فيما تحتدم المعارك بين السودان وجنوب السودان على جانبي الحدود، يتصاعد القلق الدولي من ان ينزلق البلدان الى حافة الهاوية بعودة الحرب الشاملة . ويبرز اللاعبان الدوليان الولاياتالمتحدة الاميركية والصين كابرز دولتين لهما مصالح كبيرة في السودانين لا سيما النفط، وهذه المصالح تدفعهما لان يفعلا ما بوسعهما لاثناء الاطراف عن التصعيد الذي ستكون له انعكاسات خطيرة على الوضع في المنطقة. وتناولت الصحافة العالمية ما يدور بالسودان على انه ينذر بالخطر الشديد ويقوض ربما استقرار المنطقة برمتها والتي هي بالاصل عانت ومازال بعضها يعاني من ويلات الحروب. ودعت مجلة تايم الأميركية الى ما وصفتها بالحاجة الملحة للتعاون والتنسيق الأميركي الصيني، ولبذل الجهود لايجاد حل للأزمة المتفاقمة بين السودان وجنوب السودان، وذلك مخافة انزلاق البلدين الى أتون حرب طاحنة، ولأن للأزمة تداعيات سلبية على مصالح بكينوواشنطن على حد سواء. وأشارت الى أن نطاق مصالح الصين بالمنطقة آخذ في الاتساع، وأن بكين سبق لها أن دافعت عن شريكها التجاري بالخرطوم العام الماضي، وذلك قبل استقلال جنوب السودان، أي عندما كان يواجه ضغوطا دولية من أجل تقديم تنازلات من أجل السلام وضمان حقوق الانسان، وهذا النفوذ الصيني ربما اخذ في التزايد، بعدما اعلن عن زيارة للرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت الى الصين الاسبوع المقبل تستغرق خمسة ايام. وتعود تايم وتقول ان السودان وجنوب السودان أحوج ما يكونان الى اتفاق سلام يكون من شأنه حل المشاكل بين الطرفين. و اعتبرت المجلة انه ينبغي على الصين أن تتعامل مع كلا البلدين، من أجل ضمان استمرار أرباحها من استثماراتها المقدرة بعشرين مليار دولار في قطاع النفط، مضيفة أن السلام يصب في المصلحة الوطنية للصين بحسب وصفها. وأوضحت أن اغلاق جوبا أنابيب النفط من شأنه التأثير في أسعار الغاز لدى الولاياتالمتحدة، مشيرة الى تصريحات بهذا الشأن تعود للرئيس الأميركي باراك أوباما والسناتور ريتشارد لوغار. وأشارت الى أن الصين كانت تعتمد في 6% من وارداتها النفطية اليومية على السودان وجنوب السودان، ولكنه بات يتوجب على بكين اللجوء الى الأسواق العالمية لتأمين هذا النقص، مضيفة أن اعادة النفط السوداني الى السوق بات ضرورة ملحة، خاصة في ظل جهود تبذلها واشنطن لفرض المزيد من العقوبات على الصادرات النفطية الايرانية. وقالت ان السلام بالمنطقة السودانية يعتبر أمرا ضروريا للمصالح الوطنية الأميركية ومصالح مستوردي النفط الرئيسيين الآخرين، من أجل منع تضخم الأسعار والتهابها كما تقول. غير ان البعض يرجح ان المصالح المزدوجة الاميريكة الصينية في السودان قد تؤثر على مسار الأزمة وربما الايعاز للاطراف بتجاوز فكرة الحرب والجلوس سويا لتسوية الأزمة، حيث ان خطر الحرب الشاملة يهدد بتدمير البنية التحتية للنفط في البلدين، وهذا ما له انعكاسات خطيرة في اقتصاد البلدين اللذين هما اصلا يعيشان أزمة اقتصادية خانقة. ويغطي النفط السوداني 6 في المائة من استهلاك الصين، فضلا عن شركاتها التي تستثمر في السودان، فيما تعتبر الولاياتالمتحدة من اللاعبين