(إن الدولة الحديثة في عالمنا المعاصر هي دولة المؤسسات والأفراد التي يشارك فيها الجميع في ظل سيادة القانون بحيث تكون العلاقة بين الأفراد والمؤسسات في ناحية، وعلاقتهم بالحاكم في ناحية أخرى في بيئة يحكمها القانون ويصونها القضاء). د.اسماعيل سراج الدين المشروع الحضاري العربي ص 19 (1) للسودان في تطوره المعاصر، (إشكالات) كثيرة: (معقدة) و(متشابكة)، وهو يعاني، من جراح (مشكلته الاساسية) والتي بدأت منذ اعلان صناعته في عام 1821، للدولة في (علم الدستور) مقومات جوهرية هي شعب وأرض وسلطة سياسية وسيادة وفي كل من تلك المقومات (جينات الصراع) و(التآكل)، احترابا في داخلها او بسبب (الصراع الخارجي) ولكن ذلك لا ينفي (امكان الازدهار والنهضة) متى (توفر الاستقرار) و(تحققت التنمية)، ولم يكن واقع البلاد في صالح هذه الأخيرة مطلقاً، فقد شهدت الرقعة ٭ (دولة السلطنة الزرقاء) اذ على الرغم من حضورها التاريخي على مدى قرون ثلاثة (1504/ 1821) الا ان صراع قادتها قد روى أرضها عبر (سنار) و(قري) بدماء المواجهات بما فاق المعقول، ولم تخل (دارفور) أو (المسبعات) أو (تقلي) من ذات الوصف ولكن زمان تلك السلطنة أكد على حضور: - (الدين الإسلامي) على صراع خافت بين العلماء والاولياء. - (القبلية) كسلطة اجتماعية ذات نفوذ سياسي نسبي. - (لا مركزية السلطة السياسية) على تحالفات قبلية. ٭ (حضور أجنبي (1821/ 1885) استهدف (الاستقواء الاستراتيجي) بالأرض والرجال والمال لبناء امبراطورية واسعة على رأسها (محمد علي باشا) وكان حضوراً مقيتاً قام على (الاستبداد) و(الاستهانة) بمقومات أهل(الرقعة)، وتمادى (فساداً وافساداً) فاختلت معادلة استمراره لتنفجر (الثورة المهدية الإسلامية). ٭ لم يتح لثورة أهل السودان( 1881 1898م) ان تهدأ فقد ظلت في حالة استعداد عسكري عال وظلت ومنذ بداياتها الى لحظات ضربها الغاشم في (كرري) 2/ سبتمبر 1898 تشكل في حركة التطور السياسي السوداني. - (موقفاً اخلاقياً وعسكرياً) في فكرة (الاستعمار)، كما مثلها (الاتراك) في البلاد رغم كونهم من (ملة الإسلام) من جانب ومن الجانب الآخر قدمت نفسها جديداً إسلامياً وجد القبول والمعارضة. - هددت تلك (الثورة) بابعادها الاقليمية (النظام الاستعماري) الصارم آنذاك، و(بريطانيا) على وجه التحديد فعملت على (اسقاطها) واستئصالها بالتحالف مع كثير من الدول الأوربية. - لم يخل (سودان الداخل) من صراعات السلطة وتصفية حساباتها والتناحر القبلي مما أدى الى ضعف واضح في (خباء الوحدة الوطنية) وكان مما أدى الى ذلك (الاستقطاب الحاد) في مسيرة السلطة المهدية. ٭ كانت (اتفاقية 19 يناير 1899م) بين (مصر الخديوية) و(بريطانيا العظمى) بداية لما سمي (بالحكم الثنائي)، والذي سيطرت عليه (بريطانيا) فيما بعد وكانت سياسة ذلك الحكم العامة هي العمل على (تغيير المجتمع الذي صنع ثورة المهدي) وبناء مجتمع جديد من خلال (العمل الاداري) و(التعليمي) و(القانوني) فكانت (كلية غردون التذكارية) و(كانت سياسة الحكم غير المباشر) وكانت (البرنيطة) و(ثقافة شرب الشاي) عصراً، ولبس الشورت ولعب كرة التنس، ولم تقصر (مصر) بدورها في (دور ثقافتها) فكان (الطربوش) وكان (التعليم المصري)، وكانت (وحدة وادي النيل). وكان (سعد زغلول) و(الوفد) و(كانت السينما المصرية)، وكانت (القاهرة)، كما كانت (لندن) قبلتين ثقافيتين، من (نخب أهل السودان). وهي ذات (النخب) التي شكلت فيما بعد قادة الفكر السياسي والرأي الاجتماعي والبناء الصفوي الاقتصادي. ٭ وباسم هذه الاتفاقية ضربت (ثورة ود حبوبة). ٭ واعدم ابناء المهدي في (الشكابة). ٭ واعدم (السلطان عجبنا) في (جبال النوبة). ٭ واغتيل (السلطان علي دينار) في فجر 6 نوفمبر 1916م ودفن في قرية (جيبا) وفي الاول من يناير 1917م بسط الحكم الثنائي سيطرته على (دارفور). ٭ واعدم الفكي السحيني شنقا في سوق نيالا في 1921/10/28م. ٭ كما اعدم ثوار 1924، وطوردوا وشردوا. ولم يكن (خريجو الكلية) من الذين حسبت (إدارة بريطانيا) انهم رصيدها في عملية التغيير المرسوم، بعيدين عن (جرح الوطن)، فتحركوا باتجاه (التحرير ضد الاستعمار) فكانت (بداية الميلاد الجديد) الذي أعلن في مخاض عنيف في 19 ديسمبر 1955م (السودان دولة مستقلة ذات سيادة): لم يكن تاريخ البلاد بعيدا عن حاضرها، فقد ظهر (صراع الوحدة مع مصر) أو (الاستقلال) عنها وليكن اول مارس 1954م عنوانا كبيرا في تاريخنا السياسي.. وليكن تمرد 18 أغسطس 1955م في (توريت) عنوانا كبيرا آخر.. ثم ولتكن مشروعات الدساتير (1958 1968) مدخلا للانقلابات العسكرية.. ولتكبر بعد ذلك العناوين.. وليولد السودان العزيز، تكبله قيود تاريخه السياسي والقبلي.. وصراعات نخبه.. و(ليكن القاتل والمقتول). (2) (جراحات السودان المعاصرة)، قاتلة: كان الفرح بالديمقراطية قصيراً وقاصراً، (فالعقل) ما استدرك كنه الصراع وما رأى فيه غير النهايات العاجلة.. وما كان الحكم كما لم تكن الادارة في يومها ذاك بعيدة عن ذلك القصور الفادح فكان (الانقلاب العسكري) الوسيلة الاسهل لاقتلاع السلطة.. من بين ذئاب السياسة، وكانت بداية القفز الى النتائج مدخلاً لما عاشته البلاد فيما بعد من (صراع دام) على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولقد قعد بها ذلك (الصراع)، بما أدى اليه من نتائج من مؤخرة ركب التنمية.. ومؤخرة ركب الاستقرار.. وتراجعت كوابح السلطة، فانفتح الباب واسعاً (لغياب القانون) و(شره المال)، و(شواهد الاستبداد).. فكان (الانقلاب) تلو (الانقلاب).. ولكل (انقلاب) ردود فعله التي تساويه في القوة.. وتحالفه في الاتجاه.. وان كان ميلادا جديدا او تصحيحا او ترميما.. أعلن أو لم يعلن: كان (اختراق القوات المسلحة)، ابتداءً خطأ كبيراً.. (تدفع النخب) كما يدفع (المواطن) و(الوطن).. ثمنه نتائج خطيرة.. و(للقوات المسلحة) دور نبيل ربما كان من ضمن ما يقوم (حماية البلاد والعباد) من الفوضى والفتنة ومزالق الانهيار. وليس غريباً على (تجربة السودان السياسية) منذ اعلان استقلاله ان يستقريء مستخلص تجاربه في (الحكم والادارة). و(السؤال المفتاح) ما هو الثمن الغالي الذي دفعه (أهل السودان) حين غابت عنهم (فرص الوحدة الوطنية) - بعيداً عن كل أنواع ودرجات عن (مدار الوحدة الوطنية)، (فالحكم). كما (الادارة) مفتاحان أساسيان لمعنى التقدم والازدهار ولن يتم ذلك بغير استقرار: (للصراع) في كل حالات تجاوزه (لمدى الاقناع والاقتناع) نتيجة وحيدة خطيرة هي الوقوع في (براثن الفوضى)... وهي مدخل (لغياب الحرية).. و(لفوضى الاقتصادية وسيادة الفهم الخاطئة). وهي قبل كل ذلك بداية لابتعاد (السيادة) عن مداراتها الوطنية.. وهذه (الجراحات) غائرة وقابلة للالتهاب الحاد وما يعقبه من نتائج خطيرة. - صراع السلطة والثروة. - صراع القبيلة والجهة. - الاستقواء بالخارج. - هدر الامكانات البشرية والمادية. - تصفية الحسابات. - هدر فرص الاستقرار. - غياب المؤسسات والبرامج. - غياب المشاركة بالاقصاء. - انهيار قيم التكافل والضبط الاجتماعي. - غياب الإبداع الفكري والثقافي. - تهالك العدالة. - الاستهانة بقدرات شعب السودان. - فوضى الاقتصاد والفساد. هذا قليل - من نتائج - الصراعات الدامية - ولأهل (علميّ الاجتماع والسياسة) في