«شعار الحرب هو: فليبقَ الأقوياء وليمت الضعفاء أما شعار السلم فهو: فليساعد الأقوياء الضعفاء على البقاء» فرانكلين - د. روزفلت 1936 (1) ليس ما يحدث في بلادنا (هجنة)، كما يريد أن يصور كثير من الذين تصدوا للكتابة عن احتلال (هجليج). وتداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية - سيناريو (هجليج) - ظاهرة طبيعية ضمن حركة التاريخ وهي تدور في سياق المقدمات التي تؤدي للنتائج، مما يقبل العقل ويفسر ويفند وينطلق: ٭ حين وحد (محمد علي باشا) السودان في اعقاب عام 1821، كانت الدولة الوليدة مصنوعة، اما سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً. ٭ لم يحل تفاعل (الرقعة) منذ تلك البداية وإلى اندلاع الثورة المهدية من عوامل موضوعية للوحدة السياسية الفعلية بل ان مشروعية الثورة تجاوزت كل أسباب (التناقض) والخلاف الجهوي والعرقي والديني تشكل عنواناً لدولة جديدة، ذات سيادة نظيفة. ٭ هزت دولة المهدية بمعيارها الديني وعقيدتها المقاتلة أركان النظام الدولي آنذاك والذي قادته (بريطانيا العظمى) فكان الاعداد الاعلامي والترصد السياسي وتهيئة المسرح العسكري - وتبدأ السودان - بعد معركة كرري في 2 سبتمبر 1898 مشواراً جديداً، شكلته اتفاق يناير 1899 وملحقها في يوليو 1899 - وتحاول النصوص أن تزرع في ترسيم حدوده، ألغاماً وألغاماً. ٭ كان (الجنوب) بصفة اساسية أحد أهم هواجس استراتيجية (بريطانيا) في المنطقة في ظل الظروف المحلية والاقليمية والدولية آنذاك (أهو دولة مستقلة - أهو في اطار شرق افريقيا - أم هو جزء من سودان الشمال) - ولم تخرج من تلك الهواجس والهموم مناطق: - جنوب النيل الأزرق - دارفور - جنوب كردفان وسجلت الادارة البريطانية - من خلال دراسات كبار موظفيها - ممَّن تعرفوا إلى السودان الكثير من المؤشرات ذات الأثر والنفوذ فيما بعد في مكونات السودان العرقية والثقافية والاقتصادية (راجع الدراسات التي وردت في مجلة «السودان في رسائل ومدونات» SUDAN NOTES & RECORD. ٭ كان للنخب - وهي طلائع تلك الجماعات، سواء بوعي ذاتي أو تحت نفوذ خارجي - الدور المحوري في تفجير السؤال الداوي: من نحن في مواجهة الآخر؟! وكان «النخب» في كل الأحوال قوى المحيط فيما سمى فيما بعد بالهامش - أما الآخر - فكان المركز وهو (النيلي) - فيما بعد و(الجلابي) في حين آخر. وفي وصف آخر (العروبي الاسلامي) وما خرج الصراع في كل أحواله ودرجاته ومسمياته عن (صراع السلطة والثروة) سواء شكل السلطة نظام ديمقراطي أو شكلته الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية وما لازمها من حكومات انتقالية ولم يكن (المركز) في رؤاه آنذاك بعيداً عن ارتكاب الأخطاء وعن نزاعها فيما بعد لتشكل قدراً من (الاحتقان). (2) ٭ باسم كل ذلك، ونتيجة لتراكم الوعي الذاتي وباقبال للاستقواء بالنفوذ الأجنبي (مادي) أو (معنوي) تحركت بدايات الرفض لتشكل في (الجنوب) أهم محاور تطور البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري ومواجهات توريت العسكرية 18 أغسطس 1955 وما أعقبها من معارضة مسلحة وسياسة واسعة (يوغندا وكينيا وأوربا) وما انتهت إليه محلياً بثورة 1964 وما تلاها من مؤتمر المائدة المستديرة مارس 1965 وما أعقبها ذلك من صراعات أدت إلى انقلاب 1969 الذي أعلن الحكم الذاتي الاقليمي وانتهى إلى اتفاقية أديس أبابا 1972. ٭ قرار تقسيم الجنوب 16 مايو 1983 وما ترتب عليه من صراعات وإلى تجديد حركة المعارضة الجنوبية وما شكل فيما بعد (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بذراعها العسكري وما ترتب عليه من نتائج سياسية وعسكرية وانتهت بعد الصراع الدامي الذي قادته الانقاذ إلى اتفاقية نيفاشا 2005 ذات النفوذ الدولي الراجح التي ترجمها دستور 2005 الانتقالي بمعتقداته وتداعياته الجوهرية في: ٭ شكل الدولة ٭ نظام الحكم ٭ التدابير الأمنية والعسكرية ٭ حق تقرير المصير لجنوب السودان (9 يناير 2011 الاستفتاء - 9 يوليو 