شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأغنية الشايقية عند شعراء منحنى النيل 8
نشر في السوداني يوم 07 - 09 - 2012


مشروع حميد الثقافي آه منك يا زمن النزوح 1-9
كتب: معتصم طه
"آه منك يا زمن النزوح" قالها الطيب صالح ووجدها الراوي الذي دخل غرفته في
موسم الهجرة الى الشمال وهو يبحث عن وصايا مصطفى سعيد ليجد عبارة جنبهما
مشقة الرحيل ويقصد بها ولديه محمود وشقيقه والغربة في نص رائع لخصها
حميد بقوله الغربة اصلو طعيمة مر لكني قاعد بالجبر
لا تحزن يا شاعر الغلابة فأنت الآن بين يدي رب غفور رحيم دعا لك آلاف من
محبيك واذا التفت يمنة او يسرة تجد ابطال الطيب الذين كتب عنهم تجد
عشمانة الطرشاء التي رقصت في عرس الزين تقابلها عيوشة في ادبك النبيل
وتجد موسى الاعرج ينادي لعم عبد الرحيم وما بين بكاء حمتو شافع الحلب
الذين كتب عنهم في اوائل السبعينات المنسي قنديل في مجلة العربي بأنهم
يأتون من المكان واللامكان ويذهبون إلى اللامكان ولكن حميد اتخذ لهم
موطنا وسط اشجار نوري ليظلوا جزءا من نسيجها الاجتماعي. تنقل حيث شئت في
اشجار الجنة وادخلها غرفها بعد أن دعا لك الجميع بالقبول
شقّيش أقبِّل وين أروح
وأنا تاني مجروح من وشيك
يا غربة ياليل يا نزوح
دغش الغبش ما بات وشيك ؟
يا غلبي كلما الليل دخل
ياني المغنِّي "النجمة ديك "
ولاَّ القِدر يرجى النخل
لامِن يشيل قادر عليك
وعندما كتب حميد قصيدته بين الموجة والخزان كان سد مروي في رحم
الغيب ولكن امد الله في ايام حميد ليشاهد ما كتبه شعرا يتحقق في ارض الواقع
ومدنا جديدة تنمو في الشمالية، امري بقراها الخمس والحامداب الجديدة
وما بين ذلك يستنهض شاعرنا الهمة وهو يرى مروي تعود لسيرتها الاولى
ولحضارتها الباذخة الموغلة في القدم، الارض التي سار عليها بعانخي وشبكا
وشبتاكا وتهراقا وغيرهم من الملوك الذين حكموا ذلك العالم او ما يعرف
بالوجه البحري والذي كان ينتهي في مصر في مدينة الاسكندرية وها هي شخوصه
تتحرك لتمشي بيننا
اشوف العالم التحتاني .. هيلا هوب وقف ناهضْ
دكّ عمايد الفوقاني ... جوة الُّجب رمى العارضْ
وفي السابو الدمار أفراق عريق الحب نبض قابضْ
متل قبض الحروف في اسمي
غناوينا القبيل رقراق علينا تصب برد قارضْ
ويختار حميد مفرداته جيدا ومن تلك الطينة التي خلق منها ابونا آدم هاهو
حميد يضاف اليها خصائص اخرى فاختلاط الماء بالرمل والاسمنت والحديد انجز
اعظم مشروع للكهرباء في العالم العربي والعشاق الذين يعنيهم هم اولئلك
الذين ضحوا بأراضيهم من اجل السودان الكبير وما بين فرحته وهو يردد اغنية
سارت بها الركبان من مواطني تلك البقاع الذين هاجروا اليها بعد أن ضحوا
بوطن الاجداد
أَلُكْ طيناتا من دمّي .. وارمِّلها من عصب عشاق ..
