وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الحكم في السودان
نشر في الصحافة يوم 28 - 03 - 2012

ان مشكلة الحكم في السودان كبيرة ومعقدة وتتداخل فيها عوامل كثيرة ولها ابعاد تاريخية تلقي بظلال وألوان متعددة وانطباعات تحتاج منا للوقوف، وفي تأمل دقيق، لنقول ما هذا الذي يجري في السودان وهو لا يشبهنا؟ انها صورة قاتمة للبلاد وهي تتصدر قائمة الدول الافريقية من حيث ابتدارها للاستقلال من المستعمرين. لقد كنا نأمل في انطلاق سباق بين الامم لنقود حياة يُحتذى بها ونكون مثالا للآخرين..
ولكن الملاحظ اننا تقهقرنا الى الوراء كثيرا واصبحت الدول التي استقلت من بعدنا تحقق طموحات وتطلعات شعوبها بصورة افضل منا بكثير... ولقد خسئت قياداتنا منذ الاستقلال وانكمشت على نفسها في ضيق افق وانانية مفرطة وهي تدور حول كراسي الحكم لتحقيق اطماعها الذاتية سواء كانت هذه القيادات مدنية او عسكرية او خليط بينهما كما هو حال الانقاذ اليوم..!
ولنخوض في اعماق المشكل السوداني في الحكم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي مشكلة الحكم في السودان؟!!!! ولماذا اصبح السودان اشبه ببركان سياسي وهو يغلي من جميع اركانه؟!! فأين خميرة العكننة التي اججت الفتنة فيه وهزت جميع اركانه؟!
اين موضع الخلل؟!! اذا نظرنا الى دارفور نجدها قد تمزقت واحتقنت بالاحقاد والمرارات التي يصعب على الزمان غسلها.. ونسأل الله ان يقيل عثرتها بإدارتها الجديدة.. وجنوب كردفان التي اصبحت مأساة بلا خجل وهي ترزح تحت اليتم السياسي والامني..
وغرب كردفان التي مزقتها فوضى عدم الانضباط القبلي والتفلت الامني البائن وغياب هيبة الحكم والاعتداء على حقوق الآخرين بأسلوب سافر تقشعر منه القلوب.. وهناك ابيي التي سامها خسف السياسة وافلاس حسن النوايا في البروتوكول العجيب ناهيك عن النيل الازرق وما فيها من تندرات (النجمة اوالهجمة) وعقار وما ادراك ما عقار... ومن فوق ذلك شرق السودان المنسي من المركز لفترات طويلة وهو يعاني غيبوبة سياسية ولا ننسى كجبار والمناصير حل الله عقدتهم واخيرا حتى (بروتس) الجزيرة والتي بدأت تتململ وتمتعض لما اصابها في خاصرتها وهو مشروعها الذي ليس هو قوامها وحدها وانما للسودان كافة.
لقد قصدت من هذا العرض العام ان ابين لكم ان السودان يكاد كله يكفهر ويقشعر جسده من سوء الحكم وضعف تدبير شؤون البلاد. فالخلل واضح ولا يضاء له مصباح.. ولكن لماذا لا تراجع الامور ويتم التصالح؟ ولماذا هذا الاستئثار القابض بدلا من الايثار؟ ولماذا هذه الكنكشة والتعتيم بدلا من السماحة والاعتراف بحق الغير؟ ولماذا نسيّر الدولة بلا كوابح ولا توجد لها مراجعات؟ الحكومة مسؤولة لمن؟ للواحد القهار..
ان اسلوب الحكم الذي يسير على نمط لا اريكم الا ما ارى لا يقودنا في النهاية الا للربيع العربي وهذا ما اخشاه على بلادي لما فيها من اثنيات مختلفة قد تغير مجرى التظالم الى طابع عرقي في حالة الانفلات الامني المبني على تراكمات المظالم وانعاكاسات المعاملات الجائرة بسبب احتكار السلطة والمنافع لجهات محددة اذ بدأت تلوكها وتجترها العامة بأن كفة الميزان ترجح عن بينة لجهات بعينها وكأن الاطراف الاخرى لا قيمة لها..