2011 الانفصال). ٭ حق تقرير المصير (لأبيي). ٭ حق المشورة الشعبية لجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. ٭ اتفاقية أبوجا 2006 ٭ اتفاقية أديس أبابا 2006 ٭ اتفاقية الدوحة 2011 ٭ لم يكن غريباً (اطلاقاً) أن يختار أهل الجنوب وذلك حقهم (الطبيعي) الانفصال ولتعلن الدولة الجديدة اسمها (دولة جنوب السودان) ولتحتفظ بتنظيمها السياسي بذات اسم (الحركة الشعبية لتحرير السودان).. ولم يكن غريباً وللاتفاقية حيثياتها في تكريس مفهوم دويلات في داخل الدولة الواحدة. ان تمد (سلطة الحركة الوليدة) ربما تملك من دعم عسكري وسياسي واضح للعيان في (شكل حلف) أنيابها الواغلة في الدم لكل حدودها مع الدولة الأم دون مراعاة لأي قيم أخلاقية أو شرائع قانونية أو يحفظ لجميل.. يمكن أن يكون قد قدمه الشمال. ربما انقذها كثير من العطف.. وقد فقدت (سلطة الحركة) بتهورها كل عطف كانت قد كسبته من المنظمات الدولية والاقليمية. ٭ (للجنوب) كما (لجنوب كردفان) و(النيل الأزرق) نفوذ لا ينكر في مسار النقد السياسي فثورتا شعب السودان في عام 1964 وانقلاب مايو 1969 و1985، لم تكن بعيدة - ان لم تكونا الأثر المباشر (لسياسات المركز) تجاه (الجنوب) وانعكاساتها على القوى السياسية المحلية والاقليمية والدولية (حكومات ومنظمات)، كما أنه قد وضح جلياً الأثر المباشر لانفصال الجنوب بقدراته البترولية على اقتصاد الشمال وهذا الأثر الواضح لم يكن على الاطلاق بعيداً عن (سياسة حرق الأرض) التي مارسها الجيش الشعبي في (هجليج) حين دمر المنشآت والبنى الأساسية.. فقد كان هدف الاجتياح اقتصادياً في العام الأول - هو هدف يخدم - بصورة مباشرة المصلحة الاساسية لدولة الجنوب في زعزعة النظام السياسي وتهيئة المسرح لانهائه شعبياً واقتصادياً مما تعمل له حلف (كاودا). (3) دولة جنوب السودان هي الدولة رقم 193 ويعني اعلانها كذلك مشاركة في صناعة القرار الدولي والاقليمي السياسي والعسكري والاقتصادي ويعني بالضرورة دخولها في محور تحقيق المصالح سواء لنفسها بنفسها أو لغيرها بالوكالة وللأخيرة ثمن باهظ - هو وقوعها - في نفوذ حبائل النظام الدولي أو وكلائه في المنطقة (يوغندا - اسرائيل) أو زي دول أخرى تفرض عليها واقعها الامتثال لذلك وتبدو القراءة الأولى لواقع (سلطة الحركة) في توجيه عدد من الأسئلة: - مدى النضوج السياسي - في القدرة على ادارة الدولة - المفهوم العلمي والعملي. - مدى امتلاك هذه الدولة لمقومات الاستمرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ظل وجود كل أسباب ومظاهر الدولة الفاشلة. - الاقتصاد المهدد - وغياب مؤشرات النجاح السياسية. - وجود المعارضة الناضجة باتجاه الفهم الصحيح لادارة الدولة. - الصراع القبلي الحاد (دينكا - نوير - شلك - زاندي...). - الصراع العسكري الحاد (الاستقطاب القبلي والجهوي والمصلحي). - الفساد الذي يشكل أمراً عادياً. - غياب المرجعية المؤسسية. - توجيه كل الأموال إلى المشتريات العسكرية Militarization - العزلة الدولية كما أوضحتها الادانات القوية لاحتلال (هجليج). ان ما تعانيه (سلطة الحركة الوليدة) من أزمة حكم واضحة هي السبب المباشر في اتخاذ (قرار اجتياح هجليج) دون منطق سياسي أو حجج قانونية تسنده وهو في التحليل النهائي (مغامرة) تفتقد المرجعية المؤسسية وهو - سياسياً - بداية (الزهايمر المبكر). ان هذا (الاجتياح) لن يتوقف في هجليج فقط - ففي حالة اليأس - يزداد الاحساس بضرورة المزيد من المواجهات سواء في المحيط (جنوب كردفان أو النيل الأزرق أو دارفور أو ربما الخرطوم) ويبدو أن (سلطة الحركة) بعيدة تماماً عن معرفة صورتها لدى الآخر أو لعلها في حالة خطأ قاتل.. بحدود معرفتها لنفسها.. وهو من أبجديات علم العلاقات الدولية!! ان طاقم صناعة القرار السياسي والعسكري في (حكومة الحركة) يراهن على (الضربة الخاطفة) ونتائجها الاقتصادية والسياسية ولعل مما يساعدهم على ذلك (معرفة قريبة) بطريقة تفكير أهل الشمال - (سلطة