ورحل حميد قبل أن يقول قصيدته الأخيرة للأم في عيدها ... رحل وفي فمه بقايا كلماتٍ مبعثرةٍ عن الأرض والزرع والضرع... رحل وفي يده عقد مع الغلابة لم يمهر بنوده المتبقية بالموافقة على المضي معاً وسط الحواشات والجروف لكنه مضى وفي شفتيه ( لما أفوتك من دون خاطر) . حميد مملكة شعرية عامية أعمدتها الأساسية الشعب السوداني البسيط الذي يحفظ حميداً عن ظهر قلب من نوري وحتى الموانئ البحرية، يبحر معه ويغني (لشعبي ومين يمنعني.. أغني لقلبي إذا لوعني) بكلمات سهلة اخترق حميد بها قلوب الكهول والشباب وحتى الأطفال يعرفون حميداً بلونه الأسمر ونظارته السميكة، ويتذكرون دمعة حرى سالت على خده عندما تحدث عن مصطفى سيدأحمد الذي ترجم لنا احساس حميد بصوته الفريد فمنح كلمات حميد حلاوة على حلاوتها ... جاء حميد تربالا يستمد كلماته من لون الخضرة في الحواشه ويغني ل ( عيشة) عندما تتمايل السنابل ملأى بالخير يتسربل بتراب جروفه ويعدّل من قامته كالنخلة المجاورة يهديها القصيد فتهديه اطيب الثمرات . جاء حميد وعفار على ( مركوبه) الذي (يشده) كلما ناداه ودعاه المنادي من الخرطوم اوكسلا أو بقعة في آخر السودان يتدثر الشعر وتضئ في طريقه ( مصابيح السماء الثامنة) ويقطرمنه ( عرق الجباه الشم) فينزل ولو كان عند( حجر الدغش) بعد ان يودع ( نورا وست الدار( و( الجابرية) . حميد يا أرضاً خصبة ستظل ثابتة حتى بعد الرحيل فحروفك نسجت وجدان الشعب السوداني ومنحته غناءً عذباً وكم كنت ياحميد تحلم بان ( ترحل هموم تنصان دموم والبال يرتاح ... ارضا سلاح) . غادرنا حميد دون ان يرى حلمه يتحقق و( يطلع صبح فجر الغلابة) .. غادرنا وفي نفسه قصائد لم تُقل بعد ... غادرنا وارث من الشعر العامي يحدث عن مسيرة شاعر أبدع في لألأ الكلم... وداعا حميد تغشاك رحمة الواحد الاحد الفرد الصمد ... وكلنا بقصائدك الخالدة ... حميد... همسة على خطى الرحيل توارى فانطفأت شموع المكان وانهمر الدمع... سيلا يميد يحكي قصة رجل اسمه.. حميد ..