روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيبات: تعقيب على ما جاء في بيان المجلس الأعلى للتصوف : عن أحداث المولد بأم درمان
نشر في الصحافة يوم 25 - 02 - 2012

هذا تعقيب على بعض ما جاء في بيان المجلس الأعلى للتصوف، عن أحداث المولد بأم درمان، بجريدة «الصحافة» الثلاثاء 22 من ربيع الأول 1433ه الموافق 14/2/2012م العدد «6661» الصفحة السادسة وسيكون تعليقي في نقاط محددة.
أمَّا بعد..
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وقبل الشروع في المقصود أحب أن انبه إلى الآتي:
أولاً: اُذَكِّر جميع إخواني المسلمين بما أمرنا به ربنا عند التنازع والاختلاف، وهو الرد إلى كتاب الله ورسوله في حياته، وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والرضاء بحكم الله ورسوله والتسليم إليه قال تعالى: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»، «سورة النساء:59». وقال عز وجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا»، «سورة النساء: 65».
وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبى»، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟، قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، «البخاري ج13/214».
ولا شك أن كل الفرق الإسلامية تقر بذلك نظرياً، ولكن عملياً لا يلتزم بذلك إلاَّ القليل النادر.
وكما قيل:
وكل يدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاك
ثانياً: لقد أمر الله العامة بسؤال الخاصة، فقال: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، «سورة النحل: 43». وأهل الذكر هم العلماء بدليل قوله: «إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، وذلك لأن سؤال العلماء واجب، وامتثال فتواهم لازم.
ثالثاً: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي فرض واجب، وهي كالايمان لها أصل وكمال، فمن فقد أصل محبته فهو كافر، فمن حاز الأصل فهو مسلم يوالي بقدر إيمانه ومحبته لله، ولرسوله وللمؤمنين.
فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُتى برجل قد شرب فقال: «اضربوه».
قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان»، «صحيح سنن الترمذي للألباني رقم «4477»، وقال: صحيح»، وفي بعض الروايات: «إنه يحب الله ورسوله».
وعلامة المحبة الأساسية هي الاتباع، والاقتداء والتأسي، وما سوى ذلك ليس دليلاً للمحبة، نحو: الرقص، والتواجد، والسماع الصوفي، قال تعالى: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ»، «سورة آل عمران: 31»، وكان سبب نزولها أن بعض الصحابة جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: نحن نحب الله، فامتحنهم الله بمحبته صلى الله عليه وسلم.
سئل مالك رحمه الله عن جماعة يرقصون ويتواجدون؟، فقال: أمجانين هم؟، قيل: لا، قال: أأطفال هم؟، قيل: لا، فضحك وقال: ما كنت أظن مسلماً يفعل ذلك.
وقال حذيفة رضي الله عنه: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا بطريق من كان قبلكم»، «الاعتصام للشاطبي ج2/132».
رابعاً: نهى الشارع الحكيم عن الابتداع في الدين ما لم ينزل به سلطاناً، حيث قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، «متفق عليه»، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، أي عمله مردود عليه لا يقبل منه صرف ولا عدل، أي لا فرض ولا سنة.
ومعلوم من دين الله ضرورة أنه ليست هناك بدعة حسنة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»، الحديث. فكل عمل لم يتعبدنا به ربنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ويباعد بين العبد وربه.
خامساً: الولاية ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، فكل مؤمن تقي فهو ولي الله، قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٭ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ»، «سورة يونس: 62 63». فكما أن الناس يختلفون في إيمانهم وتقواهم، فكذلك الولاية، فهناك الأولياء الكبار كالخلفاء الراشدين، وهناك من هم دون ذلك.
والولاية لا تورث وإنما هي ثمرة الاتباع والتأسي، وضابطها الاستقامة على دين الله، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: «إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، أو يطير في الهواء، فلا تغتروا به ولا تصدقوه حتى تعرضوه على كتاب الله، فإن الشيطان يطير من المشرق إلى المغرب»، فأكبر كرامة في هذه الحياة الدنيا هي الاستقامة على دين الله، الخوارق وحدها لا تدل على الولاية لأنَّ منها ما هو ناتج عن أحوال شيطانية، أو سحر، أو استدراج.
وقوام الولاية العلم، فحاشا لله أن يتخذ ولياً جاهلاً، ولهذا قال الإمامان الكبيران أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: «إن لم يكن العلماء هم الأولياء، فليس لله ولي»، والعلم لا يكون إلاَّ بالتعلم، ولهذا علَّم جبريل رسولنا صلى الله عليه وسلم.
سادساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضابطه المصلحة والمفسدة، فإذا غلب على ظن المرء أنه إذا أنكر زال المنكر بالكلية أو نقص وَجَبَ عليه الإنكار، وإذا غلب على ظنه أنه إذا أنكر زاد المنكر وتعاظم، وجب عدم الإنكار، وإذا استوى عنده الأمران فمن أهل العلم من قال ينكر ومنهم من قال لا ينكر.
هذا بجانب أن المنكرات منها ما يتعلق بولاة الأمر من الحكام، ومنها ما يجب على العامة.
فالأمور المتعلقة بولي الأمر نحو: النهي عن البناء على القبور، لأنه ذريعة إلى الشرك، وقد سد الشارع الحكيم كل الذرائع التي قد تؤدي إلى الشرك. ولا ينبغي أن يقوم بها سواه؛ لأنَّ ذلك قد يؤدي إلى فتنة، فكما أن الحدود لا يقيمها إلاَّ ولاة الأمر كذلك الأمر لما يشابهها.
التعقيبات
أولاً: التنابز بلقب من ألقاب السوء
لقد نهى الله عن ذلك قائلاً: «وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ»، «سورة الحجرات: 11»، فبدلاً من أن يطلق على هذه الجماعة اسم من الأسماء التي تطلقها على نفسها نحو: أنصار السنة، السلفيين، الفرقة الناجية ... إلخ، وصفهم البيان بالوهابية، ومعلوم أن هذا من ألقاب السوء، حيث تقاسم أهل الأهواء القول في هذه الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق إن شاء الله إلى أن تقوم الساعة، نحو الوهابية، الخامسية، الحشية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عالم سلفي حنبلي، فلم يسمِ هو ولا أحد من اتباعه هذه الجماعة بهذا الاسم.
فالتنابز من كبائر الذنوب، وهو من حقوق الآدميين، فويل لمن يتجرأ على ذلك ما لم يسامحه من نابزه.
ثانياً: التعميم، عمم البيان كل الجماعات والأفراد السلفيين، وهذا خطأ فادح وظلم واضح، وكان ينبغي أن يقول: «بعض، أو نفر، أو طائفة». وهذا أيضاً فيه نظر بالنسبة لما حكاه من حرق الأضرحة والله حسيبه حيث أقرَّ البيان أن الجناة لم يعثر عليهم، ومعلوم في شرعنا أن المتهم بريء حتى تثبت جنايته، وقد يكون الذي قام بذلك أو بعضه شخص معتوه، أو له إحن وضغائن، أو خلافات مع أهل هذه البيوتات، والله أعلم.
ثالثاً: ثالثة الأثافي وَصَفَ البيان: «الجماعة الوهابية كلها بأنها جماعة تكفيرية»!!.
وردت هذه الجملة في البيان سبع مرات، ولم يأتِ بدليل واحد على أن سائر الجماعة، ولا بعض أفرادها، ولا واحداً منها تكفيري.
هل هذا سلوك من وصفهم البيان ب: «أنهم متمسكون بمنهج الوسطية والاعتدال، لا يقرون العنف والغلو، والتطرف في الدين، ويرفضون التفريط والإفراط»؟!!!.
إن لم يكن هذا الحكم الجائر الظالم تطرفاً وغلواً، فليس هناك تطرف ولا غلو.
ومعلوم من دين الله، أن التكفير والتضليل من الأمور العويصة التي ضلت فيها أقوام وزلت فيها أفهام، ولا ينبغي أن يخوض فيها إلاَّ العلماء الأكفاء الأثبات، وقد توعد الشارع من تجاسر على ذلك. وكما قيل: رمتني بدائها وانسلت.
رابعاً: زعم البيان بأن عادتهم كل الوهابيين «الانتقاص من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمته»، ولم يستدل كذلك على هذا البهتان العظيم والإفك المبين بدليل واحد.
ومعلوم من دين الله ضرورة أن من انتقص الرسول صلى الله عليه وسلم تصريحاً كان أو تلميحاً فقد كفر، اللهم إلاَّ إذا اعتبر البيان أن من أنكر بدعة من البدع، أو نهى عن الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك يكون منتقصاً بينما هو مبجل ومكرم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل المبتدع هو المنتقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان الحال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما طرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله»، «البخاري».
خامساً: الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من البدع الحادثة التي ظهرت في الربع الأول من القرن السابع الهجري سنة 625ه على يد الملك المظفر أبي سعيد كوكبري، صاحب أربل سامحه الله المتوفى 630ه، وهو أحد حكام المماليك.
ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم مشروعاً وديناً، لما غفل عنه السادات الغرر، وأحياه وانتبه له أحد حكام المماليك في القرن السابع الهجري، ولدوَّنه الأئمة المقتدى بهم في كتبهم، أمثال: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، ولكنه ليس له أصل لا في الكتاب ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع عليه أهل العلم فكان بدعة.
فالخير كل الخير في الاتباع، والشر الذي ليس بعده شر في الابتداع، ورحم الله الإمام المبجل والخليل المعظم مالك بن أنس الذي كان دائماً ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
فالاحتفال بمولده أسبوعياً أو سنوياً من البدع، وقد أفتى بذلك جِلة من أهل العلم، منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1/ تاج الدين عمرو بن علي اللخمي، الشهير بالفاكهاني المالكي «654 734ه»، أحد شراح «الرسالة».
قال بعد أن دلل على بدعية الاحتفال بالمولد: «وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب «يشير إلى اختلاط النساء بالرجال فيه، وإلى الفساد الذي ينتج عن ذلك»، وأزيدكم أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ».
2/ ابن الحاج المالكي رحمه الله «1060 1128ه»، صاحب كتاب المدخل، حيث قال: «ومن جملة ما أحدثوه من البدع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر، ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد».
إلى أنْ قال: «وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع «الضرب بالطبول، والرقص والتواجد»، فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد، ودعا إليه الاخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره، فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين ... ولم ينقل عن أحد منهم «أي السلف الأخيار من لدن الصحابة ومن بعدهم» أنه نوى المولد، ونحن لهم تبَّع فيسعنا ما يسعهم»، «المدخل ج2/3، والصفحات التي تليها».
ومن لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، والتابعين لهم بإحسان، فلا وَسَّع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
3/ الحافظ أحمد بن علي بن حجر المتوفى 851ه.. نقل عنه السيوطي رحمه الله: «وقد سئل شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة»، «الحاوي للفتاوى، للسيوطي ج1/190191».
4/ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه كلهم: ابن القيم، وابن كثير، والذهبي، وابن عبد الهادي، وابن مفلح، وغيرهم.
5/ ومن المعاصرين المشايخ الأجلاء: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ العثيمين، والشيخ الألباني رحمهم الله، وغيرهم كثير.
وتولى كبر إشاعة هذه البدعة والتسويق لها الإمام السيوطي سامحه الله، واستدل على ذلك بشبه باطلة، وحجج واهية ليس لها زمام ولا خطام «انظرها في بحثنا: الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع».
وهذا كله يدل على صدق القائل: لا تعتقد، فتستدل، فتضل. والأصل ألاَّ يعتقد الإنسان عقيدة إلاَّ بعد أن يعرف دليلها. ولهذا، فلا يجوز الاحتفال به، ولا المشاركة فيه بأية صورة من الصور، لما في ذلك من تكثير سواد أهل البدع، ولا يحل لأحد أن ينفق مالاً في ذلك قط، والله أعلم.
سادساً: حكم البناء على القبور والتعلق بها والدعاء عندها وزيارتها لذلك
من الأمور التي حذر منها الشارع تحذيراً شديداً، ومنع منها منعاً أكيداً سداً لذريعة الوقوع في الشرك، البناء على القبور، والتعلق بها، والدعاء عندها، وزيارتها بغرض سؤال أصحابها.
وإليك الأدلة:
1/ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، «متفق عليه البخاري رقم «435»، ومسلم رقم «531»، يحذر مما صنعوا، قالت عائشة: «ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً»، «متفق عليه البخاري رقم «1330»، ومسلم رقم «529»».
2/ وفي الصحيحين «البخاري رقم «427»، ومسلم «528»» عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرتا حسنها وتصاوير فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة».
3/ وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: «إن من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك»، «مسلم رقم «532»».
4/ وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد»، «أحمد ج1/405 435».
5/ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»، «أبو داود رقم «3236»، والترمذي «320».
6/ وعن حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابناً له مات، فاشترى غلام له جصَّاً وآجُراً ليبني على القبر، فقال له زيد: حفرت وكفرت، أتريد أن تبني على قبر ابني مسجداً، ونهاه عن ذلك.
7/ وسأل رجل ابن عمر أن يبني على ميت له فسطاطاً خيمة وليس بناء مسلحاً ، فقال له: لا تفعل، إنما يظله عمله.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع القبر كما قال عليّ رضي الله عنه لأبي الهياج: «ألا أوصيكم بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تدع قبراً مشرفاً إلاَّ سويته، ولا صورة إلاَّ طمستها».