ومعارضة) في موسمية الصراع واختفائياته وهي نقطة تحسب للأسف لصالح (سلطة الحركة).. فمازال النسيان والتراجع والتراخي.. سمة في مكوناتنا العقلية والوجدانية.. ويبدو أنهم (الحوار الفات شيخو). (4) يطرح سيناريو (الأحداث) في هجليج وما بعد استعادتها عدداً من التساؤلات والتصورات والفرضيات. ٭ مدى قدرة أي من الدولتين على الانتصار في الصراع - والاجابة وبلا تردد - أن (السودان) بما يملك من ارث تاريخي وعراقة هو صاحب الفرصة الطبيعية في الانتصار السياسي والعسكري والاقتصادي.. والسؤال الذي يتداعى - من تلك الفرضية.. إذن كيف حدث (الاجتياح). ٭ تؤكد الواقع - على سمة تاريخية وأخلاقية - (لأهل السودان) - فقد تم التسامي - على الأغلب - على كل نزاعات المصالح الضيقة وبدأت هجليج - مدخلاً موضوعياً لحوار جاد باتجاه الوحدة الوطنية الشامل: - من ضد من؟!.. لماذا وكيف - ما هو المضمون والجوهر والوسائل. - حدود (الفكرة المرجعية) هل تحارب الأفكار الأخرى أم تتكامل معها. - ما هي الدروس المستفادة - عقلاً - من واقعنا السياسي من 1956.. وواقعنا التاريخي منذ بدايات نشأة الدولة السودانية. - هل تعبر القوى السياسية - بكل أنواعها ودرجاتها - عن واقع القوى الاجتماعية.. أين يذهب الفاقد.. بين القوى السياسية والقوى الاجتماعية. - لماذا لا تنظر الحكومة وبصورة جادة في اعادة النظر في كثير من مؤسسات الدولة وأجهزتها ومن يشغلون مفاصلها بحسبات موضوعية بعيدة عن التوازنات «قريبة من الوعي والضمير». ٭ ان السياسة الخارجية للسودان - مطالبة بالتوقف ملياً - فيما تطرحه الساحة من مستجدات والاستفادة بوعي ومسؤولية من الادانات التي تم توجيهها لدولة جنوب السودان بسبب (الغزو الماثل).. «اقرأ في نهاية المقال.. الملاحظات. - ان (النخب) المستقلة، مطالبة اليوم ودون تأخير بالنظر من خلال اجتماع نوعي لدراسة كل الاحتمالات الممكنة وحساب الظاهرة بالتحليل العلمي واستخلاص النتاج المحتملة والحلول اللازمة بكل خياراتها الممكنة وأن يكون المدخل الأساسي لذلك.. هو تفويت الفرصة على كل مخططات انهيار الوطن... فانهياره يعني صومال آخر ويعني عراق آخر.. ويعني بالضرورة أنهار من الدم.. بسبب تصفية الحسابات.. والانفعالات غير المسؤولة. - ان البداية الأصح هي التأكيد على (الدستور) كمرجعية مثلى لعلاقات الحاكم بالمحكوم من ناحية وعلاقات الأفراد بعضهم البعض من ناحية أخرى.. (بيئة يحكمها القانون بسيادته ويصونها القضاء).. والقانون هو الضابط بين فرقاء السياسة باختلاف انتماءاتهم وعقائدهم. ٭ تجاوز موروثاتنا من الركود الحضاري إلى آفاق من الفكر الرصين ابتعاداً عن احتكار المعرفة.. وصولاً إلى حجة العقل الخلاقة.. وباعتراف صريح وشجاع.. بالأخطاء والعمل على تفاديها.. بالعلاج الصحيح.. والمساءلة العادلة.. وجرد الحساب.. ملاحظات جديرة بالتوقف الملاحظة الأولى أورد الأستاذ السر سيد أحمد في مقاله الأسبوعي بجريدة (السوداني) الصادرة بتاريخ الأربعاء 18 ابريل 2012 تحت عنوان فرصة هجليج ما يلي: «في الحادي عشر من هذا الشهر شهد الايجاز الصحفي اليومي في وزارة الخارجية الامريكية تبادلاً في الأسئلة والأجوبة بين «فيكتوريا لولاند» المتحدثة الرسمية باسم الخارجية وأحد الصحافيين فيما تعلق بالسودان: - سؤال: أنتم تتحدثون عن ادانة الجيش الشعبي اليوم - فيكتوريا: نعم - سؤال: وهذا أمر غير معهود - فيكتوريا: نعم - سؤال: هل اكتشفت الولاياتالمتحدة خطأ مساندتها المتواصلة للجيش الشعبي وجنوب السودان لسنوات عديدة واتضح أنه لا يمكن الوثوق بهم للالتزام بالاتفاقيات المبرمة»أ.ه هل تلتقط الأجهزة المختصة.. بالعلاقات الخارجية.. هذا الخيط لتطوره الملاحظة الثانية يداهمني شعور طاغ - بأن تعيد المطالبة بانسحاب قوات الغزو من هجليج - يهين تاريخي - الأصح عندي هو ما ردده قبل ذلك الرئيس المصري في حرب 1967 مع اسرائيل: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.. والدرس متاح تماماً.