منذ ما يفوق القرن من الزمان علم الناس بما عرف ببروتكولات حكماء صهيون، وذلك عن طريق تسريبات لوثائق الاجتماعات السرية التي بدأت في 1897م من اجل قيام مملكة صهيون للسيطرة على العالم التي قسم بموجبها العالم الى امميين وهم كل بني الانسان من جهة والصهيونيون من جهة اخرى. وقد بلغت جملة البروتكولات ما يقارب الاربعة وعشرين بروتكولاً. ونشير هنا الى ما جاء في بعضها التي تقول إن السياسة يجب ألا تتفق مع الاخلاق في شيء، والتركيز يكون على نشر الخمر والجنون والمجون المبكر، وضرورة نشر الفساد، وحدوث تغييرات إقليمية عقب الحروب ليتمكن اليهود من تقديم المساعدات الاقتصادية ليبقى الطرفان المتحاربان تحت رحمتهم، ونشر الفقر بين الامميين حيث لا معنى لحرية الكلمة وحقوق الانسان امام عامل اجير، ونشر الاستبداد والترويج لفكرة المساواة والحرية مع العلم بأنها تناقض قوانين الفطرة البشرية، ونشر المنافسات المادية وتحويل المجتمع الى مجتمع اناني غليظ القلب منحل الاخلاق يكافح من اجل الذهب واللذات، ونشر التعصبات الدينية والقبلية، وارهاق كل دولة تقف في طريق مخططاتهم بحروب مع جيرانها ... الخ. ويعتقد أن كتاب الأمير لميكافيللي هو المرجع الأساسي الذي قامت عليه قواعد حكماء صهيون، واليهود ليسوا بعيدين عما يدور في دارفور. والمهم في الأمر انني قبل ايام دعيت لحضور اجتماع مهم لحكماء دارفور، وسررت جدا مع انني لم اتمكن من الحضور، لمجرد التوسم والظن بأن الإنسان فيه شيء من الحكمة يضفي عليه إحساساً وشعوراً داخلياً بأن فيه الخير، ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً، وكنتم خير أمة اخرجت للناس، وبهذا المعنى يكون كل انسان مسلم على درجة من الحكمة ولا يخلو من خير ذهب العلماء والفقهاء والفلاسفة كثيرا في تعريف الحكمة، وقالوا عنها الكثير، ومنها انها تمنع صاحبها من افعال الاراذل، وفي حقيقتها وضع الاشياء في مواضعها، وهذا تعريف عام وشامل للأفعال والأقوال وسائر التصرفات، فمن حكمة الجنرالات الى حكمة الساسة الى حكمة العشاق، فما الحكمة وضعت في شيء الا زانته وما نزعت عنه الا شانته، والحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها، والرسول الكريم يقول: «إن الحكمة تزيد الشريف شرفاً وترفع العبد حتى تضعه موضع الملوك». واذا أردت أن تكون حكيما عليك بالقول الماثور «استمع للنصيحة وتقبل التوجيه فقد تصبح حكيماً في الايام التالية». مجلس حكماء دارفور من تكوينات هيئة دارفور الشعبية للحوار والوحدة والمصالحة، وجاءت في توطئة نظامها الاساسي انها جاءت استجابة لدعوة الرب الرحيم وخضوعاً طائعاً لحاجة اهل دارفور للحوار والوحدة والسلام والتنمية، واستلهاماً لكل تجارب أهلها في حل صراعاتهم ومشكلاتهم وفق رؤية ورسالة ومبادئ وميثاق لتحقيق الاعتصام بحبل الله المتين والتعاون على البر والتقوى ونبذ العنف والاقتتال والالتزام بوحدة الصف وتقديم مصلحة الوطن علي المصلحة الخاصة. وجاء في تعريف مجلس الحكماء بأنه بيت خبرة اهلي مكون من حكماء وخبراء وعلماء اهل دارفور في جملتهم «280» عضواً. وجاء في الخبر اختيار الدكتور عبد الحميد موسي كاشا رئيسا لمجلس حكماء دارفور، ولا غرابة فقديما الحكمة رزيقية، فهم من عطية وعطية من جهينة وجهينة يمنية والحكمة يمانية، والناظر مادبو الكبير أعقل من