كعادة رئيس حزب الامة وامام الانصار في طرح رؤى وافكار تخاطب المستجدات المختلفة في الساحة السياسية، قدم السيد الصادق المهدي يوم امس للصحفيين برنامج للخلاص الوطني يرتكز على نقاط محددة، ورغم ان البرنامج المطروح من حزب الامة لا يبتعد في جوهره عن مجمل ما طرح من القوى السياسية المختلفة في التعامل مع ازمات السودان المتعددة ، الا انه يؤذن بمسار جديد للعلاقات بين السيد المهدي والنظام الحاكم في البلاد. وقد بدا من تصريحات رئيس حزب الامة ، خلال منتدى الصحافة والسياسية، ان الهوة التي برزت بين الرجل والمؤتمر الوطني بفعل انتقادات الاخير لموقفه من قضية هجليج، ستأخذ في الاتساع طردا مع التقارب الواضح بين المهدي و قيادات حزبه بعد اجتماع الهيئة المركزية الاخير، وكان لافتا ايضا للحضور ان الرجل آثر ان يستبق تسبيب برنامجه الداعي للخلاص الوطني، بتوجيه نداء الى الفريق سلفاكير بان يسحب جنوده فورا من هجليج، مخاطبا رئيس دولة الجنوب بانه يمتلك رصيداً معنوياً كبيراً في السودان، وان عليه ان لا يبدده في اشياء غير محسوبة، مشيرا ان نتائج الحرب المباشرة هي الدمار. واضاف المهدي : نحن نسعى الى سلام جديد يعالج قضايا السودان كلها، والموقف في هجليج يعرقل من هذا النشاط. الأمر خطير ذهب السيد الصادق المهدي الى التأكيد بان الوضع في السودان خطير للغاية، ويتطلب اهتماما بالغا، محملا النظام الحاكم مسئولية كل ما يحدث ، ومؤكدا انه لا يمكن ان يتطلع لجدوى من استمراره، ذلك لان النظام مواجه بخمس ازمات لا يستطيع التعامل معها وتجعل من بقائه وجدواه امرا مستحيلا ، واشار المهدي ان قضايا البلاد تعقدت جدا وان اي محاولات من قبله لانقاذ السودان محتومة بالفشل. واوضح المهدي المعالم التي تؤشر على ان استمراره في الحكم مستحيلا، مشددا على ان عملية استمرار النظام في عناده سيدفع ثمنها السودان غاليا. وشرع بادية في الاجابة على السؤال المركب عنوان المنتدى بالامس « النظام الحالي ما جدوى استمراره؟ البديل القومي ما جدواه»؟ وذلك قبل ان يطرح تفاصيل مشروع حزبه للخلاص الوطني. فاشار الى ان النظام الحالي أعلن أنه جاء لانقاذ البلاد من تأزم السلطة وتمدد الحركة الشعبية، وتردي الحالة الاقتصادية ولحسم الهوية السودانية.، ورأى ان كل تيار فكروي امتطى الجواد العسكري قافزا فوق المراحل الاجتماعية حقق عكس مقاصده، مستندا في ذلك على ماكتبه الصحافي المصري جلال الحمامصي عن التجربة الناصرية، وما حكاه منيف الرزاز عن التجربة البعثية، وما عايشه الشيوعيون والاخوان المسلمون في التجربة النميرية في عهديها الاحمر والاخضر، على حد تعبيره، والتجربة «الانقاذية». لاجدوى من الاستمرار واكد المهدي ان كل المؤشرات الموضوعية في السودان تدل على ان النظام الحالي يحتضر معانيا من علل فتاكة في خمسة مواجع حساسة: في الدماغ، وفي القلب، وفي المعدة، وفي الرئة، وفي الكليتين، وانه غير قابل للاستمرار، مفصلا الازمات التي يعانيها في خمسة مجالات رأى انها في غاية الحيوية، الأول: المجال الفكري، معربا عن قناعته في هذا بان صناع الانقلاب زعزعوا النظام الديمقراطي بشعارات الشريعة السريعة، فلما آل اليهم الامر عبر الانقلاب راوغوا في بيان مقاصدهم ثم داهنوا مراعاة لمطالب الواقع مداهنة وصلت قمة في اتفاقية سلام نيفاشا. وقال ان الاتفاقية ودستورها «موزايكو» متعدد الهويات اشبه ما تكون بعبارة «سمك، لبن، تمرهندي» وقد وصفها ربانها بالدغمسة، معتبرا ان التجربة لم تحظ بوضوح الرؤية الاسلامية فانطلقت نتيجة لذلك في البلاد تيارات لملء الفراغ الفكري احدها تيار الى اليمين يقفز الى بطون الماضي ويلتمس اسلمة ماضوية حرفية، مشيرا في ذلك الى اعلان جماعة انصار السنة ان الانتخابات مفسدة، وان انتخاب امرأة او مسيحي كفر، وان الحديث عن تداول السلطة حرام، وان من يقدم عليه يعلن ضده الجهاد. وعن تنادى خمسين من العلماء للاعلان بان الحديث عن تقرير المصير حرام، والقول به كفر، وقال انه على نفس الوتيرة الاقصائية انطلق منبر السلام العادل بحماسة يحسد عليها في نهج تكفيري وتخويني عنصري، كما تناولت جبهة الدستور الاسلامي امر المصير الوطني بصورة تعود الى ربع قرن مضى دون ادنى عظة بدروس التجربة السودانية.وفي المقابل انطلقت تيارات تعلن عن ضرورة ابعاد الاسلام من الدولة والسياسة في نهج يعلن فشل التجربة الاسلامية وينادي بالعلمانية بل ويفكك العروة الوحدوية نفسها بمطالب تقرير المصير لاقاليم الوطن. وخلص امام الانصار ورئيس حزب الامة بان بلادنا من الناحية الفكرية بسبب عيوب التجربة الآيديولوجية «على شفا حفرة من مواجهات لا تبقي ولا تذر». كومبارس سياسي المجال الثاني الذي تطرق اليه المهدي لتبيان ازمات النظام كان السياسي مؤكدا ان شعارات النظام الفكرية لم تمنعه من استنساخ النظام شرق الاوسطي في الحكم وان نتيجة اتباع ذلك المنهج كانت دولة الحزب الواحد المسير على كل المفاصل بما يجعل القوى السياسية الاخرى المعترف بها شكلاً مجرد كمبارس سياسي. وان النظام شمولي في أجهزته وقوانينه ولكنه يعترف بالتعددية المدجنة. اما المجال الثالث فكان ميدان الاقتصاد والذي حمل المؤتمر الوطني كل ما اصابه ، من تشويه هيكلي وسياسات قال انها ان لم تتغير جذريا لا يرجى صلاحه. والمجال الرابع الذي حدده المهدي يتعلق بمسألة السلام وانصب حديثه في هذا على اتفاقية سلام نيفاشا التي قال انها سميت اتفاقية السلام الشامل مع انها علقت الاتفاق على ثلاث مناطق هي: ابيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق وكان بروتوكول الثروة محصورا على عائد البترول. وانه مع حساسية الموضوع لم يرد اي نص حول ما ينبغي عمله في حالة انفصال الجنوب علما بان اكثر حقول البترول في الجنوب، وخدمات تصدير البترول من معالجة، وتكرير، وترحيل، وتخزين، وشحن تقع في الشمال. كما انها سميت اتفاقية السلام اتفاقية السلام الشامل في وقت فيه الحرب دائرة في دارفور، وجعلت الاتفاقية مرجعا لمحادثات سلام دارفور دون وجه حق، فوضعت عقبة في سبيل الاستجابة لمطالب أهل دارفور. ثم خلص بعد تصويب نقده للاتفاقية الى انه لا يمكن إنهاء الحروب الحالية بالقطاعي مؤكدا ان لا بديل لمؤتمر سلام قومي يواجه كافة عيوب اتفاقيات السلام الحالية، ويبرم اتفاق سلام عادل وشامل على نحو ما يقترح حزب الأمة في مشروعه للخلاص الوطني. ومجال الحديث الخامس للمهدي عن ازمات النظام كان علاقته بالمحيط الدولي، مشيرا الى ان هناك منظومة سائدة في العالم لحقوق الانسان ابتداء من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمعاهدات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية، والمعاهدات المتعلقة بفصائل خاصة كحقوق الطفل، وعدها ملزمة للسودان كعضو في الاممالمتحدة وموقع ومصادق عليها، علاوة على القانون الدولي الانساني