انها محنة الحكم وضيق الافق والانكفاء على المصالح الذاتية الضيقة وغياب الحكم الراشد... وهذه الصورة تكشف عن ارهاصات لما هو آت وانني لأخشى ان يحدث ما هو غير منظور والميتة لا تسمع الصائح ولات حين مندم...!
من الناحية التاريخية كان المستعمر الابيض يحكم افريقيا بحكم تقدمه العلمي والتقني وعدته وعتاده العسكري والفكري وتسخيره (لمكانيس) الافارقة لخدمة اغراضه.. وحينما انجلى الاستعمار توارثته الطبقة المتعلمة من اهل البلاد الذين تربوا تحت كنفه واستأثروا بكل شيء لهم ولأهلهم حتى اصبحوا استعمارا آخر في شكل وطني.. والآن جاء دور الشعوب لتقود حركة الحياة ومن غير وصاية من (خواجة او متخوجنين) او ادعاء او ريادة او سبق في الفكر ايدولوجيا كان او جهويا.. ان فترة الوصاية قد انتهت سواء من الخواجة او الصفوة.. ان التطور الطبيعي للحياة البشرية وارتفاع نسبة الوعي العام لدى عامة الناس والنهضة التعليمية وانفجار المعلومة بسبب وسائل الاتصال المتطورة والمنتشرة، كل ذلك كفيل بإعادة النظر في اسلوب الحكم.. ولم يعد هناك شخص او جهة يمكنها ان تفرض الوصاية على الآخرين وان تكون هي الملهمة او المعلمة وقد تلاحقت الكتوف حتى زادت عن حجم المدعين. ومن هذا المنطلق يستوجب الامر اعادة النظر في ا سلوب ادارة البلاد من حيث الاجهزة التشريفية والتنفيذية والقضائية ولا بد ان تكون هناك محاسبة فاعلة «Effective accountability» لتصحيح الاعوجاج البائن والخلل المفضي بالبلاد الى الاضطرابات الامنية التي ترتقي لمستوى الصوملة.. ولا يتم ذلك الا بالديمقراطية الحقة والتي لابد ان يسبقها مؤتمر جامع او اتفاق ما، مع الاحزاب يشخص امراض البلاد في الحكم ويضع الدواء الشافي لعلة البلاد.. ان الاستخفاف بمكانة الآخرين والتقليل من شأنهم وقلة اهميتهم لهو امر غير مقبول وبلا شك سيفضي في النهاية لما هو مؤسف وغير مرغوب فيه. ان السودان قد عُرف من قبل ببلد التسامح في كل المجالات وبلد الشهامة والرجولة والانفتاح على الغير ولا نريد له ان ينقلب على عقبيه ليكون بلد الاحقاد والانتقامات. ان صورة الحكم القميئة القائمة اليوم تقوم بإعداد مسرح جديد يخشاه العاقل ويتحسب له ذوو الحجا ويعملون له من التحوطات ما يدرؤون به عاقبة الامور.
لقد طفح الفساد وقد نقلته لنا الصحف بما يزكم الانوف وقد اعترف به رئيس الدولة ما دعاه لتشكيل مفوضية لمكافحة افاعيل الفساد..!! فالذين يقومون بهذا الفساد هم بنو الجبهة الاسلامية الذين لا يرقبون في الشعب السوداني الا ولا ذمة وهم شعب الله المختار ولهم ان يفعلوا في الشعب السوداني ما طاب لهم ما داموا هم في كراسي الحكم.. ان وجود حكومة بدون وجود جهاز او هيئة مقابلة لها يهدد وجودها في السلطة ويمكن ان يعمل على اسقاطها متى ما تبين خللها الواضح كما هو في الديمقراطيات عند حكومة الظل فإن الامور سوف لا تستقيم ابدا وليس هناك اية فرصة لبيان الاعوجاج ولو حتى تم بيانه فليس هناك وسيلة تصحيح فاعلة لأن الفساد يصدر من كبار