مشى على ظهر الأرض، وحفيده سعيد الناظر الحالي هو رئيس الإدارة الأهلية لدارفور الكبرى وسار على دربه، وأهل دارفور بكافة قبائلهم يكنون له كامل التقدير والاحترام، كما أن استاذي محمد عيسى عليو رئيس مجلس شورى الرزيقات مشهود له بالحس الوطني ونشاطه المحموم في لجنة الصف الوطني التي لا أرى اي مبرر ولا من الحكمة في شيء ايقاف نشاطها، فهي بمثابة حكماء السودان. نعود الى الحكيم كاشا ونقول إنه قد وضع في موضع لا يحسد عليه، فهو مسؤول اليوم عما يصدر عنه من اقوال او افعال، فإن كانت خيرا فهو حكيم وان كانت شراً فهو حكيم، فلم يعد اليوم هو ملك نفسه، فهو محط انظار الجميع خاصة انه شخص لا تخطئه العين. وانا شخصيا اتوقع له نجاحاً كبيراً في مهمته لما يتمتع به من حيوية وقلب أبيض كما يقولون، وان كان لي من نصائح فاقول، وطبعا الحكيم لا بد له من سماع النصائح، أقول إن أولى النصائح للجنة الحكماء اعداد الوثيقة او البروتكولات التي هي على نقيض بروتكولات بني صهيون، فاهل دارفور قوم مسلمون يتعايشون مع بعضهم، ويحبون الخير ويبغضون الشر، وينبذون العنصرية والقبلية، ويعملون لوحدة السودان ويكرهون خيار الحرب وينحازن للسلام. وعلى لجنة الحكماء بانشاء فروع لها بالولايات الخمس والمحليات، وان تعقد اللجان مؤتمراتها وتصعد عضويتها للمستويات الاعلى، وان يكون هنالك مؤتمر سنويا في احدى الولايات لتصدر توصياتها، وعلي لجنة الحكماء القيام بدعم اللجان على المستويات الدنيا عن طريق الدعم الرسمي والهبات، ودعم منظمات المجتمع المحلي والدولي، ولا بد للأشخاص الذين يعملون في هذه اللجان من اداء القسم على أن يؤدي العضو عمله خالصا لله لا لقبيلة او لفئة ولا لعصبية، بل يريد الاصلاح بين الناس افراداً وجماعات. والعمل في هذه اللجان يكون على سبيل التطوع، ويجوز للمجلس عند تكليف بعض افراده بمهام تحفيزهم، والشفافية والمصداقية والالتزام والمحاسبة أهم ما يميز عمل هذه اللجان. ويجوز التعاون والتنسيق مع اللجان المشابهة في الولايات الاخرى وتبادل الخبرات، والدعوة إلى تكوين مجلس لحكماء السودان يتكون من ممثلين للجان الولايات بحيث تعقد مؤتمراً سنويا كل عام في ولاية ينقاشون فيه مستوى الحكمة في البلاد، ويقدمون توصيات ورسائل، ويصدرون بيانات في المستجدات وعند تعرض البلاد للفتن. وليس صحيحاً أن أهل الحكمة في دارفور لم يكن لهم اي دور اثناء الازمة وبعدها، فقد اختل نظام المجتمع وفقدت المؤسسات القضائية والامنية والاجتماعية قدرتها على الضبط والسيطرة، وكانت اشبه ما يعرف دوليا بالاناركي ومحليا بالامكواك او الفوضى العارمة، ومع ذلك لم تتوقف الحياة، وتدريجيا بدأت تعود الى طبيعتها، وذلك بفضل جهات كثيرة دولية واقليمية وقومية ومحلية، وبالمحلية هنا نعني دور مؤسسات المجتمع في دارفور المتمثلة في مجالس الاجاويد الحكماء المحليين في الحفاظ على نسيج المجتمع ومحاولات رتق ما انفتق منه، فمجتمع دارفور معروف بآلياته غير الرسمية في فض النزاعات وبناء السلام، فالبرغم من أن المجتمع يسير في اتجاه المؤسسات الحديثة، ولكنه لا يغفل أن يصطحب معه القديم، وهنا تأتي أهمية الحفاظ والاستفادة من مجالس الأجاويد ولجان التعايش السلمي ومجالس الحكماء، لما لديها من خبرات في مجال سلامة المجتمع وتوطيد روابط مكوناته. وما التوفيق إلا من عند الله