أنط تُلُّبْ واجيك عارضْ
واجر نمي
أدودي لهاتي بالغنوات ... عقب يبرد حشاك يا امي
تسوي السي وتبتسمي
تسمِّي الشعب وتعتصمي
بحبل الشعب تتفرق ظلمةً فيها تتحرق .. صُرُمةً قالوا ليك قسمي
والام التي يعنيها حميد هي ام كل السودانيين الذين اذا صاروا علي قلب
رجل واحد سيسعهم هذا الوطن المعطاء لتمر كهرباء السد من مروي إلى بادية
الكباببيش بكردفان ثم تعبر شرقا إلى ديار البشاريين ليتحقق حلم السودان
الكبير بأنه سلة غذاء العالم
أدودي لهاتي بالغنوات عقب يبرد حشاك يا امي
ضراعك يرمي ما يدمي
تقيفي بعيد عن الشمات تكوني اقرب لي من اسمي
واضمك بارتياح يا امي
أحبك صاح وصاح حلمي
ولاكي سعية للضباح ولا شمش الصباح حزمي
ولا كتف السلاح سواح ولا نزف الجراح ألمي
وعندما تمتد ترعتي السد بين كريمة إلى القولد ومن مروي إلى وادي المقدم
تنهض الهمم وليودع الجميع الحرب لان الماء هو عصب الحياة متين مو دايرة
ري تسقي لتتعاقب الفصول ليكون انتاجنا وفيرا يغزو دول العالم العربي
ويطلق حميد يطلق النداء عاليا وتبقى الاراضي التي اخذها الهدام
هيا انحزمي .. هيا انخلقي .. هيا انعتقي ..
متين مو دايرة ري تسقي
ولا في إيد النزيف نبقى ... ولا في إيد الخريف تبقي
ولا الفيضان يبضِّع بِكْ .... ولا في القيفة تنهدمي
والشاعر في رحلة بحثه عن الحقيقة يستنهض كل اطياف الامة السودانية
ويدعوهم للتوحد لملاقاة الأعداء بعد أن اكتمل استقلال قراهم الاقتصادي
وها هي الحقول ملأى بسنابل القمح واكوام القمح والذرة بالوانها الصفراء
تسر الناظرين ولنشاهد بعضا من ابطاله والذي رمز له بسعد وهي من اسماء له
مدلولها فسعد من السعادة والسعادة هي العيشة الهنية فالمطلوب من الولد
سعد تنقية القمح والذرة من الشوائب بتوجيهها مع الهواء (ويا سعد الولد ضر
ضر ...مع النسمي (
ولا إن جات حاره تنهزمي
ولا يغشى الغلب قلبك ولا تشقي
ولا انت تخافي لا تدمي
ضراعك يرمي ما يدمي
فيا حزن البلد عوك كَرْ
ويا سعد الولد ضَرْ ضَرْ ... مع النسمي
ومع اعلاء قيمة العمل يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام "اذا قامت
الساعة وفي يد احدكم فسيلة فإن استطاع فليغرسها"، او كما قال عليه الصلاة والسلام. والحناجر ملأى بالهتاف "بالانتاج لن
نحتاج"
ولي قيمة العمل عمي .. وافتحي ظلمتك للضي
سِنِّي على النضال إيدي
سوِّكي بالهتاف فمي
شوارعك لي دويها علي
اذا ما آخر العلاج الكي ... مراويدك حمر صمي
مراويدك حمر يا امي
بليلتي ولا ضبايح طي
قليلتي ولا كُتُر سّمي
وحب الوطن من الايمان وهي رسالة لكل الذين باعوا اوطانهم وارتهنوا
للعمالة وباعوا الوطن فيهتف حميد لموطن صباه ومهد طفولته ويختم حلمه
بترديد سلام اربع مرات للام كما اسلفنا القول وهي هذا الوطن المترع
بالحنية ولكن ما بال بعض ابنائه يحتربون
وطني ولا ملي بطني
سكاتي ولا الكلام الني
سلام يا امي .. سلام يا امي .. سلام لا هكمي لا دكمي
وفي حواره بصحيفة الوفاق الذي اجراه معه الاستاذ عثمان عوض عثمان وقف
شاعرنا حميد متحدثا بأسى عن ضياع قصائده الباكرة بقوله (المدون من
قصائدي الباكرة ضاع في قطار كريمة منتصف السبعينات في عملية تداول بين
الركاب عند نزول محطة كريمة وجدتني هكذا كمن فقد متاع عقله هرولت هنا
وهناك انتظرت وبحثت طويلا ولم يبن له اثر حتى اليوم ربما قذف به احد
الركاب من النافذة في الخلا الواسع ،، عموما لم ينج من ذلك الدفتر الكبير
الا ما تناوله المغنون طعم الدروس واخواتها ومن ثم بدأت اهتم بتشتيت
قصائدي بين الناس) ومن سخريات الاقدار أن يرحل حميد في صباح الثلاثاء