الرئيسيين المساهمين في توقيع اتفاق السلام الشامل بين الخرطوموجوبا الموقع في 9 يناير 2005، وتعتبر بحسب البعض راعية للدولة الوليدة التي تفتقر للبنية التحتية ولمرفقي الصحة والتعليم وغيرها من الاشياء الضرورية للدول. ولغة المصالح بعيدا عن فرقعة السلاح، هي ذات المبررات التي تزيد من الامال بوضع الحرب لاوزارها، لكن العداء المستحكمة حلقاته حاليا بين العاصمتين الخرطوموجوبا قد لا يتيح الفرصة للغة المصالح، وانما قد تكون لغته الوحيدة هي لغة السلاح غض النظر عن زيارة سلفا المزمعة الى الصين وما قد يحاول الصينيون افهامه له، في الوقت نفسه ما قد تقنع به بكينالخرطوم لوضع حد للحرب. فالمعروف ان الخرطوم تتهم واشنطن بالمحاباة والانحياز الى طرف جوبا، رغم تقديم الاخيرة لتنازلات في تحقيق السلام وانجازها لاستفتاء الجنوب في ظروف وصفت بالمواتية، لكن الوعود الاميركية والغربية لم تتحقق ولم ترفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للارهاب، بينما محاباة اميركا كانت في رفع العقوبات الاقتصادية من دولة جنوب السودان بعد فترة وجيزة من استقلالها. وللجنوب ايضا تحفظات سابقة على حليفة الخرطوم الصين في ما يتعلق بشركاتها والعقود الموقعة مع الخرطوم، الا انه بعد انفصال الجنوب اتفق الجانبان الجنوبي والصيني على استمرار الصين في عملها بالجنوب، وما قد توحي به زيارة كير الى الصين بان العلاقة الصينية الجنوبية تشهد منعطفا جديدا، اذ ستكون الزيارة الاولى لرئيس جنوبي اليها، وهو الامر الذي قد يكون ضد مصالح الخرطوم بحسبان المورد النفطي الجنوبي الاكثر منه في الشمال. مخرجات زيارة سلفا كير الى بكين، هي على حسب رأي البعض تقديم ضمانات لجوبا تتعلق بتنمية زراعية وحضرية ومشروعات تنموية، تساهم في مد الدولة الجديدة بمشاريع تساعد على الحياة، واقناع الخرطوم ربما لقبول التفاوض مستقبلا مع الجنوب. والصين تدرك ابعاد الصراع الدائر في ارض السودان واهمية المصالح الصينية في المنطقة، وتعلم ان هذه المنطقة ان هي خرجت من كيكتها فهذا يعني خسارة استراتيجية لها، خاصة وان اللاعب الاميركي بدأ في التغلغل جنوبا ولديه من كروت الضغط ولغة المصالح ربما اكثر مما تملكه بكين. وليس بخاف ان القوتين الكبيرتين تصطرعان من اجل تحقيق مصالحهما على امتداد افريقيا، ولم شمل السودانيين سلما ربما سيكون هو السبيل الوحيد لانفاذ تلك المصالح المعلنة والتي تبعث على ان ما تقوم به الدولتان والدعوة لتنسيق الجهود، ليس سوى طريق واحد يقود الى ردم هوة الانفصام، واسكات صوت المدفع على جانبي الحدود بين الدولتين. وربما يقود تدافع القوى العظمى نحو تحقيق تقدم في الملفات العالقة بين البلدين الجارين فضلا عن ايقاف سعير الحرب الى نتائج رغم ما يراه محللون من ان الخرطوموجوبا لن تعودا الى مائدة المفاوضات قريبا مهما تزايدت الضغوط الخارجية بالرغم من مكابدتهما ظروفا اقتصادية قاسية، اذ تعتبر المعركة في كلا البلدين معركة كرامة، ولا ينتظر كثيرون في البلدين الا حسما عسكريا، فالرأي العام غاضب شمالا وجنوبا ويريد الحسم، رغم ان الحرب التي استمرت لاكثر من 22 عاما لم تحسم بآلة الحرب.