أيام غزوة أم درمان وبعد استدعائه من البرلمان «الحديث مسجل»، قدم السيد وزير الدفاع بياناً ذكر فيه أنهم كانوا راصدين تحرك قوات حركة العدل والمساواة منذ أن تحركت من دارفور، وكانت الخطة أن يتم استدراجهم إلى فخ.. ولذلك سمحوا لهم بالدخول الى أم درمان ليتم القضاء عليهم في الفخ... وفى نفس البيان قال «كنا راجينهم بي هنا حدد المنطقة وجونا بي هنا حدد المنطقة». وسقطت هجليج وتقدمت قوات دولة جنوب السودان شمالاً ووزير دفاعنا أمام البرلمان قدم وعوداً وتطمينات حول استرجاعها، ولم يقدم شرحاً عن معركة هجليج ولا وصفاً عسكرياً لكيفية سيرها، ولا الأسلحة والقوات التى شاركت من الطرفين، ولا حديثاً عن غنائم أو خسائر، وواقع الحال أنه لم تقع معركة، لأن قواتنا انسحبت تكتيكياً كما قال الوزير مسار لتجميع الصفوف والاستعداد لاسترداد هجليج. كيف تسقط هجليج يا وزير الدفاع؟.. ويقول السيد وزير دفاعنا أمام البرلمان: «احتلال هجليج ضمن مخطط لإسقاط الحكومة».. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تسمح بسقوط هجليج؟ هل تريد الدفاع عن الخرطوم على تخومها؟ هل خطة السيد الوزير استدراج قوات دولة الجنوب إلى فخ، يماثل فخه فى أم درمان. هجليج مدينة استراتيجية، قريبة من الحدود مع دولة الجنوب، وتنتج أكثر من 50% من البترول «116 ألف برميل»، حسب بيانات وزارة النفط، ومنها يبدأ الخط الناقل للبترول لمصفاتي الجيلي وبورتسودان، وبذلك عسكرياً تعتبر أهم منطقة عسكرية يجب توفير الحماية لها والدفاع عنها حتى آخر جندى، وكنا نعتقد أن العقيدة العسكرية للجيش بعد الانفصال قد حددت أبجديات الاستراتيجيات العسكرية للتعامل مع دولة الجنوب، فهذه المنطقة تعرضت لهجوم قبل أسابيع حسب بيان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، ومنذ عدة أيام تحدث الناطق الرسمي للقوات المسلحة عن رصدهم لحشود عسكرية مقابلة لمنطقة هجليج، ولم تكن هنالك مفاجآت. وزير الدفاع هو المسؤول الأول عن تنفيذ القرارات العسكرية للحكومة، وواجبه الدفاع عن كل البلاد، وعليه أن يضع من الخطط والموارد ما يفى بذلك، وأنا على يقين بأن كل طلباته تتم الاستجابة لها فوراً، وأن لديه فوائض مالية ضخمة مكنته من بناء أبراج ضخمة لأفرع القوات المسلحة صممت على أشكال طائرات وسفن.. الخ. إننا ضد الحرب ، ونعتقد أن الحوار والتفاوض هو الوسيلة المناسبة لحل كل الخلافات التى تسببت فيها الحكومة بنفسها وخلقتها قبل الانفصال، فنحن سبق أن اعترضنا على إجازة قانون الاستفتاء قبل حل القضايا العالقة كالحدود والنفط والاصول والمنطقتين وأبيىّ، ولكن المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية متحالفان ضد الجميع أجازا بالأغلبية الميكانيكية قوانين الاستفتاء والمشورة الشعبية فى صفقة شملت قانون الأمن وقانون الصحافة والمطبوعات وقانون النقابات، ووقتها حذرنا من أن كل المتروك من قضايا ما بعد النفصال سيكون قنابل ملتهبة فور وقوع الانفصال، ولكن لا حياة لمن تنادي. والحكومة الآن تتهم المعارضة بأنها حليف للحركة الشعبية، وهذا باطل وغير صحيح، فالمعارضة لم تكن يوماً في حلف مع الحركة الشعبية، بل المؤتمر الوطني الذي كان، وكانوا يسمون أنفسهم بالشريكين، وقد كانا متحالفين وضد الجميع، وقد أنتج تحالفهما ذاك كل ما نعانيه الآن في الشمال والجنوب. ولا نريد التقليل من شأن السيد وزير الدفاع، فهو برتبة الفريق، وقد عمل وزيراً لشؤون القصر، ووزيراً للداخلية، ووزيراً للدفاع عدة مرات، وهو منذ عام 89م وطيلة ما يناهز الخمسة وعشرين عاماً الماضية، ظل يعمل في مواقع لها علاقة بالمسائل الأمنية والعسكرية، وأهمها وزارة الدفاع. وهذه النتائج للأعمال الدفاعية والعسكرية وآخرها ما حدث في هجليج، توحي ربما بأنه «مرهق ومتعب من العمل المضني والشاق طيلة خمسة وعشرين عاماً»، والمؤكد أن العطاء يقل كلما تقدم الشخص في السن، وهي سنة إلهية ماضية فيه وفينا، وقد آن الأوان لكي يتفرغ لكتابة مذكراته عن خمسة وعشرين عاماً إلا قليلاً، وحواء والدة.