لحظة جلوس اكثر من نصف مليون طالب وطالبة لامتحانات وتمضي القصيدة (شن طعم
الدروس) التي كتبها نابضة بالحيوية بعدما استقرت في افئده الفنان محمد كرم
الله
شن طعم الدروس ما دام مكانة مشي قطر
كيف ذاتا ترتاح النفوس وتقبل قراية في سفر
يايمة حان الامتحان من وقتو بس فاضل شهر
ويمضي حميد لزينوبة ذات القلب الرحيم ليبثها اشواقه ومخاوفه وما اعتمل
قلبه من لحظات رهيبة لذلك الامتحان
ما ظني من جور الزمان انجح واجيب ليكن نمر
كيف ذاتي يا نبع الحنان انجح من الام السهر
عمرك (سمعتيلك ) جبان خاض المعارك وانتصر
زينوبة كل ما افتح كتاب القاكي في اول سطر
القي الحبايب والصحاب القي الجناين والتمر
ويبقى الوطن في حدقات العيون طالما كان ابناؤه كبارا فانه لا يضيق بهم
ابدا والشاعر يردد "لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن اخلاق الرجال تضيق"
وعندما يكتب حميد عن الوطن فلنرفع حاجب الدهشة قليلا لان جنته تتمدد
امامه انهارا من اللبن والعسل ونراه في بصيرتنا لا بصرنا المحدود ويسير
الراكب من حلفا إلى جودة لا يخاف تقسيم السياسة ولا جغرافية نيفاشا لان
حميد كتب قصيدته باكرا لتتجمل بها اعين الحسناوات في شنقلي طوباية وفي
قدير وفي جودة وفي قرى الريف الجنوبي بمروي التي فقدت احد اهراماتها
ستبكيه قرية القرير بمجالسها السبعة سينتظره الشاعر السر عثمان في القلعة
حيث موطن خالته امونة في القلعة تلقي امونة خالتي
ياتو وطن في الكون الواسع
دون عينيك راح يبقي وطن
وياتو سكن في الدنيا الغنوة
دون عينيك راح يبقي سكن
ياتو شمس راح تشرق تطلع
لو عينيك بالدمعة بكن
وقام منديلك.....غازل خدك
غطي عيونك....غصبا عنك
هاج منديلك..اغمي عليهو..وقع من ايدك
ومن الدهشة الفيهو رطن
ياتو وطن؟؟
تعرفي ناس عنتر حبو؟
وليلي وقيس ضاقوها محن ؟
اصل القصة عيونك انتي
كانت نجمة تضوي سماهم
وكانت كل كلمات الالفة مسطرة فيها
كان عاشقين السما والنجمة
عبدو النجمة لانك انتي وانو السما في ذاتا ملابسك
كيرت بيهم احلام حبك
وقام رسموك في كل قصيدة
عيون بتحدد نوع القصة
وقصة تعبر عن تحديدك
كرسي وكنبة ورحلة طلبة
يزورو النيل والموية العذبة
يلاقو النيل كان دمعك انتي
واصل الرحلة..........
دهشة وخلعة يوم عينيك بالدمعة بكن
وقام منديلك.....غازل خدك
غطي عيونك.....غصبا عنك
هاج منديلك......اغمي عليهو
ومن الدهشة الفيهو رطن
قريش يوم عبدت الله حجار
كان فاقدين لي حنك وعطفك
عبدو اللات والعزة وغيرن
حج وطواف تقديس ووهن
انا سويتك نفس القصة
احلى يمين من احلى وثن
قلت اذوب في حبك راهب
واعبد الله الرسمك جوة
واقفل بعدك محراب حبك
واقعد جوة احبك واعبد..احبك واعبد..احبك واعبد..احبك واعبد..احبك
واعبد..احبك واعبد..احبك واعبد..
وارسم دنيا تكون ترنيمك
واصنع دنيا تكون تحديدك
واكتب في عنوان دنيانا
ما في وطن في الكون الواسع
دون عينيك راح يبقي وطن
وتبقى اشعار الاستاذ محمد الحسن سالم حميد في روعتها ورونقها مثل زهرة
الاقحوان الرائعة التي ذكرها امير الشعراء أحمد شوقي في مسرحية قيس وليلى
في الحوار الدائر بين ورد بني ثقيف وقيس
وهل رفت اليك قرون ليلى
رفيف الاقحوانة في نداها
الرقم سبعة عشر الف وثمانمائة وثمانيه وخمسين هو شاهد مقبره حميد في
مقابر البنداري واذا قمنا بتفكيك الرقم كما يقول اخونا سليمان الجمري
عندما كتب معلقا علي تلك الارقام بالوفاق بعد وفاة حميد (استمسكني هذا
الخيط من التفكير عند شاهد القبر 85871 الذي دفن فيه الشاعر حميد حيث
علاقات الارقام على الشاهد تقول بمحددات للافق الذي اتكبّ منه المتن
الشعري الحميدي.