اجهزة الدولة الذين هم يتحكمون في ادارة الحكم. لقد قال الرئيس في احدى مقابلاته بقناة النيل الازرق عن الخدمة المدنية (بأنه لا محسوبية ولا وساطة ولا تدخلات سياسية وحزبية في الخدمة المدنية (بعد اليوم) وسترفع لجنة الاختيار للخدمة العامة الى مفوضية تكون المدخل للخدمة او كل وظائفها على كل مستويات ومجالات العمل مفتوحة للجميع بالتنافس الحر، حيث لا توجد اية اعتبارات اخرى تسهم في تلوين الخدمة العامة وتشل قدرتها.. هذا كلام جميل واعتراف)..بأن الخدمة المدنية بسبب التمكين اصابتها كل الامراض المطلوب تصحيحها في خطاب الرئيس هذا ولكن من الذي يقوم بهذا التصحيح والمؤتمر الوطني يهيمن على كل مفاصل الدولة.. اما (الخبوب) الذي تم تعيينه من قبل لم يذكر الرئيس شيئا عن كيفية التخلص منه.. الا يدري السيد الرئيس بأن هناك ما يعرف في الموازنة بما يسمى الميزانية على القاعدة الصفرية (Zero-base budget) والتي يتنافس فيها الموظفون على مقاعدهم التي يشغلونها الآن مع غيرهم لأنهم وصلوا إليها من قبل في غفلة من الزمان وعلى تغطية من الجهاز الحاكم؟
نشكر للرئيس انتقاده (للسياسات الخاطئة التي انتهجتها الانقاذ وعملت على انفاذها دون اعتبار لنتائجها التي اضرت كثيرا بالمصلحة العامة للبلاد وشكلت ضربة مباشرة للوحدة الوطنية في صميمها، وخلقت نوعا من التفرقة بين المواطنين دون اي اعتبار ليس للاعراف وحدها ولكن في كثير من الاحايين للقوانين ذاتها ان لم نقل الاخلاق، انه اعتراف بالخطأ وهذا في حد ذاته جميل والرجوع الى الحق فضيلة.. اننا نتفق معك يا سيدي الرئيس اذا امتدت يد البطش الانقاذي الي الخدمة المدنية التي نعتز بكيانها السابق وادخلت ذوي الولاء وابعدت ذوي الخبرات والكفاءات.. وبذلك نكون قد افتقدنا تواصل الاجيال ونقل الخبرات حتى اصبحت الخدمة المدنية سوقا للمصالح واداء الخدمات ومكانا مفتوحا للتفاوض لاجراء عملية التسهيلات لمن اراد انجاز مهمة في دواوين الدولة. وحينما يتم الاعلان عن الوظائف يكون المعنيون قد تم اختيارهم مسبقا.. وهناك الاعلان عن العطاءات صوريا ويكون المعني وهو صاحب النعمة قد استلم العمل وباشر مهامه..!! ومن سخريات القدر انه لابد من تسجيل اسم القبيلة في ارنيك طلب الوظيفة حتى حسب الصينيون ان كلمة (شايقي) هي مؤهل علمي اضافي في السودان، ومن لا يحمله هو دون الآخرين في التأهيل للعمل في البترول..!!!
ألهذا جاءت الانقاذ لتحدث مسخا مشوها في حقوق العباد وصورة البلاد التي كنا نباهي بها الآخرين ويعتز بنا الاجانب اينما حللنا عندهم..؟!!
انها محنة الحكم والاستئثار بالسلطة في السودان حتى ارتسمت الصورة القميئة لأسلوب ادارة البلاد...! بل يشكل ذلك اسوة سيئة للحاكم واستفزازا وتقززا للمحكومين (Mal-administration)..
هذا الخلل حدث في الخدمة المدنية والعسكرية معا اما الذين يشغلون المناصب الدستورية فأمرهم ادهى وأمر لأن الخدمة المدنية ما كانت لتكون ما هي عليه اليوم ان لم يكن رب البيت للدف ضاربا..!
