للمرة الأولي خرجت القوات المسلحة عن صمتها « الإستراتيجي « لتعلن على الملأ توقعاتها بشن هجمات مسلحة على أراضيها وتحديداً في جنوب كردفان، وحسب الجيش فإن قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال قد أكملت إستعدادها لشن هجوماًعلى عدة مواقع بجنوب كردفان، وهي إذ تفعل ذلك فإنها حتماً ستكون بدعم مباشر من دولة الجنوب، وندد البيان العسكري بذلك العمل، معتبراً إياه أكبر دليل يوضح عدم جدية جوبا وتنصلها عن الاتفاقيات التي وقعتها مع الحكومة التي تشعر الان بخيبة أمل تجاه ذلك، وأن هذا التنصل يعتبر إلغاءً عملياً لما تم الاتفاق عليه بين وفدي تفاوض الدولتين ويجسد خيبة الأمل تجاه حكومة جوبا . وأضاف الجيش في بيانه أن القوات المسلحة ما زالت ترصد الموقف بكل دقة على الحدود مع دولة الجنوب وقال تأكد (بما لا يدع مجالا للشك» أن القوات التي تم حشدها لهذا العدوان قد اكتمل إعدادها ، ومن المتوقع أن يبدأ العدوان خلال اليومين القادمين). وقد إعتمدت القوات المسلحه في إعلانها وتوقعاتها تلك على ما رصدته من حشود للجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب على طول الشريط الحدودي بين البلدين ، وحسب المتحدث باسم القوات المسلحة الصوارمي خالد ل( الصحافة ) فإن تلك الحشود تمركزت بصورة مكثفة في ولايات بحر الغزال وأعالي النيل والوحدة، وحتى تبدأ قوات الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية بشن هجماتها فإن القوات السودانية في المقابل قد أعلنت عن جاهزيتها واستعدادها للتصدي ورد أي عدوان مزمع من حكومة الجنوب وحماية الأرض والعرض والقيام بواجباتها على أكمل الوجوه. تشمل تلك الإستعدادات كل عمليات الرصد والمراقبة والمتابعة، حيث أشار الصوارمي الى أن الإستعدادات العسكرية تمتد قطعاً الى تحريك وتحضير أفراد القوات المسلحة . وبينما شرع الموقعون على إتفاق أديس ابابا الأخير في تقديم شروحاتهم وأحياناً دفوعاتهم عما تم التوقيع عليه، موضحين أنه لم يكن أبداً يمثل تنازلا لصالح الجنوب بقدر ما كان الغرض الرئيس منه تهيئة اجواء التفاوض بين البلدين للدخول في ملفات أكثر تعقيداً ، لكن وعلى ما يبدو فإن لغة الجيش لا تأبه كلياً بما يفعله أهل السياسية ، وفي إحيانٍ كثيرة تعلو فوق السياسة ، فقد خرج بيان القوات المسلحة الذي إن صدق وتجدد القتال مرة أخرى في جنوب كردفان فإن ذلك يعني وبصورة تلقائية نسف الإتفاق الإطاري الذي وقع الاسبوع الماضي مع حكومة دولة الجنوب ، بينما ينظر الجيش الى الأمر من منظور أمني بحت بإعتبار أن مهمته الأساسية هي الحفاظ على أمن الدولة ضد أي مهدد خارجي. وحسب وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين في حديثه بالبرلمان امس، فإنه متى ما وجدت أية تحركات معادية من دولة الجنوب ضد السودان تعد الغاءً للإتفاق الإطاري الموقع في أديس ابابا . وبدا وكأن لعنة الرافضين لما إتفق عليه الجانبان وإن كان في مرحلته الإطارية قد أصابت جسم ذلك الإتفاق بعدم التوفيق والفشل و في مراحله الاولية ، إذ يعد الأمن من أبرز أولويات السياسيين والعسكريين على السواء ولا خلاف في ذلك بين الطرفين ، حيث نفي مصدر حكومي قريب من الوفد الحكومي المفاوض وجود أي تضارب بين اولويات اهل السياسة والعسكر لاسيما في قضية الأمن وقال المصدر ل( الصحافة ) « إذا وقع إعتداء على جنوب كردفان يُنسف الإتفاق مع جوبا ليس وفق حديث الجيش وإنما وفق حديث الوفد المفاوض الذي شدد على أن عدم احترام سيادة الدولتين والقيام بأية أعمال عدائية من شأنه الغاء الاتفاق بصورة آلية، وزاد بقوله « ترتيب العلاقات الامنية بين البلدين سبق حتى ملف النفط فما لم يتوفر الأمن لن تكون هناك علاقات صحية تمهد لمناقشة الملفات المجمدة،» موضحاً بدء الجانبين في تلك الخطوات بصورة عملية بإخطار الجهات صانعة القرار في كلتا الدولتين وأخذ موافقتها على الاتفاق وهو ماتم فعلياً ، لتبدأ المرحلة التالية بتهيئة الأجواء السياسية والإعلامية للمرحلة القادمة . بينما يرى خبراء في العلوم العسكرية أن الجيش أراد من تمليكه تلك المعلومات الأمنية للرأي العام تكوين رأي عام محلي وعالمي يوضح صدقيته في ما ظل يقوله بصورة متكررة بأن القوات المسلحة لا تبدأ بالتعدي على الأخرين، وأنها تضطر الى الدخول في معارك عسكرية للدفاع عن نفسها ، وهو ما يعرف في العلوم العسكرية بالتكتيك . وهو ما اقره المتحدث باسم الجيش بقوله شارحاً الأسباب التي دعت الجيش الى إخراج تلك المعلومات لأول مرة « أردنا أن نبرر للرأي العام المحلي دواعي حالة الإستنفار التي ستدخل فيها القوات المسلحة ، وهي بمثابة إجابة على تساؤلات مشروعة للشارع العام « وأضاف الصوارمي « قصدنا من الاعلان المبكر أيضاً إحاطة المجتمع الدولي بما يحدث على الارض وشروع دولة جنوب السودان في القيام بهجوم داخل حدودنا لأننا ظللنا على الدوام في مقعد المتهم. « وكان رئيس الوفد الحكومي المفاوض ادريس عبدالقادر قد قالها صراحة لوفد دولة الحنوب أثناء جلسة مشتركة جمعت الوفدين بعيداً عن الوساطة على هامش جولة التفاوض الاخيرة، قال عبدالقادر في تنوير صحفي في الخرطوم « إن الحكومة بإمكانها أن تعامل جوبا ذات المعاملة في إشارة لدعم الحركات المسلحة الخارجة عن الحكومة الجنوبية، وذلك في حال لم تعمل دولة الجنوب على إحترام سيادة السودان وأمنه، وأصرت على إيواء الحركات الحاملة للسلاح .