ورحل حميد (هذا فرسي منذ أن اشتقت إلى الحب لأول مرة وأنا أبتر من أرجله رجلاً كل زمن حتى سقط على بطنه) ٭ ها هو (حميد) يرحل.. رحل بملابس (الترابلة)، وأشواق (الانتجالنسيا) وهموم (الغلابة) وكدح (العاملين) ٭ رحل - بقضاء الله الأحد، الذي لا راد لقضائه ولا تسليم إلا بأمره ٭ كنا تلاميذَ صغاراً، بمدرسة عطبرة الحكومية، وكان آنذاك يدرس الطالب محمد الحسن سالم - بمدرسة الأهلية - التي نقول عنها (الجلود) - لأنها شيدت بجلود الأضاحي، أنشأها العمال، بحر مالهم من (مرتبات محدودة). ٭ ولأن عطبرة تدرك أهمية العلم، شيدت مدارس للتعليم ب الجلود والعرق. ٭ وجاء محمد الحسن سالم (حميد) وجلس على حجر من (الدبكّر)، وسرح أثناء الحصة، وتذكر أمه ( يصادف اليوم، عيد الأم)، وقال قصيدته الشهيرة: ( شن طعم الدروس)، ومنذ تلك اللحظة برز في الوجود شاعر وافر القامة، صعب المراس، يلاعب الشعر والسياسة والحياة بالبيضة والحجر. ولاحقاً أضاف إلى موقفه الشعري، موقفاً فكرياً، ونازل (الإنقاذ) في ثبات، دون أن يتزحزح عن خانة الشعر، ثم ذهب إلى (الميرغني ) بذات الثوب الشعري الأخاذ. ولا زالت قصيدته ( يا نخلة الميرغني محمد آتٍ) التي كتبها في الإنسان الأخضر محمد سليمان، ترن في أذني بقوة. رحل حميد، وبرحيله فقد الشعر فارساً.. ولن يجدي البكاء. رحل حميد والعالم يحتفل بعيد الأم وكآن يتأهب للاحتفال،(ولهاته ) تلهث : (هَرَدْتَ لهاتي بالغنوات ... وقُتْ يبُردْ حَشَاك يا امِّي ومن التّعب البلا صَالِحْ .. تفيقي .. تروقي ...