واذا رجعنا للتنمية بالمقارنة بالمال المتوفر فإننا نسمع بها ولا نراها الا قليلا في الخرطوم ومروي لأن اكثر ممن 70% من الدخل القومي والقروض والمساعدات الخارجية يذهب لحفظ الامن وحفظ كراسي الحكم.! ولو تغيرت السياسات لما احتجنا للصرف على الامن بهذا الحجم ولتدفقت الاموال الى مجالات التنمية المختلفة ولظهر خيرها رفاهية على العباد.. فالتنمية هي عبارة عن عملية اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية واخلاقية شاملة تستهدف ربط المواطن بأجهزة الحكم لما لهم من مصالح مشتركة تجعل من هذا المواطن ترسا في عجلة الحياة (Cog in a wheel) يتحمل نجاحات واخفاقات الحياة العامة ما دام هو جزءا منها ومشاركا فيها.. فالتنمية تسعى لتحسين اسلوب الحياة وترقيته باستمرار تحقيقا لرفاهية السكان ورفع مستوى الحياة (Enhancement of the quality of life) للافراد والجماعات على اساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في الانتاج وفي التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.. اما الآن فهناك اعداد غفيرة تقف على الرصيف اما محايدة او معادية فهلا استقطبناهم وادخلناهم في دائرة الانتاج والمشاركة في المسؤولية الجماعية وفعّلنا فيهم قدراتهم المعطلة او المستخدمة سالبا..
ان بلادنا ما زالت بخير وبالرغم من اننا نشكو من قلة الموارد وضعف الايرادات الا ان حقيقة الخلل ليس في حجم الايرادات وانما يكمن الامر في سوء استخدام الموارد (Mismanagement) .. واذا ما صحح هذا النظام امره فستكتشفون ان الموارد كانت مهولة الا ان التبديد الذي اصابها كان قاسيا عليها.. وحينما تنكشف هذه الغمة سيتضح لكم عجب الدغمسة في المال العام والاستهتار في استخدام الموارد الذي لا يعرف تحديدا للاولويات ولا كفاءة الاستخدام نفسه (Effectiveness & efficiency) ان الامر كله مرهون بغيام الجهاز المقابل للحكومة ليقول لها (إتلهي) وكفاية وساخات. فالذي طفح واصبح مرئيا في الصحف ليس هو اكثر من ظهور اذني الجمل وهو بارك ويا ما ظهرت فضائح يشيب لها الولدان خاصة مما كنا نحسبهم من اولياء الله الصالحين.
ان الامر يتطلب مراجعة شاملة ومحاسبة قاسية لمدعي الطهر والعفاف في الوقت الذي هم يشكلون فيه بؤرة الفساد والافساد.. فالحكم ليس بلعب عيال والاماراة خزي وندامة يوم القيامة الا من اتى بحقها والعاقل من اتعظ بغيره فحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وبما تدينون تدانون )..
ان هذا الشعب السوداني العظيم ارفع من ان يهان ولا يستحق الهوان والمرمطة التي يرزح فيها وباسم الدين (كمان) فهو اعفّ ممن ان يذل.
يغمرنا الفرح والرجاء والبشرى بأن السودان سيتوجه نحو القبلة الصحيحة بإذن الله، حسبما جاء في لقائكم سيدي الرئيس بفضائية النيل الازرق.. ونعلم ان مهمتكم سيدي الرئيس ستكون اصعب لأنك الآن تسير عكس تيار الفساد والمفسدين وهي مهمة صعبة وتتعذر معها مقاتلتك لوحدك، ونسأل الله ان يسخر معك من هو حادب على مصلحة هذه البلاد وهو في مركز السلطة، علما بأن تيار الفساد فظيع وقوي وغير مأمون المواجهة وهذا حال الفطامة فأعمل والله نسأله ان يسدد خطاك ويوفقك لتصحيح إعوجاج البلاد وان كانت المهمة عسيرة فأنت لها..
فإن اعناقنا تشرئب لنرى اصلاحاتكم المرتقبة ويحدونا الامل الكبير في ان تكفف عن مآقينا الدمع السخين الذي ذرفناه حسرة على ما آلت اليه هذه البلاد .. فهلا فعلت؟.
