طوال فترة الصراع بين السودان ودولة جنوب السودان وخلال التطورات المتصاعدة للأزمة بين جوباوالخرطوم و التي انتهت الى احتلال جيش الدولة الوليدة لمنطقة هجليج الغنية بالنفط ، وبرغم ما ترتب على ذلك من اجواء تلقي حتى الان بظلال سالبة على علاقة البلدين، ظلت دولة الصين الشعبية بعيدة عن مسارح الصراع بين الجارين ،ولم تتدخل بصورة مباشرة بينهما رغم انها تعد المتضرر الثالث من اندلاع القتال بين دولتي السودان بانقسام مصالحها الاقتصادية «النفطية» بين جغرافيا الشمال والجنوب عقب الانفصال. ويبدو ان الصين قد اضطرت اخيرا للتقدم خطوة وتركت موقع المتفرج بعد ان اصبحت استثماراتها عرضة لعواصف الحرب، فقد واجهت منشآتها النفطية في هجليج تخريبا وتدميرا، اذ تدخل الآن طرف بارز ولاعب جديد فى سيناريوهات الحلول المطروحة بين السودان ودولة الجنوب. ويراهن كثير من المراقبين على نجاح الدور الصينى فى طى ملف الأزمة بين البلدين ووضع حد للقضايا العالقة والتي اهمها «قضية النفط» والتى يترتب عليها استقرار الأوضاع الأمنية بحسم ملف الحدود، ولكن هناك اسئلة تطرح نفسها تتعلق بمقدرة الصين على لعب هذا الدور الحساس وماهى مفاتيح الحلول والضغوط التى تمتلكها للتأثير على الدولتين،وهل يعمل الدور الصينى منفرداً ام بالتنسيق مع أمريكا صاحبة التأثير الأقوى على دولة الجنوب. وليس بعيدا عن تلك التقاطعات ما كشفته عدد من التقارير والدراسات الدولية عن رغبة واشنطن فى ابعاد الشركات الصينية عن الجنوب، واحلال شركات أمريكية مكانها وهو ما يدعم من وجود «حرب باردة» وصراع خفى بين الصين والولاياتالمتحدة مسرحه دولتي السودان، خاصة وان واشنطون لم تنس يوما أن النفط الذي تستفيد منه الشركات الصينية اليوم هو فى الأصل من اكتشافات شركة شيفرون الامريكية، ويبقى السؤال الاهم هو هل ينجح الدور الصينى فى حل الأزمة بين السودان ودولة جنوب السودان، ام لا؟. فى محاولة للاجابة على ذلك يقول المحلل الاقتصادى الدكتور محمد الناير ل «الصحافة» ان ظهور الصين فى الصورة قد يقرب بين الخرطوموجوبا، الا انه يرهن نجاح مجهوداتها بالاتفاق على الجوانب الأمنية والحدودية، لان حقول النفط تقع فى المناطق الحدودية بين البلدين فى المنطقة الشمالية لدولة جنوب السودان والحدود الجنوبية للسودان، واوضح النائر ان دولة الصين معروفة بعدم تدخلها فى الشئون الداخلية للبلدان وهو ما خلق لها فرص نجاح كبيرة فى أفريقيا والدول العربية، وأشار الناير الى ان الصين تدرك رغم الاضرار التي تعرضت لها بعد تدهور الأوضاع بين دولتي السودان، الابعاد الحقيقية لتدخلها هذه المرة فى شئون دولة جنوب السودان، وانها تستند في ذلك على تلقيها الضوء الأخضر من الدولة الوليدة وذلك بذهاب رئيس حكومة جنوب السودان نفسه الى الصين وطلبه منها التدخل والتوسط لحسم الخلافات مع السودان وانقاذ ما يمكن انقاذه الى جانب تفعيل الجوانب الاقتصادية، وقال النائر ان هذه الزيارة رفعت عن بكين حواجز الحساسية السياسية، واتاحت لها التدخل فى الجنوب، واضاف ان هذا الى جانب علاقاتها الاستراتيجية مع السودان سيسمح لها بلعب دور مشترك لوضع نهاية مناسبة للخلافات بين البلدين وتحقيق المصالح الثلاثية المشتركة، ولكن الناير يعود ويقول « لكن على حكومة السودان اقناع الصين بحسم الملفات الأمنية اولاً، لانه فى ظل تدهور الأوضاع الأمنية لن تكون هناك اى استثمارات»، وأشار الى ان محاولة لعرقلة الدور الصينى من قبل الولاياتالمتحدة، سيحمل خزينة واشنطون مبلغ سبعة مليارات دولار فى العام لمقابلة احتياجات الدولة الوليدة والتى ستلجأ الى كل من يمد لها يد العون، خاصة الصين التى ترتبط معها بعقود فى مجال البترول ما سيقلص حتما التأثيرات الأمريكية على جوبا. ويشير الناير من جهة اخرى الى ان العقود