أثرت في هذه المساحة الأثنين الماضي قضايا الصحة،وضعف الميزانية المخصصة لها في الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي ينعكس سلباً على مستوى الخدمات الصحية والأطباء والكوادر الصحية ،وهو أمر قد لا يعبر عن الارادة السياسية لقيادة الدولة ، لكن في النهاية تقاس به درجة ما يتوفر من ارادة، إذ أن ما يعتمد للصحة لم يتجاوز في أحسن أحواله 8%،خلال سنوات الرخاء الاقتصادي، يضاف لذلك ما ترصده الولايات، بالاضافة الى دعم المنظمات، بينما الرقم المطلوب حسب معايير منظمة الصحة العالمية 35%. و حسب تلك المنظمة، فإن السودان من أقل خمس دول انفاقا على الصحة في المنطقة،على الرغم من أن اقتصاده هو السادس أفريقيا. وبعث اليَّ مهتم بأمر الصحة قبل يومين مذكرة ممهورة بتاريخ 12 مارس الجاري،موجهة الى الرئاسة من ثلاثة أجسام هي «لجنة الأطباء»،و «اللجنة التمهيدية لرابطة الاختصاصيين السودانيين»،و «الكوادر الصحية»،تحذر من تدهور الصحة وأثر ذلك على المواطن متلقي الخدمة بجانب الأطباء والكادر الصحي،وتطالب المذكرة ب ايقاف بيع وتجزئة وتجفيف المستشفيات المرجعية ، وتنفيذ مذكرة تحسين شروط خدمة العاملين في الحقل الصحي،و توفير الوظائف الدائمة لكل العاملين في القطاع، ووضع أسس واضحة للتدريب، وتحسين بيئة العمل بكل المستشفيات،واستقلالية وديمقراطية المجالس المهنية « المجلس الطبي ومجلس التخصصات والمجلس القومي للمهن الطبية والصحية » وانتخاب ادارات المستشفيات ديمقراطيا، ورفع الصرف على الصحة الي 10% من الموازنة العامة. هذه مطالب وطنية عادلة وموضوعية لا غبار عليها حيث أنها تخاطب القضايا الأساسية المرتبطة بهذا الملف،وظلت في صدر اهتمام العاملين في الحقل الطبي ، وان استخدمت أحيانا في صراع مهني وتجاذب سياسي مما تضيع معه الحقيقة وحقوق المواطن،ولكن هناك قضية في هذه المذكرة اقحمت بطريقة قد تلقي بظلالها على بقية المطالب،فالحديث على عواهنه عن تفكيك المستشفيات المرجعية وأيلولة مستشفيات الخرطوم وبحري وأم درمان الى ولاية الخرطوم، ينبغي أن يناقش بطريقة هادئة بعيدا عن دغدغة العواطف والشعارات البراقة ، باعتباره خطوة نحو رفع الدعم عن الصحة. ما يجب التمسك به هو أن تظل المستشفيات المرجعية موئلا للتخصصات الدقيقة وتطويرها واستمرار دعمها،ويمكن بعد ذلك أن تنقل الأقسام الأخرى الى أي موقع تراه الجهات المختصة مناسبا ، فكيف يظل مستشفى في وسط الخرطوم هو مكان للولادة وعمليات استئصال الزائدة الدودية واللوز وما الى ذلك،فلماذا لا تنقل الخدمة الى المواطن في موقعه بدلا من أن يقطع أكباد الإبل للحج اليها،وثمة مخاوف حقيقية من ألا تستطيع الولاية الصرف على هذه المستشفيات بعد خمس سنوات المحددة لاكتمال الأيلولة ، وهذه تحتاج الى اجابة قاطعة لا لبس فيها من الدولة ومؤسساتها المعنية. ونخشى أن يكون بعض الأطباء والأختصاصيين الذين يناهضون نقل بعض أقسام المستشفيات من مواقعها الحالية يستخدمون تعبير تفكيكها شعارا مثل التهميش، ستارا لتحقيق مآربهم ، فبلا شك أن منهم من يتضرر من عملية النقل ،لأن عياداتهم الخاصة أو المعامل التي يتعاملون معها، والمراكز الطبية التي يساهمون فيها تقع قرب تلك المستشفيات،فتتأثر دخولهم واستثماراتهم بتحريك تلك المستشفيات، وهذه نظرة ضيقة ولا أخلاقية فلا ينبغي أن تكون المكاسب الشخصية حاجبا عن تأييد الموقف الصحيح وخاصة وأن الطب مهنة انسانية وأخلاقية في المقام الأول،فلاحظوا فقد يكون هؤلاء ومن والاهم هم الأعلى صوتا من غيرهم،وهناك سؤال برىء للأخوة في رابطة الاختصاصيين ففي العام 2010 تحرك أطباء عبر لجنة لتحسين وضعهم ووجد ذلك التحرك المشروع تجاوبا من الأطباء العموميين والنواب، لكن الاختصاصيين كانوا يتفرجون عليهم فلماذا ذلك الموقف والآن تتوحد المواقف؟!.