محافظ سابق
٭ بعد الاستفتاء الذي تم في السودان الكبير ونتج عنه انفصال الجنوب عن الشمال، فقدت جمهورية السودان قدراً كبيراً من دخلها بذهاب البترول، الأمر الذي أحدث خللاً في توازن الميزانية العامة وخلق ضوائق مالية كثيرة ستضع جمهورية شمال السودان في موقف اقتصادي حرج، هذا الموقف الحرج خلقته حكومة الانقاذ نفسها لأنها اهتمت وعولت كثيراً على عائدات البترول ناسية أو متناسية الاهتمام الحقيقي بعصب اقتصاد السودان الذي يتمثل في الزراعة. وكاتب هذه السطور كان أول من نبه الى ضرورة وضع الانتاج الزراعي استراتيجية اقتصادية في الدرجة الاولى، ولكن يبدو لي أن سرعة عائدات البترول شغلت الجميع عن الاهتمام بهذا الامر، الى ان واجه السودان هذا الموقف الاقتصادي الصعب بتدنٍ واضح في عملية الانتاج الزراعي المروي، واصبح هذا الامر يتهدد بلادنا المسكينة الصابرة الصامدة. وكان لا بد أن نعي هذه الحقيقة ونقوم بحملة واعية للنهوض بالانتاج الزراعي الذي كما اسلفت يجب ان يكون خيارنا الاول في تقدم الاقتصاد.
والذي اضحكني وابكاني هو ما تقوم به أجهزة الدولة من دعاية لبدائل مرتقبة نتيجة لفقداننا عائد النفط واخذ الجميع في أجهزة الدولة لمختلفة يهللون ويكبرون للتنقيب عن الذهب الذي هو ليس بأى حال من الاحوال الخيار الاول أو المفتاح السحري لحل مشكلاتنا الاقتصادية، ولا بد للجميع ان يضعوا استراتيجيات ثابتة لنهضة زراعية هى في الاصل ما يمكن ان يبنى عليه الاقتصاد السوداني، واضرب مثلاً بالولايات المتحدة الامريكية التي تهتم بالزراعة اهتماماً جعل هذه الزراعة من أهم المصادر الاقتصادية في الدخل القومي الامريكي.
وبعيداً عن التنقيب عن الذهب بصورة موسعة، فإن ما يجري الآن على المستوى الاهلي والشعبي في تنقيب عن الذهب عطل كثيراً من الطاقات التي كانت تساهم في تسيير الانتاج الزراعي، وأخذ ينذر بشلل تام في قطاع العمال الزراعيين. إن القطاع الزراعي وفي سنواته العديدة يشهد تدهوراً كبيراً في الانتاجية وخللاً جسيماً في هياكله الإدارية، الأمر الذي جعلنا لا نستفيد من هذا القطاع حتى مجرد الفائدة التي كانت تتم في الماضي، وتعرض القطاع الزراعي المروي الى خلل كبير في الانتاجية وعدم وعي في الاعلان عن الانتاجية التي تتم، لأننا تخلصنا من الاجهزة الادارية الفنية التي كانت تحصى الانتاجية الزراعية على أساس متوسط مستوى الانتاجية بالفدان، لتتضح لنا الرؤى التي من خلالها نستطيع أن نسد الثغرات في تدني انتاجية المحاصيل، والخطير في الامر أننا أخذنا نعتمد على انتاجيات عالية قليلة في مناطق متفرقة.
ولقد زهدت في التحدث عن مشروع الجزيرة وما اصابه من خلل ودمار يرقى الى معاقبة مرتكبيه بأقصى صنوف العقاب، لأن الجريمة اكبر واخطر من تدني العمل في مشروع زراعي.. إنها جريمة دمرت الاقتصاد السوداني بأسره، ومازلت مصراً على تكوين لجنة تحقيق تتكون من الادارة والقضاء لتقدير حجم الخسائر التي خسرها السودان، والتي اقدر لها عشرات المئات من المليارات، وفي الشق الآخر واعني به الزراعة المطرية فإننا فقدنا كماً هائلاً من الاراضي الزراعية المطرية جنوب الجبلين والى حدود اعالي النيل سابقاً، فكل هذه اراضي كانت تزرع في صالح السودان جميعه، وفقدناها الآن بسبب تبعيتها لجنوب السودان. وهذا الفقدان يمثل مردوداً كبيراً على اعتمادنا على الزراعة، كما أن كثيراً من اراضي جنوب النيل الازرق التي كانت تزرع ذرة وعباد شمس اصبحت هنالك شبه استحالة في زراعتها بسبب الاوضاع الامنية التي تسود جنوب النيل الأزرق الآن.