ولهذا ينبغي لولاة الأمور أن يمنعوا البناء على القبور لا أن يعينوا على ذلك بالمال، ويفتتحوا القباب وأن يشرعوا في نبش القبور المبنية عند المساجد، وينقلوها إلى مقابر المسلمين، وكذلك ينبشوا القبور التي بُنِيَ عليها ويدفنوا أصحابها مع جماعة المسلمين. فهذا من أوجب واجبات ولاة الأمر سداً للذريعة، وحفاظاً على جناب التوحيد.
لهذا عندما فتح المسلمون تُستتر، وجدوا عندها قبراً عظيماً، قالوا: إنه قبر دانيال، ووجدوا عنده مصحف. قال أبو العالية: «أنا قرأت ذلك المصحف، فإذا فيه أخباركم وسيركم ولحون كلامكم، وشموا من القبر رائحة طيبة، ووجدوا الميت بحاله لم يَبْلَ، فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فأمره أن يحفر بالنهار بضعة عشر قبراً، فإذا كان الليل دفنه في قبر من تلك القبور ليخفي أثره؛ لئلا يفتتن به الناس، فينزلون به ويصلون عنده، ويتخذونه مسجداً»، «البداية والنهاية لابن كثير ج2/376378».
أيها المسلمون لا تنكروا هذا القول وتستنكفوا عن قبوله فإنه الحق، فماذا بعد الحق إلاَّ الضلال والخسران؟.
وليس في القبة المضروبة على قبره صلى الله عليه وسلم حجة على بناء القباب على قبر غيره، وذلك لأسباب هي:
1/ الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في المكان الذي توفى فيه، وهو حجرة عائشة رضي الله عنها، وهذا من خصائصه التي لا يشاركه فيها غيره من أمته.
2/ لم تضرب هذه القبة على الحجرة إلاَّ في العصور المتأخرة، عصر المماليك.
3/ كانت الحجرة خارج المسجد بعد توسعة عمر وعثمان رضي الله عنهما للمسجد، ولم تدخل في المسجد إلاَّ بعد انقراض جيل الصحابة في 86ه في خلافة الوليد ابن عبد الملك، وقد اعترض على ادخالها في المسجد سيد التابعين سعيد بن المسيب، ولكن لم يلتفت إلى قوله.
4/ دفن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما معه صلى الله عليه وسلم، لمكانتهما منه في الدنيا.
سابعاً: تحريض وتحريش البيان للسلطة الحاكمة على المخالفين للصوفية، والسعي لمنعهم من القيام بواجب الدعوة إلى الله بالحسنى، سواء أكان ذلك عند مقبرة حمد النيل، أو في الحدائق أو غيرها، يعتبر هذا منكراً من القول وزوراً، ولن يثني الدعاة إلى الله عن واجبهم إن شاء الله.
وهذا أشر ما حواه البيان أن يحرشوا المسؤولين ويحرضوهم على التضييق على السلفيين، وأن يُقصر النشاط عليهم بحجة أنهم دعاة فتنة، ولا يدري المرء لم طالبوا بذلك؟!، ألأنهم عاجزون عن الرد ومقارعة الحجة بالحجة؟، أم استغلالاً لتمكين السلطة لهم وفتحها للمجال أمامهم هي والشركات التابعة لها، نحو شركة الاتصالات سوداني وغيرها التي أقامت لهم إذاعة الكوثر، وقناة ساهور الغنائيتين، وغيرهما.
هذا بجانب فتح وسائل الإعلام القومية كلها أمامهم: الإذاعة، وفضائية السودان، والشروق، والنيل الأزرق، بجانب إغداق الأموال عليهم وتولي بعض البيوت الطائفية والصوفية عدداً من الحقائب الوزارية «الختمية، والركينية، والياقوتية».
ثامناً: أحداث المولد بأم درمان لم أشهدها والحمد لله، وقد تضاربت فيها الأقوال وتناقضت، ولا أريد أن أخوض فيها بغير علم.
فإلى الله المشتكى، وإليه المرجع والمآل وهو الموعد.
اللهم ردنا إليك جميعاً رداً جميلاً، واحفظ بلادنا من كل سوء، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على القائل: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، وعلى آله وصحبه والتابعين.
الأمين الحاج محمد أحمد
رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان
ورئيس رابطة علماء المسلمين
غرة ربيع الثاني 1433ه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.