في العام 85 ابن العامين وطفولاتنا القادمات توضع على كتفيه اسس الدولة
الاهلية الحديثة التي ورثت نظاما بيروقراطياً صارماً من اربابها
الانجليز باتجاه المصالح العليا التي اكدت الاستبعادات الضرورية لثقات
العباد وتنوعهم وتعددهم وحجمت ابدالاتهم السياسية بتضمين فاعليتهم وأسست
لهياكل معاشهم اليومي لا بطريقة مصلحة السلطان في الرعية من حيث اضافته
اليهم والمدافعة عنهم والنظر في معاشهم ولكن بعمى بصيرة الذهنية التي رعت
هذه النظم وفلسفتها في غياب كامل لجيناتنا الحضارية اللعينة التي ورثناها
من الملك اسبلتا وحتى الملك اركاماني على الاقل ولولا انغلاق هذا الذهن
لابتدرت سياقات رحيمة ومغايرة تدرك استحكامات القطيعة التاريخية بيننا
وذاكرتنا التي تعج بالجميل والمدهش احياناً.
وفي العام 58 مقلوب 85 ظلت قصيدة نادوس مقلوب سودان تسعى لاستيطان افئدة
الشبيبة والحالمين وترتب خيطها الشعري الناظم من طعم الدروس مروراً بنورا
وآه يا غبش
آه يا غبش ما عندي ليكم غير نغيم
برجوه ينفض لغبار زمن العشا الكتاح
يهز يخرت تباريح الاسى الممدودة
فوق نورا الدغش
واعلنت تلك الرهانات الخاسرة سناماً عالياً احاط بالذهنية المنظمة هذه في
ورطتها التاريخية المعادية لبني جلدتها وفي قصيدة نادوس رأس هرم المجالدة
لهذا الذهن الذي افاق على قصوره وخموله وجحيم اكراهاته التي سيج بها حياة
الناس).
وهاهو يحزم حقائبه تاركنا بلا هوية تحقيقا للآية الكريمة (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ (55))سورة طه. إن الرائع حميد حزم امتعته وعاد إلى موطنه الابدي منهيا
مسيرة اربعة عقود من الزمان بالعاصمة يعود حميد مثلما عاد مصطفى سعيد
في رائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال إلى قريته التي لجأ اليها
محمد سعيد دفع الله في اوائل السبعينات
جيتك وقيع يا نوري آه
ضميني مرة من الزمان شان
ما يعرفوا مكاني انا
يعود حميد الي جنة عرضها السموات والارض تاركا الدنيا بضجيجها تاركاً
عيوشة وحجر الدغش والسرة بت عوض الكريم ولكن هل القى حميد عصا التسيار
ليستقر به المقام فالمشوار طويل وسيجد عشرات من محبيه وعارفي فضله في
انتظاره في نعيمه المقيم وكثيرون كتبوا في غربتهم الروحية عن الوطن
سواء كانت داخلية أم خارجية كما ذكر الراحل المقيم عبد الله محمد خير
عندما كان في رياض السعودية عندما وقفته دورية سعودية فقال
اعود للدار ويكثر فيها ساساقي
لا في مرور يقول لي اقيف
ولا دورية بتلاقي
بدل رديف هدوم الصيف
كفاي سروال وعراقي
وكأني بحميد بمقامه العالي وحوله اسراب من طيور خضر تحمل ارواح الشهداء
الذين عبر اليهم عبر حادث الحركة الاليم ، ولكنها حتما لا تشبه طيور
احمد شوقي في جمالها وبهائها تلك الطيور التي سألها الشاعر عن الوطن
فلم تبدله بجنات الخلد فقالت له
هب جنة الخلد اليمن
لا شيء يعدل الوطن
في الوقت الذي كان يجلس فيه اكثر من نصف مليون طالب وطالبة لامتحان
الشهادة السودانية يرحل شاعرنا حميد الذي كتب عن تلك الرحلة عن رحلة
طلاب العلم إلى مدن السودان المختلفة يأتي طالب الثانوي من نوري او مروي
او القرير ليجلس لامتحان الشهاده ليس في ضاحية المنشية وانما في منزل
خاله بأطراف المدينة في امبدة او الدروشاب او الوادي الاخضر ولكن هل كملت