الخاص بحقوق الانسان اثناء الحروب بين الدول وداخل الدول والمفصلة في اتفاقيات جنيف الاربع والبروتوكولات الثلاث الملحقة بها، وهي التزامات ملزمة للسودان الذي وقع عليها، واوضح ان مخالفة هذه الالتزامات هي سبب توتر علاقة السودان الرسمي مع النظام الدولي الحالي، ومن وجوه هذا التوتر الشك المستمر فيما يفعل السودان والملاحقة الجنائية الدولية. وشدد ايضا على ان هذه الحرب الباردة مع النظام الدولي، لا يمكن وضع حد لها في اطار هياكل وسياسات النظام الحالي. خيارات مطروحة وبعد ان عدد الازمات الخمس التي يرى ان النظلم لن يستطيع التعامل معها ، اكد بانه لا جدوى لاستمرار النظام الحالي ، وان استمراره يعني باننا سنجد انفسنا نترنح من أزمة الى أزمة ما لم نقدم على اقامة نظام بديل يطبق سياسات قومية بهياكل ومنفذين قوميين. واشار الى ان مهمة هذا البديل التطرق لهذه العيوب ومعالجتها لتحقيق الخلاص الوطني. واكد المهدي ان المطلوب الآن تحديدا اتفاق قومي يؤسس لاتفاقية سلام عادل شامل ويقيم نظاماً انتقالياً ويطبق سياسات قومية ويخطط لدستور دائم يجاز بآلية ديمقراطية ويحظى بدعم دولي، وهو ما لا يتأتى عن طريق الخطوات التي اتبعتها الحكومة بتكوين حكومة عريضة لانه قد ثبت قصورها لدى الرأي العام السوداني، بل لم يكن مقنعاً حتى لصفوف المؤتمر الوطني ولم يروا فيه اي جديد كما جرى بذلك الوعد، واما اشراك بعض رموز ما تسميه ادبيات النظام الطائفية السياسية، فقد كان محبطاً لكثيرين ، لانه عرض ما كان يقال عن الطائفية السياسية الى التمحيص فاما كان باطلا، او انه كان صحيحا، وفي الحالين فان الاجراء محبط لشباب موشح بالمثالية. لكنه رأى ايضا مزالق في خيار الجبهة الثورية لتحرير السودان، والذي اعتبره « خطة للاطاحة بالخرطوم بدعم من جوبا تعذر اخفاؤه» وقال ان نتيجة هذا التوجه الراجحة هو ان تنشب الحرب بين دولتي السودان. واضاف « لا ادري باي منطق سمحت جوبا لنفسها بالتورط في هذا الموقف،لانها حتما تفقد كثيرا من اصدقائها في الشمال وفي الاسرة الدولية في هذا الموقف». الجبهة الثورية ومضى المهدي ليقول ان فصائل الجبهة الثورية تعلم ان تركيبتها تجعل الموقف منها في دارفور وفي جنوب كردفان وفي جنوب النيل الازرق وفي ابي مختلفاً عليه، حتى اذا غاب المؤتمر الوطني من المشهد وسلمت دارفور لفصائل دارفور المسلحة، وسلمت ابيي كذلك للجيش الشعبي، وسلمت جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق للجيش الشعبي قطاع الشمال، فان هذه السلطات الجديدة ستجد مقاومة من السكان الآخرين في تلك المناطق ولن يتحقق الاستقرار. ويبر المهدي ما ذهب اليه بخصوص الجبهة وخياراتها وتوقعاته بشأنها بان السودان في كل اجزائه مكن تكويناً مختلطاً، وانه مع ان ادارة البلاد الحالية موصومة بالتعدي على هذه الحقيقة فالحل ليس في تعد مضاد بل في تجاوز المتعدين الى السودان العريض الذي يرى فيه التنوع السوداني نفسه وتقتسم السلطة والثروة على اساس عادل. ولذا فان رئيس حزب الامة يؤكد ان تكوين الجبهة الثورية العسكرية حتى اذا تحلت قيادتها بالنظرة القومية سوف يجعل صعودها للسلطة بالقوة العسكرية سببا في املاء اوضاع اقصائية تروق لحملة السلاح فالحل العسكري لا يكون الا املائياً. وفي مناخ الاستقطاب مهما قالت القيادات بغير ذلك، غير انه رجح ان يكون المصير المعقول لهذا النزاع اتفاقاً سياسياً ليس بينها