السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيبات: تعقيب على ما جاء في بيان المجلس الأعلى للتصوف : عن أحداث المولد بأم درمان
نشر في الصحافة يوم 25 - 02 - 2012

هذا تعقيب على بعض ما جاء في بيان المجلس الأعلى للتصوف، عن أحداث المولد بأم درمان، بجريدة «الصحافة» الثلاثاء 22 من ربيع الأول 1433ه الموافق 14/2/2012م العدد «6661» الصفحة السادسة وسيكون تعليقي في نقاط محددة.
أمَّا بعد..
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وقبل الشروع في المقصود أحب أن انبه إلى الآتي:
أولاً: اُذَكِّر جميع إخواني المسلمين بما أمرنا به ربنا عند التنازع والاختلاف، وهو الرد إلى كتاب الله ورسوله في حياته، وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والرضاء بحكم الله ورسوله والتسليم إليه قال تعالى: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»، «سورة النساء:59». وقال عز وجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا»، «سورة النساء: 65».
وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبى»، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟، قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، «البخاري ج13/214».
ولا شك أن كل الفرق الإسلامية تقر بذلك نظرياً، ولكن عملياً لا يلتزم بذلك إلاَّ القليل النادر.
وكما قيل:
وكل يدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاك
ثانياً: لقد أمر الله العامة بسؤال الخاصة، فقال: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، «سورة النحل: 43». وأهل الذكر هم العلماء بدليل قوله: «إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، وذلك لأن سؤال العلماء واجب، وامتثال فتواهم لازم.
ثالثاً: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي فرض واجب، وهي كالايمان لها أصل وكمال، فمن فقد أصل محبته فهو كافر، فمن حاز الأصل فهو مسلم يوالي بقدر إيمانه ومحبته لله، ولرسوله وللمؤمنين.
فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُتى برجل قد شرب فقال: «اضربوه».
قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان»، «صحيح سنن الترمذي للألباني رقم «4477»، وقال: صحيح»، وفي بعض الروايات: «إنه يحب الله ورسوله».
وعلامة المحبة الأساسية هي الاتباع، والاقتداء والتأسي، وما سوى ذلك ليس دليلاً للمحبة، نحو: الرقص، والتواجد، والسماع الصوفي، قال تعالى: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ»، «سورة آل عمران: 31»، وكان سبب نزولها أن بعض الصحابة جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: نحن نحب الله، فامتحنهم الله بمحبته صلى الله عليه وسلم.
سئل مالك رحمه الله عن جماعة يرقصون ويتواجدون؟، فقال: أمجانين هم؟، قيل: لا، قال: أأطفال هم؟، قيل: لا، فضحك وقال: ما كنت أظن مسلماً يفعل ذلك.
وقال حذيفة رضي الله عنه: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا بطريق من كان قبلكم»، «الاعتصام للشاطبي ج2/132».
رابعاً: نهى الشارع الحكيم عن الابتداع في الدين ما لم ينزل به سلطاناً، حيث قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، «متفق عليه»، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، أي عمله مردود عليه لا يقبل منه صرف ولا عدل، أي لا فرض ولا سنة.
ومعلوم من دين الله ضرورة أنه ليست هناك بدعة حسنة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»، الحديث. فكل عمل لم يتعبدنا به ربنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ويباعد بين العبد وربه.
خامساً: الولاية ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، فكل مؤمن تقي فهو ولي الله، قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٭ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ»، «سورة يونس: 62 63». فكما أن الناس يختلفون في إيمانهم وتقواهم، فكذلك الولاية، فهناك الأولياء الكبار كالخلفاء الراشدين، وهناك من هم دون ذلك.
والولاية لا تورث وإنما هي ثمرة الاتباع والتأسي، وضابطها الاستقامة على دين الله، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: «إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، أو يطير في الهواء، فلا تغتروا به ولا تصدقوه حتى تعرضوه على كتاب الله، فإن الشيطان يطير من المشرق إلى المغرب»، فأكبر كرامة في هذه الحياة الدنيا هي الاستقامة على دين الله، الخوارق وحدها لا تدل على الولاية لأنَّ منها ما هو ناتج عن أحوال شيطانية، أو سحر، أو استدراج.
وقوام الولاية العلم، فحاشا لله أن يتخذ ولياً جاهلاً، ولهذا قال الإمامان الكبيران أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: «إن لم يكن العلماء هم الأولياء، فليس لله ولي»، والعلم لا يكون إلاَّ بالتعلم، ولهذا علَّم جبريل رسولنا صلى الله عليه وسلم.
سادساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضابطه المصلحة والمفسدة، فإذا غلب على ظن المرء أنه إذا أنكر زال المنكر بالكلية أو نقص وَجَبَ عليه الإنكار، وإذا غلب على ظنه أنه إذا أنكر زاد المنكر وتعاظم، وجب عدم الإنكار، وإذا استوى عنده الأمران فمن أهل العلم من قال ينكر ومنهم من قال لا ينكر.
هذا بجانب أن المنكرات منها ما يتعلق بولاة الأمر من الحكام، ومنها ما يجب على العامة.
فالأمور المتعلقة بولي الأمر نحو: النهي عن البناء على القبور، لأنه ذريعة إلى الشرك، وقد سد الشارع الحكيم كل الذرائع التي قد تؤدي إلى الشرك. ولا ينبغي أن يقوم بها سواه؛ لأنَّ ذلك قد يؤدي إلى فتنة، فكما أن الحدود لا يقيمها إلاَّ ولاة الأمر كذلك الأمر لما يشابهها.
التعقيبات
أولاً: التنابز بلقب من ألقاب السوء
لقد نهى الله عن ذلك قائلاً: «وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ»، «سورة الحجرات: 11»، فبدلاً من أن يطلق على هذه الجماعة اسم من الأسماء التي تطلقها على نفسها نحو: أنصار السنة، السلفيين، الفرقة الناجية ... إلخ، وصفهم البيان بالوهابية، ومعلوم أن هذا من ألقاب السوء، حيث تقاسم أهل الأهواء القول في هذه الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق إن شاء الله إلى أن تقوم الساعة، نحو الوهابية، الخامسية، الحشية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عالم سلفي حنبلي، فلم يسمِ هو ولا أحد من اتباعه هذه الجماعة بهذا الاسم.
فالتنابز من كبائر الذنوب، وهو من حقوق الآدميين، فويل لمن يتجرأ على ذلك ما لم يسامحه من نابزه.
ثانياً: التعميم، عمم البيان كل الجماعات والأفراد السلفيين، وهذا خطأ فادح وظلم واضح، وكان ينبغي أن يقول: «بعض، أو نفر، أو طائفة». وهذا أيضاً فيه نظر بالنسبة لما حكاه من حرق الأضرحة والله حسيبه حيث أقرَّ البيان أن الجناة لم يعثر عليهم، ومعلوم في شرعنا أن المتهم بريء حتى تثبت جنايته، وقد يكون الذي قام بذلك أو بعضه شخص معتوه، أو له إحن وضغائن، أو خلافات مع أهل هذه البيوتات، والله أعلم.
ثالثاً: ثالثة الأثافي وَصَفَ البيان: «الجماعة الوهابية كلها بأنها جماعة تكفيرية»!!.
وردت هذه الجملة في البيان سبع مرات، ولم يأتِ بدليل واحد على أن سائر الجماعة، ولا بعض أفرادها، ولا واحداً منها تكفيري.
هل هذا سلوك من وصفهم البيان ب: «أنهم متمسكون بمنهج الوسطية والاعتدال، لا يقرون العنف والغلو، والتطرف في الدين، ويرفضون التفريط والإفراط»؟!!!.
إن لم يكن هذا الحكم الجائر الظالم تطرفاً وغلواً، فليس هناك تطرف ولا غلو.
ومعلوم من دين الله، أن التكفير والتضليل من الأمور العويصة التي ضلت فيها أقوام وزلت فيها أفهام، ولا ينبغي أن يخوض فيها إلاَّ العلماء الأكفاء الأثبات، وقد توعد الشارع من تجاسر على ذلك. وكما قيل: رمتني بدائها وانسلت.
رابعاً: زعم البيان بأن عادتهم كل الوهابيين «الانتقاص من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمته»، ولم يستدل كذلك على هذا البهتان العظيم والإفك المبين بدليل واحد.
ومعلوم من دين الله ضرورة أن من انتقص الرسول صلى الله عليه وسلم تصريحاً كان أو تلميحاً فقد كفر، اللهم إلاَّ إذا اعتبر البيان أن من أنكر بدعة من البدع، أو نهى عن الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك يكون منتقصاً بينما هو مبجل ومكرم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل المبتدع هو المنتقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان الحال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما طرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله»، «البخاري».
خامساً: الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من البدع الحادثة التي ظهرت في الربع الأول من القرن السابع الهجري سنة 625ه على يد الملك المظفر أبي سعيد كوكبري، صاحب أربل سامحه الله المتوفى 630ه، وهو أحد حكام المماليك.
ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم مشروعاً وديناً، لما غفل عنه السادات الغرر، وأحياه وانتبه له أحد حكام المماليك في القرن السابع الهجري، ولدوَّنه الأئمة المقتدى بهم في كتبهم، أمثال: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، ولكنه ليس له أصل لا في الكتاب ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع عليه أهل العلم فكان بدعة.
فالخير كل الخير في الاتباع، والشر الذي ليس بعده شر في الابتداع، ورحم الله الإمام المبجل والخليل المعظم مالك بن أنس الذي كان دائماً ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
فالاحتفال بمولده أسبوعياً أو سنوياً من البدع، وقد أفتى بذلك جِلة من أهل العلم، منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1/ تاج الدين عمرو بن علي اللخمي، الشهير بالفاكهاني المالكي «654 734ه»، أحد شراح «الرسالة».
قال بعد أن دلل على بدعية الاحتفال بالمولد: «وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب «يشير إلى اختلاط النساء بالرجال فيه، وإلى الفساد الذي ينتج عن ذلك»، وأزيدكم أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ».
2/ ابن الحاج المالكي رحمه الله «1060 1128ه»، صاحب كتاب المدخل، حيث قال: «ومن جملة ما أحدثوه من البدع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر، ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد».
إلى أنْ قال: «وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع «الضرب بالطبول، والرقص والتواجد»، فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد، ودعا إليه الاخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره، فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين ... ولم ينقل عن أحد منهم «أي السلف الأخيار من لدن الصحابة ومن بعدهم» أنه نوى المولد، ونحن لهم تبَّع فيسعنا ما يسعهم»، «المدخل ج2/3، والصفحات التي تليها».
ومن لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، والتابعين لهم بإحسان، فلا وَسَّع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
3/ الحافظ أحمد بن علي بن حجر المتوفى 851ه.. نقل عنه السيوطي رحمه الله: «وقد سئل شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة»، «الحاوي للفتاوى، للسيوطي ج1/190191».
4/ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه كلهم: ابن القيم، وابن كثير، والذهبي، وابن عبد الهادي، وابن مفلح، وغيرهم.
5/ ومن المعاصرين المشايخ الأجلاء: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ العثيمين، والشيخ الألباني رحمهم الله، وغيرهم كثير.
وتولى كبر إشاعة هذه البدعة والتسويق لها الإمام السيوطي سامحه الله، واستدل على ذلك بشبه باطلة، وحجج واهية ليس لها زمام ولا خطام «انظرها في بحثنا: الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع».
وهذا كله يدل على صدق القائل: لا تعتقد، فتستدل، فتضل. والأصل ألاَّ يعتقد الإنسان عقيدة إلاَّ بعد أن يعرف دليلها. ولهذا، فلا يجوز الاحتفال به، ولا المشاركة فيه بأية صورة من الصور، لما في ذلك من تكثير سواد أهل البدع، ولا يحل لأحد أن ينفق مالاً في ذلك قط، والله أعلم.
سادساً: حكم البناء على القبور والتعلق بها والدعاء عندها وزيارتها لذلك
من الأمور التي حذر منها الشارع تحذيراً شديداً، ومنع منها منعاً أكيداً سداً لذريعة الوقوع في الشرك، البناء على القبور، والتعلق بها، والدعاء عندها، وزيارتها بغرض سؤال أصحابها.
وإليك الأدلة:
1/ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، «متفق عليه البخاري رقم «435»، ومسلم رقم «531»، يحذر مما صنعوا، قالت عائشة: «ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً»، «متفق عليه البخاري رقم «1330»، ومسلم رقم «529»».
2/ وفي الصحيحين «البخاري رقم «427»، ومسلم «528»» عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرتا حسنها وتصاوير فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة».
3/ وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: «إن من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك»، «مسلم رقم «532»».
4/ وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد»، «أحمد ج1/405 435».
5/ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»، «أبو داود رقم «3236»، والترمذي «320».
6/ وعن حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابناً له مات، فاشترى غلام له جصَّاً وآجُراً ليبني على القبر، فقال له زيد: حفرت وكفرت، أتريد أن تبني على قبر ابني مسجداً، ونهاه عن ذلك.
7/ وسأل رجل ابن عمر أن يبني على ميت له فسطاطاً خيمة وليس بناء مسلحاً ، فقال له: لا تفعل، إنما يظله عمله.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع القبر كما قال عليّ رضي الله عنه لأبي الهياج: «ألا أوصيكم بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تدع قبراً مشرفاً إلاَّ سويته، ولا صورة إلاَّ طمستها».