وبقيت هناك مهمة دقيقة، وهى أننا يجب أن نركز على الزراعة المطرية في القضارف والدالي والمزموم، ونتعامل في التحضير لها بكل مسؤولية، ثم بعد ذلك ننتظر رحمة الله في ما ينزل من الغيث. وأعتقد أن ما تقوم به ولاية القضارف أنموذج في المسؤولية يمكن ان يحتذى به.
إن القطاع الزراعي المروي يجب أن يكون موضع اهتمام الدولة لضمان توفير العيش لأبناء هذا الشعب، ولضمان عائد التصدير الذي إن تضافرت النوايا وقويت العزائم فإنه سيعود على السودان بكل العملات التي يحتاجها السودان للتعمير.
السلام بين السودان ودولة جنوب السودان
٭ في نهاية الأسبوع المنصرم زار وفد رفيع المستوى من حكومة الجنوب بقيادة الاخ باقان أموم لإجراء مباحثات حول اللقاء المرتقب بين الرئيسين عمر البشير وسلفا كير بمدينة جوبا، وقبل أن اخوض في تفاصيل هذا ارجو أن انبه الى خطأ جسيم ارتكبه احد قادة حكومة الجنوب حينما تحدث ونحن في هذا الجو المفعم بالامل في قيام علاقات اخوية بين جمهورية السودان ودولة الجنوب، تحدث عن المحكمة الدولية واحترام قراراتها، وكأنما أراد أن يقول لهذا الوفد القادم اني اتحداكم جميعاً.. إن مثل هذا الحديث لا بد أن يكون قد تم باتفاق جهات ليس من مصلحتها حل المشكلات القائمة بين الدولتين، ومن هذا المنبر فإنني اطلب من الاخ سلفا كير إجراء تحقيق دقيق وفوري مع هذا الشخص الذي ادلى بهذا الحديث الجارح الذي خلق كثيراً من الضبابيات في الشمال، مما دفع قطاعاً من المهتمين بالشأن العام إلى أن يطالبوا بعدم ذهاب الرئيس الى الجنوب خوفاً من أن تكون هذه الزيارة مؤامرة مدبرة، وكان على رأس الذين ينادون بعدم زيارة الرئيس للجنوب قطبي المهدي، وما كنت ارجو أن يتدخل أحد المسؤولين السياسيين او التنفيذيين في هذا الأمر، ونكتفي بما يقوله الرأى العام والشارع السوداني، لأن مقولة قطبي المهدي كان يمكن أن تتحوط لها الحكومة باتصالات دبلوماسية تستوثق من هذا الامر، فإن رأت أن هناك ما يمس سلامة السيد الرئيس، تصرفت الحكومة تصرفاً دبلوماسياً يصحح الوضع ولو بتغيير مكان الاجتماع.
أما أن نسير على اسلوب قطبي المهدي فنكون قد أثبتنا اسلوب قطب المهدي في مجاراته للمسؤول الجنوبي في حديثه عن المحكمة الجنائية.
وقد اصدرت الحكومة بياناً رسمياً حول المباحثات بين السودان وجنوب السودان اذاعته وكالة «سونا»، وكان نصه كما يلي: اختتمت مساء الجمعة المباحثات المباشرة المشتركة بين الوفدين المفاوضين لحكومة السودان وحكومة جنوب السودان في إطار الاعداد للقمة المرتقبة بين الرئيسين عمر وسلفا والتي استمرت يومين بالخرطوم. وقد صدر بيان رسمي حول المباحثات تورده «سونا» بالنص.
٭اختتمت مساء أمس الأول (الاحد) المباحثات المباشرة المشتركة بين الوفدين المفاوضين لحكومة السودان وحكومة جنوب السودان في اطار الاعداد للقمة المرتقبة بين رئيسي الدولتين في جوبا، وقد عقدت هذه الجولة في مناخ ايجابي هدف لبناء الثقة بين الطرفين وتعزيز مفهوم المصالح المشتركة وتوجيه موارد البلدين لصالح شعبيهما ولصالح التنمية والاستقرار في كل منهما، وأكد الطرفان الرغبة في علاقات جوار حسن ويؤسس لتعاون مشترك متطور في المجالات الامنية والاقتصادية والسياسية بينهما، واتفق الجانبان على أن الأمن المتبادل هو مدخل رئيس لبناء الثقة ومعالجة التحديات الأخرى.