الموقعة بين الصين والسودان قبل انفصال الجنوب ملزمة للدولة الوليدة كما تنص المواثيق الدولية وانها ستظل نافذة رغم انفصال الدولتين، ولكن بعد انتهاء فترة العقود يحق لدولة الجنوب ادارة مصالحها مع من تشاء بطرد الوجود الصينى او التمديد له، واضاف « لكن في الفترة الحالية تبقى الصين دولة مؤثرة فى اقتصاد الدولة الوليدة»، واوضح ان الصين تمتلك عددا من مفاتيح الحلول فى انهاء الصراع بين دولتي السودان خاصة فى قضية النفط التى ترتبط بالملفات الأخرى، وقال من ضمن الخيارات المطروحة شراء الشركات الصينية لنفط الجنوب من الآبار وتركها لوحدها فى التفاوض مع الحكومة السودانية فى رسوم النقل والتصدير. ويرى مراقبون ان امريكا تحتاج الى التنسيق مع الصين لحل الأزمة بين البلدين لأنها ايضا من المتضررين من استمرار النزاع بين دولتي السودان، ومايؤكد ذلك دعوة مجلة «التايم الأميركية « الى ما وصفتها بالحاجة الملحة للتعاون والتنسيق الأميركي الصيني، وبذل الجهود لايجاد حل للأزمة المتفاقمة بين السودان وجنوب السودان، لأن للأزمة تداعيات سلبية على مصالح بكينوواشنطن على حد سواء، وأشارت المجلة الى أن نطاق مصالح الصين بالمنطقة آخذ في الاتساع، وأن بكين سبق لها أن دافعت عن شريكها التجاري بالخرطوم فى العام الماضي، عندما كان يواجه ضغوطا دولية من أجل تقديم تنازلات من أجل السلام وضمان حقوق الانسان، وبما أن معظم حقول النفط تتركز في جنوب السودان، فتقول تايم انه ينبغي على الصين أن تتعامل مع كلا البلدين، من أجل ضمان استمرار أرباحها من استثماراتها المقدرة بعشرين مليار دولار في قطاع النفط، وأوضحت أن اغلاق جوبا أنابيب النفط من شأنه التأثير في أسعار الغاز لدى الولاياتالمتحدة، وأشارت الى أن الصين كانت تعتمد في 6% من وارداتها النفطية اليومية على السودان وجنوب السودان. السفير محمد أحمد عبد الغفار ينطلق فى تحليله من ان امريكا كانت تلعب دوراً ما فى كواليس ماحدث فى هجليج، ولا يرى ان هذا الدور بعيد عن مخاوفها من تزايد النفوز الصينى فى افريقيا بشكل عام وفى البلدين بشكل خاص، مشيراً الى ان ادوار الصين قد بدأت تظهر الى السطح منذ اغلاق دولة الجنوب لآبار البترول، ذلك لأن الصين تدرك مصالحها تماماً وتعرف كيفية ادارتها ، واشار الى موقف السفير الصينى فى البلاد الذى وصف اغلاق نفط الجنوب بالخطوة غير الموفقة، واضاف السفير عبدالغفار في حديثه ل الصحافة «:نعم الوضع يؤثر على عدد من الأطراف الدولية الا ان الصين هى المتأثر الأول أكثر من الولاياتالمتحدةالامريكية والدول الأوربية من الصراع بين دولتي السودان»، متوقعاً نجاح الدور الصينى فى ادارة الأزمة بين البلدين، مشيراً الى ان زيارة سلفاكير لبكين كان من اهدافها الوصول الى حل وتسوية القضايا العالقة بين الخرطوموجوبا، واوضح ان رئيس دولة الجنوب حاول استمالة الجانب الصينى الى جانبه، وابان ان الحكومة الصينية تتعامل بعقل مفتوح ولن تكون متحيزة الى اى من الأطراف لأنها دائما ماتفعل الصواب فى تقديرها للمواقف، ونوه عبدالغفار الى الصراع الذى بدا واضحاً للعيان بين الشركات الصينية من جهة والأمريكية والغربية من جهه أخرى، وقال ان الغرب كان ينتظر انفصال الجنوب لتحجيم الدور الصينى فى المنطقة، واشار عبدالغفار الى ان الهجوم على هجليج لم يكن صدفة او خطوة منفردة من حكومة الجنوب لأن توقيته جاء ليستبق انتهاء فترة رئاسة امريكا لمجلس الأمن، وهو مايعنى ان هناك تنسيقا بين جوبا وواشنطون من اجل تصعيد الخلافات بين البلدين وتفجير الأوضاع بغية احالة الملف الى مجلس الأمن ليتم التعامل معه ضمن الفصل السابع واختطاف دور الاتحاد الأفريقى فى الوساطة بين البلدين، وهذا التوجه الامريكي قد يضع العراقيل امام بكين للوصول بالبلدين واستثماراتهما الى مرافئ الحلول .