بعد شد وجذب ورفض وقبول واتهامات متبادلة بين السودان وحكومة جنوب السودان لم يتوقع اقل المتشائمين ان يتوصل الطرفان الى اتفاقات وان كانت مبدئية لطى صفحة الخلافات المتصاعدة التى تخوف كثيرون من ان تجر البلدين الى حافة المواجهة العسكرية من جديد، الا ان حكومتى البلدين فاجأتا المراقبين بعودة ميزان الثقة المفقود بطرح جسر الحريات الأربع ليصبح معبراً لعدد من القضايا العالقة، ورغم ما توصل اليه الجانبان من تفاهمات الا ان بعض القوى السياسية بجانب مراقبين أشاروا الى ان حكومة الخرطوم قدمت تنازلات أكثر من جوبا بشأن الاتفاق الأخير وظلت تدفع العديد من التنازلات منذ توقيع اتفاق السلام الشامل لكسب رضاء المجتمع الدولى بصورة عامة والولاياتالمتحدة بصورة خاصة. ورغم ماتم التوصل اليه من اتفاق بين السودان وحكومة جنوب السودان بشأن الحريات الأربع وابعاد البلدين من نذر المواجهة والحرب الا ان بعض القوى السياسية اعلنت عن عدم رضاها بهذا الاتفاق واعتبرته تنازلاً من حكومة الخرطوم بسبب الضغوط الخارجية، حيث شن حزب منبر السلام العادل هجوماً شديداً على الاتفاق الاطاري الذي تم التوقيع عليه بين الخرطوموجوبابأديس أبابا ، وحذَّر من خطورة اتفاقية الحريات الأربع مع دولة الجنوب واعتبرها مهدداً للأمن القومي، واعلن رفضه للاتفاق وتعهد بتعبئة الشعب السودانى لمناهضته، وعد الاتفاق بانه اتى استجابةً لضغوط شديدة من المجتمع الغربي على الخرطوم كالتي فرضت عليها في نيفاشا. بينما اعتبر القيادى بالمؤتمر الوطنى وعضو البرلمان اسماعيل حاج موسى الاتفاق مع حكومة الجنوب خطوة ايجابية فى طريق السلام الا انه تحفظ على مبدأ الحريات الأربع، وقال الحاج موسى ل «الصحافة» عبر الهاتف أمس، ان حكومة الجنوب منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل فى 2005 تتعامل بطريقة متناقضة تشوبها الكثير من المراوغات فكانوا معنا فى الحكومة ولكنهم متحالفون مع المعارضة فى ذات الوقت، وظلوا داعمين لحركات التمرد فى النيل الازرق وجنوب كردفان واعتدوا على القوات السودانية فى أبيى فكل هذه الأشياء يجب ان نضعها فى الحسبان وعلينا دراسة «الحريات الأربع « بتأن وعقلانية قبل التوقيع عليها، واضاف مثل هؤلاء يجب الا نعطيهم كل شئ وينبغى ان نتعامل معهم بحذر، وقال ان مشكلتنا اننا لا نستفيد من أخطاء الماضى، وشكك الحاج موسى فى وعود الولاياتالمتحدة التى تقدمها بين الفينة والأخرى حال توصل الجانبين الى اتفاق يعيد السلام الى المنطقة، وقال «انا شخصياً لا أظن ان هناك اى نوايا حسنة لدى الأمريكان» واضاف كل عمل يقومون به يدسون فيه السم على حد تعبيره، و دائماً ما يمارسون سياسة «العصا والجزرة» وان عداءهم السافر للسودان معروف. من جهته، يمضى المحلل السياسى الحاج حمد محمد خير فى اجابته عن سؤال ان حكومة السودان قدمت تنازلات أكثر من حكومة الجنوب فى سبيل هذا الاتفاق الأخير الذى وقع بالعاصمة الأثيوبية اديس ابابا، وقال ان الطرفين لايعرفان اصلاً فن التنازلات المتبادلة فى سبيل الوصول الى حلول مرضية للطرفين، وقال المحلل السياسى فى حديثه ل «الصحافة» عبر الهاتف امس، لا اجد ان الجانبين قدما تنازلات بهذا المعنى لأن صورة المفاوضات بينهما دائماً ما يكتنفها الغموض وعدم وجود استراتيجيات واضحة لشكل العلاقة بين البلدين ولذلك يصعب التكهن والاقرار بأن هناك تقدم فى المفاوضات وتحسين العلاقات نسبة لسياسة نقض العهود المتبعة من قبل الجانبين، ووصف الحاج حمد وفد السودان المفاوض انه دائماً مايدخل الى حجرات التفاوض بثقة مهزوزة لانه يحسب ان السياسة الأمريكية تمضى الى غير صالحه وتتحامل عليه وتحابى حكومة الجنوب، وبالتالى نجده ان تنازل فأنه يحاول ان يعكس للمجتمع الدولى وامريكا بصورة خاصة مدى حرصه على السلام وتوقيع الاتفاقيات التى تؤدى الى هذا الغرض، ولهذا دائما مايخسر جولات التفاوض منذ التوقيع على نيفاشا التى خلفت هذا الواقع، واضاف ان حكومة الخرطوم تسعى الى التطبيع مع الولاياتالمتحدة أكثر من حرصها على علاقاتها مع دولة جنوب السودان، والتى هى بالمقابل مسلوبة الارادة وتسعى الى رضاء المجتمع الدولى وامريكا على حساب مصالحها الاستراتيجية المرتبطة مع الشمال. يشار الى ان السودان وجنوب السودان وقّعا في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا ، على مجموعة من الاتفاقيات في اطار جولة المباحثات الثالثة لقضايا ما بعد الانفصال، ووافق الطرفان على عقد قمة بين الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت خلال الاسابيع القليلة القادمة حدد لها الأسبوع الأول من ابريل لتسوية القضايا العالقة المتبقية، و تم التوقيع على اتفاق بالأحرف الأولى بين البلدين على انشاء لجنة وزارية مشتركة بين الطرفين لتوفيق وترتيب أوضاع مواطني الدولتين بكل منهما ،بجانب الاتفاق علي أسس عمل اللجان الفنية الخاصة بترسيم الحدود على أن تبدأ أعمالها فوراً ، بالاضافة للتوقيع على اتفاق مبدئي حول الحريات الأربع وفق قاعدة المعاملة بالمثل بين البلدين. ومن جانبه رحّب الرئيس البشير بالاتفاق الذي وقعه وفده المفاوض مع حكومة جنوب السودان في شأن المواطنة واستكمال ترسيم الحدود بين الدولتين، ووافق على لقاء نظيره الجنوبي سلفاكير ميارديت في جوبا، وفى المقابل ايضاً ابدى رئيس حكومة جنوب السودان ترحيبه بما تم التوصل اليه، وزاد بان حكومته قررت اعطاء جنسية بلاده للذين ولدوا في الجنوب أو من تربوا فيه ولكل من رغب من الشماليين في الحصول على جنسية دولة الجنوب.