وفي هذا السياق عقد اجتماع مشترك ضم من الجانب السوداني وزراء الدفاع والداخلية ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني ورئيس هيئة الاركان المشتركة، ومن جانب دولة الجنوب رئيس الوفد المفاوض باقان أموم والسيد دينق ألور وزير مجلس الوزراء والسيد جولد لوك وزير العدل، وقد بحث الاجتماع الترتيبات اللازمة لانعقاد الآلية السياسية والأمنية المشتركة في أديس أبابا قبل قمة الرئيسين، وقد اتسمت المحادثات بالصراحة والوضوح، وسادت الاجتماع روح التفاهم والرغبة الصادقة في الوصول لحلول شاملة من قبل الطرفين.
كما اتفق الجانبان على العمل الفوري في لجان توفيق اوضاع مواطني البلدين واللجنة الفنية لترسيم الحدود ولجنة البحث عن خيارات وآليات للتجارة البينية.
كما تم اتفاق لخلق مناخ الثقة في البلدين، وقد تمت لقاءات ثنائية جانبية بين النظراء في كل من وزارة العدل والشؤون الانسانية والنفط.
وتعبر حكومة السودان عن تقديرها لهذه الزيارة، ونأمل ان تنعكس ايجابياً على ترتيبات إنجاح القمة المرتقبة، وتجدد شكرها للاتحاد الافريقي ولجنته عالية المستوى برئاسة الرئيس ثامبو أمبيكي.
ونحن من جانبنا مسترشدين بهذا البيان المتفائل من حكومة السودان نتمنى ألا تقف العوائق التي قد تؤدي الى عرقلة اجتماع الرئيسين البشير وسلفا كير. كما أناشد الاخوة في حكومة الجنوب التحقيق مع المسؤول الجنوبي الذي قصد أن يعرقل مسيرة الوفاق والصلح بين الحكومتين والشعبين بفريته عن المحكمة الدولية، وضرورة احترام قراراتها، وهو كلام مقصود منه خلق مثل هذا الجو المتوتر، فجمهورية شمال السودان وحكومة جنوب السودان كلاهما لا يعترف بالمحكمة الدولية وليس ملزماً بقراراتها.
أما هذا المسؤول الذي القى بتصريحه عن المحكمة الجنائية لم يفكر بعقلانية، لأنه اذا حدث ان حاولت أية جماعة تنفيذ قرارات المحكمة الدولية، فلا يمكن أن تتصور أو تتنبأ بما سيحدث في البلدين أو المنطقة. وآمل ان تتحوط الحكومتان بما سيحدث نتيجة لمثل هذه الشائعات، واخص حكومة الجنوب بوصية بأن تدقق وتنقب في هذا الأمر لا سيما أن تجربة الحكم مازالت قصيرة لديهم، ونصيحتي أيضاً للاخوة في حكومة الجنوب ان يعلموا تمام العلم أننا دولتان تجمع بينهما من الاواصر والصلات والتداخلات ما يدفعنا الى الحرص الشديد على الحفاظ على علاقاتنا.
زين كل ما قامت به زين
٭ أقامت شركة زين للاتصالات مهرجاناً كبيراً احتفالاً بعيد الام، وقد حضر هذا الحفل الذي أقيم بقاعة الصداقة عدد كبير من الناس، وتخللته فقرات ممتعة وغنية، إذ شاهدنا خمسة عشرة أماً مثالية قامت على اختيارهن لجنة منتقاة، كما تحدث بعض الحضور عن هذا البرنامج، وقد بهرت كثيراً للاسلوب الطيب البشوش الذي قدم فيه الفريق عروة ذكرياته عن والدته، كما عشت مع عبد الرحمن الصادق المهدي الذي كان يتحدث عن والدته السيدة سارة المهدي التي كانت تربطني بها صلة صداقة واحترام متبادل، وحديث الابن عبد الرحمن اثار في كثيراً من الذكريات.
والبرنامج تخللته حفلة غنائية موسيقية غنى فيها الكثير من الفنانين عن الأم، وأشاعوا جواً مفعماً بالذكريات عن الأمهات الاحياء منهم والاموات.
إنني اكبر في شركة زين للاتصالات نشاطها الادبي والثقافي والاجتماعي، فقد اخذت تحقق صولات وجولات في هذا الصدد.
