين تقوم بتأليف القصائد الرومانسية والعاطفية ويطرحونها في مجالسهم باستحياء وعلي خجل دون اعلانها للعامة مخافة انتقادهم والهجوم عليهم من قبل بعض المتشددين داخل التنظيم ... لكن وبعيد قيام الانقاذ في العام 1989م قام عبد القادر محمد زين بتكوين فرقة السحر للانشاد الديني وكان مقرها الاول بمدينة الشجرة وهي اول فرقة انشادية غنائية تقوم بتقديم القصائد الجهادية والحماسية بالحركة الاسلامية حيث كانت هناك فرقة مسرحية ودرامية وهي فرقة نمارق ... وبدأت فرقة السحر مشروع اناشيدها بالقصائد الجهادية التي يهواها الاخوان المسلمون مثل قصيدة : هلم رسول الله اعددنا العريش القوم هم القوم كانهم قريش والحق هو الحق مرماه لن يطيش.. داؤود ذا المزمار يا صاحب السلطان ما للزبور يغار اذ هيمن القران ثم قصيدة : الليل ولي لن يعود وجاء دورك يا صباح وسفينة (الايمان) سارت لا تبالي بالرياح ... وبعد الانقاذ وضعت الانقاذ مكان الايمان وكانت الفرقة ملهمة وشاحذة لهمم المجاهدين ورفع روحهم المعنوية في معسكرات التدريب وفي صندوق القتال بمسارح العمليات بالاحراش والادغال والغابات في الجنوب والنيل الازرق وجبال النوبة .. ثم هاهي هي منظمة المعالي تقدم وفي اولي عروضها الغنائية فرقة المعالي للانشاد الهادف بقاعة الصداقة بالخرطوم مساء اليوم الخميس لتغني الفرقة مع ليالي وأماسي الخرطوم كما يردد النشيد المعروف : غنّي يا خرطوم غني وشدي اوتار المغني وفي أمسية اليوم يشد أكثر من 6 هم أعضاء الفرقة أوتار العود ويعزفون علي الناي ويدندنون باحلي الالحان وأشجي الأنغام في قاعة مفتوحة لا يغطي فيها الحضور والمستمعون ( دقونهم ) ويتطور المنهج السلفي بصورة لافتة للانظار بالانتقال بالفن من عقدة التحريم الي التحليل والاباحة .. !!