دفعت دولة الجنوب بكروت جديدة في معركتها التفاوضية التي تخوضها مع الحكومة السودانية ، فمع إقتراب موعد مغادرة كل مواطن جنوبي لا يحمل أوراقا رسمية تخول له الإقامة في الشمال عمدت حكومة جوبا الى إضافة بند جديد على طاولة التفاوض علّها إذا فعلت ذلك تكتسب مزيداً من الوقت بشأن مواطنيها المنتشرين في الشمال والذين عجزت عن ترحيلهم أو حتى إستخراج أوراق ثبوتية لهم تكمنهم من طلب إذن للإقامة الشرعية حيث هم موجودون . فقد شهدت جولة التفاوض المنعقدة في العاصمة الأثيوبية و التي رامت الوساطة الأفريقية إستهلالها بمناقشة ملف الجنسية والمواطنة شهدت طرح مفاوضي أحدث دول العالم قضية ( 35) ألف طفل تتهم الخرطوم بإختطافهم منذ الحرب الأهلية التي كانت قائمة بين الجيش السوداني والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية . وهو الشئ الذي أدى الى إصابة عملية التفاوض في ملف الجنسية بشلل تام بعد أن رفض الوفد السوداني في أديس ابابا مجمل الامر مشدداً على إنتفاء أي مظاهر للعبودية والإسترقاق في الشمال ، بينما قللت الحكومة في الخرطوم من ما اسمتها « ترهات « دولة الجنوب وأوضح وزير الدولة برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر عدم إنشغالهم بما يتفوه به مفاوضو الجنوب وقال ل( الصحافة ) « لن نشتغل بهذه الترهات « . ويرجح محللون من فرضية سعي جوبا الى إثارة رأي عام عالمي ضد الخرطوم لاسيما وأن مسألة الرق والإسترقاق من المسائل الإنسانية الحساسة التي لطالما استخدمها المجتمع الدولي ذريعة لإستصدار العقوبات والأحكام والإدانات في حق الدول التي تمارس أي من أنواعه ، كما يسود إعتقاد واسع لدى الكثيرين أن حكومة الجنوب غير جادة في التوصل الى نتائج ملموسة في قضية مواطنيها وأنها تريد من تصعيد ملف المختطفين الحصول على تعويضات مالية نظير بقائهم في قبضة حكومة السودان طيلة العقود الماضية . ودولة الجنوب إذ اثارت قضية المختطفين اليافعين فإنها ترتكز في ذلك على قرار جمهوري ممهور بتوقيع الرئيس عمر البشير في العام 2002 الغرض منه إنهاء العبودية والإستقرار ، غير أن الحكومة السودانية أوضحت أن اللجنة التي أمر بتشكيلها الرئيس للنظر في هذا الملف كان الغرض منها إظهار مبدأ حسن النية وإعلاء قيم التسامح وانه تم الغاء تلك اللجنة التي ضمت في رئاستها عدداً من الخبراء من الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الفراغ من مهمتها بالإعلان عن عدم وجود اي حالة استرقاق. فيما ترى جوبا في تجميد القرار عقاب لأبناء الجنوب الذين صوتوا لصالح الانفصال معتمدين في نظريتهم تلك على أن الحكومة السودانية سبق وان إعترفت من خلال إطلاق سراح خمسة ألف طفل كانوا محتجزين لدى السلطات السودانية . وكل ذلك حدث في وقت مضى عندما كانت الدولتان تمضيان في تنفيذ بنود إتفاقية السلام الشامل تحت مراقبة وأنظار المجتمع الدولي ، وهو ذات الشئ الذي يجعل جوبا تمضي في التفاوض الآن على الرغم من عدم جديتها في التوصل الى حل بشأن القضايا المطروحة للتداول تحسباً من ردة فعل المجتمع الدولي إن هي أعلنت صراحةً عن رفضها ، وحسب المحلل السياسي حمد عمر الحاوي فإن إخراج حكومة الجنوب «ظلامات» قديمة الى سطح الأحداث الغرض الرئيسي منه طرح بنود تفاوضية غير حقيقية لا تمتلك أية أدلة أو براهين ثابته تدعم من دفوعاتها في تلك القضايا وقال الحاوي ل( الصحافة ) عبر الهاتف امس « دولة الجنوب تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها حريصة على التفاوض وعملياً هي لا تريد أن تتفاوض « . وفي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة التزامها بما قطعت إزاء تحديد التاسع من ابريل المقبل تاريخا لمغادرة كل جنوبي الشمال تتأرحج العملية التفاوضية مابين إتهام كل طرف للآخر بما يخص رفض التوقيع على ورقة الوساطة الخاصة بقضية المواطنه والجنسية ليتجاوزها قطار التفاوض الى القضية الأشيك « بترول الجنوب ورسوم عبوره شمالاً . ويرى عمر الحاوي أن حكومة الجنوب تسعى لكسب مزيد من الوقت قبل أن تفعل الخرطوم من قرارها الخاص بترحيل الجنوبيين من الشمال ،كما أنها تريد - أي جوبا - أن تعبر عن رفضها لقرار الحكومة بإخلاء الشمال من أي جنوبي غير مقيم بصورة شرعية بطرق مختلفة واوضح قائلاً « الجنوب يتحدث عن مواطنين جنوبيين لا يعرفون شيئاً عن الجنوب ، وفي حال إصرار الحكومة السودانية إخراجهم من أراضيها دون رغبتهم فإنها بذلك تنتهك حقاً من حقوق الإنسان الأساسية «. وإن كانت العملية التفاوضية قد مُنيت بالفشل في أغلب ملفاتها فإن ذلك حتماً سيصب مزيدا من الزيت على التوتر القائم في الحدود بين الدولتين .و فيما يبدو أن المجتمع الدولي وبعد مرور ثمانية أشهر على بدء القتال في الولايات الشمالية المتاخمة للجنوب - النيل الأزرق وجنوب كردفان - بدأ أخيراً يشعر بقلق بالغ إزاء ذلك الوضع ،ما دفع الدول الأوربية المنضوية تحت منظومة الإتحاد الأوربي الى ارسال رسالة توبيخية الى حكومتي البلدين على السواء نظراً لاتخاذهما خطوات وصفتها ب»آحادية الجانب» تعرقل مباحثات السلام بين الجانبين. وتأتي الرسالة عقب بدء جولة جديدة من المباحثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي هذا الأسبوع بين السودان وجنوب السودان، وفيها أشار مايكل مان المتحدث باسم مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاترين أشتون في بيان «الخطوات آحادية الجانب التي اتخذها الجانبان زادت من صعوبة التوصل إلى حل تفاوضي». وقال مان إن مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوربي «قلقة بشكل خطير بشأن تصاعد العنف واستمرار النشاط العسكري عبر الحدود بما في ذلك العمليات العسكرية ودعم المحاربين بالوكالة والقصف الجوي».