والتهنئة القلبية الحارة للفريق عروة ولكل العاملين بهذه المؤسسة الصاعدة، متمنياً أن يزيدوها عظمة على عظمتها بتقديم المزيد من الخدمات الاجتماعية والنشاطات.
مالكم والاسبيرات المستعملة
٭ أصدر وزير الدولة للتجارة الخارجية قراراً بمنع استيراد قطع الغيار المستعملة، الامر الذي اثار ضجة كبرى وسط تجار هذا الصنف، كما أنه آثار استغراب وغضب المساكين من أمثالنا الذين يستعملون هذه الاسبيرات لعدم قدرتهم على شراء الاسبيرات الجديدة، وبعيداً عن هذا أو ذاك فإن هذا القرار يبدو غريباً جداً، لأن الجميع يمكنهم ان يتبينوا استقامة شراء الاسبيرات القديمة وبأسار متهاودة.. ولا اعتقد أن وزير الدولة الذي أصدر هذا القرار زار السعودية أو دول الخليج، ليتبين ثقل استعمال الاسبيرات المستعملة وحرارة تسويقها، وحتى في الولايات المتحدة الامريكية الام الرؤوم للنظام الرأسمالي فإن تجارة التشليع وبيع الاسبيرات القديمة واردة ولها سوق كبير.
أرجو من الأخ متخذ هذا القرار ورأفةً بذوي الدخول المحدودة من أمثالنا أن يعيد النظر فيه ومراجعته، كما أرجو أن يضع مصالح تجار هذه التجارة في اعتباره وهم كثير.
كلمة لا بد منها
محمد إبراهيم نقد النجم الذي أفل
٭ رحل عن السودان زعيم من أكبر زعمائه وقائد من أعظم قادته.. رحل عنا في هذا الظرف العصيب الذي كنا نحتاج فيه الى رأيه ووجوده داخل تجمع القادة، ولكن دائماً وأبداً فإن السودان يمكننا أن نصفه بأنه قليل الحظ.
تربطني بالأخ المغفور له نقد صلة قديمة ومحبة متبادلة، وكنت أكن له احتراماً شديداً يحس به المرحوم ويقدره.
ولكن صلتي به قويت في يوليو 9891م عندما اعتقلنا جميعاً في سجن كوبر، وقضيت أنا معه حوالى ستة أشهر قبل أن اخرج بقرار طبي، وكنت طوال هذه الفترة أقضي ساعات الصباح في حوش الشفخانة الموجود بالقرب من المعاملة التي كان محتجزاً فيها المرحوم بهاء الدين محمد إدريس، وفي الجانب الغربي كان هناك السيدان محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي. وكنا نجلس في ظل هذه الشفخانة نتآنس كثيراً، ولعل الذين يعرفون المرحوم يتمنون ألا يفارقوه من عذب حديثه وطيب معشره.
كنا نتحدث في كل شيء، إلا أنني أقسم بالله العظيم أن الأخ المرحوم نقد طوال الفترة التي نلتقي فيها كل صباح لم يخوض في سير البشر، وكان الجميع يتساوون في المحبة عنده، وكان يجنح إلى النقاش السياسي الذي يتوخى الموضوعية ويبتعد عن الخوض في سير الناس. وكان ذكياً ألمعياً خفيف الدم والظل ويمتلئ قلبه حباً لهذا الوطن.
وأنا أشعر بأسى شديد، لأن المرض قد أقعدني عن المشاركة في تشييع جثمانه، وجاء جار لي ووصف لي مراسم التشييع وكثافة الحضور الذي حضر الدفن، فأثار ذلك في شجوناً، فبكيت على محمد بالدمع السخين، الأمر الذي أثار جاري ومحدثي الذي صار يحكي لي ويهدئ من روعي، ويذكرني بأن الموت سبيل الاولين والآخرين.
أخي محمد لقد ذهبت إلى ربك راضياً مرضياً تحمل بطاقة الوطن وهي بيضاء من غير سوء، وتشهد عليك بأنك من أكثر زعماء السودان طيبةً ووفاءً لهذا البلد.
«إنا لله وإنا إليه راجعون»
والله الموفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.