وبين المؤتمر الوطني ولكن بينها وبين الارادة القومية السودانية. واستطرد رئيس حزب الامة متحدثا عن قيادات الجبهة فقال انه يعرف شخصياً عددا منهم مثل مالك عقار، عبد العزيز الحلو، مني اركو مناوي، وياسر عرمان، واعتبرهم من العقلاء في السودان ويمكن ان يستجيبوا لصوت العقل والعدل. واشار ان القيادي الوحيد الذي لا يعرفه هو عبد الواحد نور، ولا يعتقد الامام انه سيعارض هذا النهج اذا توافرت الظروف لاتفاق يحقق مطالب الاقاليم المعنية المشروعة وبضمان قومي ودولي. الانتفاضة المخيفة تطرق المهدي الى واقع الاعتصامات والاضرابات والحركات المطلبية الحالية وجسارة النقد للنظام في اجهزة الاعلام، وتجاوب بعض رموز النظام مع هذا النقد، والحالة المعيشية المتدنية والمستمرة في السوء ووجود حركات شبابية متصدية، مثل قرفنا، وشباب من اجل التغيير، والشرارة، وقال ان هذا يمكن ان يقود الى ان يطفح بها الكيل وتلتهب الانتفاضة، واضاف « لاول مرة صار عدد كبير من الشبان والشابات يقولون لي نحن على استعداد للخروج للشارع حتى اذا كان في ذلك موتنا». معتبرا ان عملية بروز فشل سياسات النظام الامنية، والاقتصادية تجعل هذا الاحتمال، الانتفاضة، اكثر وروداً من اي وقت مضى. ولكنه اشار الى ان كل الانتفاضات التي أعقبت الثورة التونسية والثورة المصرية ووجهت بنظم مستعدة لقمعها والنظام السوداني ليس استثناء. مرجحا ان يشهد السودان السيناريو الليبي أو اليمني او السوري، ولم يستبعد رئيس حزب الامة تعاظم الدور الدولي في الشأن السوداني، ذلك « لان عناد الحكام في منطقتنا جعل كثيرا من الشعوب تنظر للتدخلات الدولية بعين اقل استنكاراً» و صار كثير من الوطنيين «يعتبرون حلف الناتو حليفا للشعوب مهما بدت هذه النظرة غريبة على ادبيات الوطنية». واضاف المهدي «على اية حال فان اتفاقيات جنيف الاربع وبروتوكولاتها الثلاث جعلت الاحتجاج بالسيادة الوطنية في ظروف الضحايا من المدنيين احتجاجاً بلا جدوى». خيار الأمة وبعد ان استعرض رئيس حزب الامة الخيارات المطروحة للبديل الوطني من قبل المؤتمر الوطني ممثلا في حكومته العريضة ومن المعارضة المسلحة في ادبيات الجبهة الثورية وادواتها،وخيار الانتفاضة الشعبية المحتملة قدم خيار حزب الأمة القومي المتلخص في مشروع الخلاص الوطني في السودان.وهذا المشروع المطروح على كافة الاطراف السودانية، كما اشار المهدي، يهدف الى هندسة سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل في السودان، واقامة نظام جديد يقيم دولة الوطن في مكان دولة الحزب، ويصف المهدي مشروعه المطروح بانه شامل لكافة القضايا المطروحة في الساحة السودانية وقال ان اسلوبه يقتدي بالكوديسا في جنوب افريقيا وما جرى على ايدي بينوشيه في تشيلي وخوان كارلوس في اسبانيا، والسيناريو الفنزويلي والارجنتيني اي ما سمته ميشيل باسيليه سيناريو اميركا اللاتينية.وشدد امام الانصار على ان حزب الامة سيسعى بالحجة الفكرية، وبالتعبئة السياسية وكافة وسائل الجهاد المدني بما في ذلك الاعتصامات والمسيرات لجعل هذا السيناريو ممكناً،لانه «كسبي لكل الاطراف وهو اجراء استباقي يجنب البلاد حمامات الدماء»، مطالبا الشعب السوداني بدوره بالاجماع على مفردات هذا البديل، وبان يكون مستعداً للاقدام على كل ما من شأنه ان يساهم في اقامة النظام البديل، والى ان المطلوب من الاسرة الدولية هو دعم الموقف القومي السوداني.