اشواق الطالب وهو يترك الام الرؤوم وهي تجلسه قبالتها داخل المطبخ او
(التكل) في انتظار وجبة الافطار
الم يقل لا فض فوه
شن طعم الدورس مادام بكانه درب سفر
وكيف ذاتا ترتاح النفوس تبقى القراية درب سفر
يمة المعلم لو نظر في الحصة كان يلقاني قاعد فوق كر
في الدونقا لسة ما فطر
ما ظني من جور الزمان انجح واجيب ليكم نمر
ولكن في نص آخر يظل العلم او المعرفة هو سبيل وطريق طويل لا يصل احد
لمنتهاه مهما تعاقبت السنين. لا ينسى حميد فضل الآخرين عليه الم يكتسب
البدر نوره من ضياء الشمس؟ وهذا هو العرفان النبيل ولا ينسى ممن عملوا
لتحرير انفسهم من رهن العبودية وشداد العبسي يقول لعبده كر وانت حر
ليرد عنترة
العبد لا يحسن الكر
وانما الحلب والصر
ويقصد بها حلب الابل والاغنام وحجب اللبن عن صغاره في رحلة مرعاها
ولكن تأتي الجائزه الكبرى من شداد (كر وانت حر)
وبالعلم دا كتاب مفتوح لك
ألف سنة
لو بالضرب دي حراب عنتر
مدارقو هنا
لو بالرسم جذاب عند أمو كل جنا
لو مو الشمس كضاب البدر
يضوي سناء
لو بالقرش وين جاب ما جاب
براهو هنا
)
مامن من شاعر اعلى قيمة الارض وجعل لها كيانا وشخوصا تتحرك اينما اتجهنا
مثلما فعل الشاعر حميد وعندما يكتب عن مزارعي السودان قاطبة فانه لا يخص
منطقة دون الاخرى فتاره تجده في وسط السودان في حقول القطن معليا من
قيمة الذهب الا بيض ويسافر بنا إلى شرقه الحبيب حيث ابل البشاريين ويحلق
بنا في الشمال ملتمسا اثر الحديث النبوي "بيت لا تمر فيه جياع اهله" ولا ينسى
ادوات الحقل من الاربل والواسوق التي تعد الارض للزراعة حتى اذا جرى
فيها الماء انبتت من كل زوج بهيج وحينما وقف الرئيس المشير عمر البشير
في مشاريع الامن الغذائي بسوبا فانه اطلق النداء عاليا بضرورة
الاتجاه إلى الزراعة و حث رأس المال الوطني للاستثمار فيها باعتبارها تدر
الارباح واستند علي تجربة حواشته ذات الثمانية افدنة وقال انها تدخل
اليه أضعاف الماهية التي يأخذها من رئاسة الجمهورية واعلى من قيمه الارض
بقوله إن الارزاق بيد الله. ويمضي حميد في ملحمته قائلا رغم أن
الانجليز عندما انشأوا السكة حديد انما انشئت لينقل بها القطن السوداني
لمصانع لانكشير التي تعود الينا مره اخرى في شكل اغطيه وبطاطين ويوثق لها
حميد
القوت من غيرك شن نفرو..وخيرك مادلا نحمد الله
تمرا كان جعت مكفيك...قطنك كاسيك ومدفيك
مويتك بتحمي وتسقيك طيانة جناتك يا وطني
وطيانتك وحجرك بينيك
حميد يبحث عنهم في اصقاع السودان المختلفة باحثا عنهم مناديا كل بحرفته
المزارع والراعي وصاحب الارض الذي يعد ابناءه بهدايا الاعياد عندما يثمر
المحصول ويحقق عائدا وفيرا ويظل النداء عاليا مناديا المزارع الذي يجهز
احواضه للزراعة وصاحب القمح وهو يسقيه وراعي الابل
يااب اربل واسوق يااب قمحه يااب البل
يااب نوق يااب سرحة
والآن ينادي على احدهم وهو متجه للسوق باحثا عن رزقه الم يقل الإمام بن
القيم "اطلبوا الرزق حين تتزاحم الاقدام"
يا ماشي على السوق واعد جنياتك بي عيد
وجنياتك واعدنك فرحة
وياعزيزي القارئ تقف المساحة حاجزا بيننا وعلى الود والتقدير نلتقي
الجمعة القادمة باذنه تعالى مع شخوص تمشي بيننا في اشعار حميد عيوشة وعم
عبد الرحيم وحمتو شافع الحلب .ونواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.