ولهذا ينبغي لولاة الأمور أن يمنعوا البناء على القبور لا أن يعينوا على ذلك بالمال، ويفتتحوا القباب وأن يشرعوا في نبش القبور المبنية عند المساجد، وينقلوها إلى مقابر المسلمين، وكذلك ينبشوا القبور التي بُنِيَ عليها ويدفنوا أصحابها مع جماعة المسلمين. فهذا من أوجب واجبات ولاة الأمر سداً للذريعة، وحفاظاً على جناب التوحيد.
لهذا عندما فتح المسلمون تُستتر، وجدوا عندها قبراً عظيماً، قالوا: إنه قبر دانيال، ووجدوا عنده مصحف. قال أبو العالية: «أنا قرأت ذلك المصحف، فإذا فيه أخباركم وسيركم ولحون كلامكم، وشموا من القبر رائحة طيبة، ووجدوا الميت بحاله لم يَبْلَ، فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فأمره أن يحفر بالنهار بضعة عشر قبراً، فإذا كان الليل دفنه في قبر من تلك القبور ليخفي أثره؛ لئلا يفتتن به الناس، فينزلون به ويصلون عنده، ويتخذونه مسجداً»، «البداية والنهاية لابن كثير ج2/376378».
أيها المسلمون لا تنكروا هذا القول وتستنكفوا عن قبوله فإنه الحق، فماذا بعد الحق إلاَّ الضلال والخسران؟.
وليس في القبة المضروبة على قبره صلى الله عليه وسلم حجة على بناء القباب على قبر غيره، وذلك لأسباب هي:
1/ الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في المكان الذي توفى فيه، وهو حجرة عائشة رضي الله عنها، وهذا من خصائصه التي لا يشاركه فيها غيره من أمته.
2/ لم تضرب هذه القبة على الحجرة إلاَّ في العصور المتأخرة، عصر المماليك.
3/ كانت الحجرة خارج المسجد بعد توسعة عمر وعثمان رضي الله عنهما للمسجد، ولم تدخل في المسجد إلاَّ بعد انقراض جيل الصحابة في 86ه في خلافة الوليد ابن عبد الملك، وقد اعترض على ادخالها في المسجد سيد التابعين سعيد بن المسيب، ولكن لم يلتفت إلى قوله.
4/ دفن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما معه صلى الله عليه وسلم، لمكانتهما منه في الدنيا.
سابعاً: تحريض وتحريش البيان للسلطة الحاكمة على المخالفين للصوفية، والسعي لمنعهم من القيام بواجب الدعوة إلى الله بالحسنى، سواء أكان ذلك عند مقبرة حمد النيل، أو في الحدائق أو غيرها، يعتبر هذا منكراً من القول وزوراً، ولن يثني الدعاة إلى الله عن واجبهم إن شاء الله.
وهذا أشر ما حواه البيان أن يحرشوا المسؤولين ويحرضوهم على التضييق على السلفيين، وأن يُقصر النشاط عليهم بحجة أنهم دعاة فتنة، ولا يدري المرء لم طالبوا بذلك؟!، ألأنهم عاجزون عن الرد ومقارعة الحجة بالحجة؟، أم استغلالاً لتمكين السلطة لهم وفتحها للمجال أمامهم هي والشركات التابعة لها، نحو شركة الاتصالات سوداني وغيرها التي أقامت لهم إذاعة الكوثر، وقناة ساهور الغنائيتين، وغيرهما.
هذا بجانب فتح وسائل الإعلام القومية كلها أمامهم: الإذاعة، وفضائية السودان، والشروق، والنيل الأزرق، بجانب إغداق الأموال عليهم وتولي بعض البيوت الطائفية والصوفية عدداً من الحقائب الوزارية «الختمية، والركينية، والياقوتية».
ثامناً: أحداث المولد بأم درمان لم أشهدها والحمد لله، وقد تضاربت فيها الأقوال وتناقضت، ولا أريد أن أخوض فيها بغير علم.
فإلى الله المشتكى، وإليه المرجع والمآل وهو الموعد.
اللهم ردنا إليك جميعاً رداً جميلاً، واحفظ بلادنا من كل سوء، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على القائل: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، وعلى آله وصحبه والتابعين.
الأمين الحاج محمد أحمد
رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان
ورئيس رابطة علماء المسلمين
غرة ربيع الثاني 1433ه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.