وبعد أن تؤدي فريضة صلاة الصبح تحمل قالبها متجهة إلى (الزريبة) تتفقد أغنامها كمن يلقي عليهم تحية الصباح وأحيانا تهمهم معهم بحديث غير واضح ، وتنظر الى مرابط اقدامهم وعلى ذلك الوتد المدقوق على الارض ،وتجول حولها صغار الاغنام ومن ثم تبدأ في حلب اللبن وتوقد نار الفحم لاعداد شاي الصباح لابنائها ، كل يوم على ذات المنوال وبذات الروح تبدأ حبوبة يومها وهي تحرص كل صباح على انه وقبل ان يستيغظ ابناؤها واحفادها تكون قد اعدت لهم الشاي ، وفي افتتاحية جميلة يتحلق الابناء امهم وصغارهم حولهم ، احيانا يروق لبعضهم الجلوس على الارض ، ومع اختلاف رغبات كل واحد منهم في تكوينة كوبه الا انها تظل تحفظ لكل منهم ما تلك الرغبة ، دا شاي عباس هاكي يا سامية اديهو ليهو . حنان دافق تحتوي به ابناءها وتظل تراهم بعينها صغارا في السن حتى وهي ترى ابناءهم امامها ،وتكون حريصة كل الحرص على ان تكون هي من تقوم بكل التزاماتهم وتتابع وتشرف على تفاصيل حياتهم اليومية وتعتبر نفسها مسئولة عن تربية ابنائهم ، ولهذا السبب حرصت الحاجة فاطمة بت حمد علي ان يقيم ابنها معها في البيت حتى بعد زواجه ، وتظل صورة الحبوبة مسيطرة على المجتمع في الريف فهي صاحبة الرأي السديد والكلمة المسموعة والحكمة المرجوة والفيصل في كل قضايا الاسرة وربما امتد اثرها الى الجيران، فكم من أم اتتها زوجة باكية تشتكي من سوء معاملة زوجها او اهله لها ولكن تردها الى الرشد وتقدم لها النصح في كيفية التعامل معهم وتخبرها عن قيمة الاسرة وابنائها وكم يستحقون ان تتحمل لاجلهم. وبعد دموع من الغبن والزعل نجدها تخرج برأي قنوع بان ابناءها هم الأهم ويستحقون الصبر ،وقد شهدت مثل ذلك الموقف بعد ان اقدمت جارتنا في قرى شرق مدني اثر خلافها مع حماتها على اعداد حقيبتها معتزمة العودة الى والدتها وعندما اتت الى وداع حبوبة استطاعت حكمة (الكبار) ان تثنيها عن ذلك ، وماهي الا لحظات وعادت فيها الأم وقد انطفأت نيرانها وكأن شيئاً لم يكن ، وان كان العديد من الناس لا يزالون يقولون لمن كان طري العود مشبع بالدلال انه تربية حبوبات .ويكون اسعد خلق الله حظا من يتربى وسط امه وفي حضن امها (حبوبته ) حيث ينهل من الخير الكثير ففي الارياف لا زالت الاسر تعيش في الاطار الممتد المترابط . ولان ثمرة تلك الحبوبة كانت هذه الام نجد بان الكثير من الأمهات يرون بان واجبهن في الحياة قد اقتصر في تربية ابنائهم واعدادهم الى المجتمع بعد ان حصرت كل احلامها في ابنائها وكل املها في ان تراهم في ارفع الدرجات وتقوم بكامل واجباتها تجاه بيتها وتعطي بلا كلل او ملل لتسلم رأسها في آخر الليل تحمد ربها على نعمة ابنائها،ومع كل ضغوط الحياة ومشاغلها تظل الام ترى بأن شغلها وواجبها الذي خلقها الله له هو تربية ابنائها ،فلهن التحية في يومهن ونقول هل لنا بأن نسرق بعضاً من لحظات عمرنا ونشرب الجبنة مع حبوبة .