تطوراتها الكثير.. وكفى - كما جاء بعنوان المقال - البلاد جراحاً.. وليكن (العقل الراشد فيصلاً). (3) المقصود (بالعقل الراشد) هنا هو (الدستور) تراضياً (بالدستور) بعيداً عن تعريفاته في علم (القانون الدستوري) - هو (الوثيقة) التي تثبت تراضياً غالباً بين (المحكومين) في علاقهم (بالحاكم).. الذي يجيء (بالاختيار والوسائل المؤسسية) وهذه (الرؤية) تضم في داخلها.. تاريخ المجتمع وقيمه ومعتقداته.. وقدراته وامكاناته المادية والروحية وآماله وأحلامه في علاقة موضوعية.. ليس (الدستور) ولا يمكن أن يكون مجرد وثيقة.. نصت على مواد لا روح فيها ولا حركة بكلمات باهتة.. وربما كانت (باهرة في بلاغها).. ولكنها (جامدة).. بلا حراك أو حيوية.. ولذا فان (الدستور) في معناه البسيط لا يجئ إلا عبر حراك وطني يسبر غور الوعي الجمعي حين تحوله إلى (نهوض ملزمة أخلاقياً قبل الزامها القانوني).. ويبدو (الدستور) في مثل تلك الأحوال (ارادة فاعلة) وليس (افتعالاً سطحياً) وتكبله الشكلية والاجراءات.. (الدستور) تعبير موقتي - في سبات حركة التاريخ عن: - ماذا يريد الشعب.. ولماذا يريد الشعب. - كيف يريد الشعب.. - (الدستور).. هو العناوين الأصيلة (لحركة التاريخ) حين تموج في وجدان أفراد المجتمع.. ولتبلورها (النخب) المنتقاة.. دون تبديل أو تغيير.. (الدستور) هو (روح شعب ما) في (مكان) - في (زمان ما) بمعنى ان لكل شعب في منحنيات الزمان والمكان - خصائصه وسماته، والحرية في ذلك أمل تعيده ضوابط الدين والمجتمع، ....(الدستور) هو الوثيقة التي تعبر عن (عقد اجتماعي) يضمن صيغة للحكم والادارة في اتجاه ارادة الأفراد الغالبة دون تعارض أو تناقض مع الأقليات التي تشكل نسيجه. الدستور هو الوعي: - بمسؤولية الحكم: عدالة وحرية ومساواة. - بمسؤولية الدولة: التزاماً بالكفاءة والعلم والشفافية. - بمسؤولية الاستقرار والتنمية. - بمسؤولية الحراك الوطني. - بمسؤولية المساءلة. والدستور - بعد - فيما صنعت الثورة الفرنسية في عام 1789 - وفيما صنعت دولة جنوب أفريقيا.. هو (عنوان الحكم الراشد) ويشمل: - الشرعية. - الانتخابات النزيهة. - استقلال القضاء. - الشفافية ومحاربة الفساد. - حقوق الانسان. - حرية التنظيم والتعبير. - وسائل الاعلام الحرة. - حرية الحصول على المعلومات. - الانصاف والعدالة. - المشاركة والمؤسسية. - المساءلة. - الضبط الاقتصادي. ويرتبط كل ذلك (بالفهم الصحيح للديمقراطية وممارستها). ٭ ان ضمانات التجربة الديمقراطية الرابعة - لا تبدو بعيدة المنال - في ظل جراحات تجربتنا السياسية الغائرة - فهي - أي التجربة ذاخرة بكل ما يمكن أن يعيد الوعي لممارسات الحكم والادارة. وبعد ملاحظات غير عابرة ٭ (الدستور) محل الرضا هو بالضرورة محل الحوار الموضوعي الهادف وكثير من القوى السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث العلمية في الجامعات أو المستقلة. قد قدمت مبادراتها بصورة تعبر عن رؤاها وفكرها وهو جهد يصب في خانة الايجاب. ٭ تعد (وكالة السودان للأنباء)، ومن واقع أداؤها المهني لبرنامج اعلامي يغطي (مبادرات الدستور) التي تقدمت بها القوى أعلاه من خلال أربعة محاور أساسية هي: - المرجعية والمبادئ العامة. - حقوق الانسان. - شكل الدولة. - نظام الحكم. والمأمول - أن يبدأ هذا المشروع سواء في ديسمبر 2012 أو يناير 2013. ٭ (الدستور) قضية مفصلية في (تاريخ السودان السياسي) ومن هذا السياق - ليس هو رغبة شخصية.. ولكنه واجب يلزم كل فرد أو مؤسسة بالمشاركة في رفد نصوصه.. الدستور ارادة مجتمع لا ينبغي التخلي عنها.. والمجال في مناقشة ورفض وتعديل نصوصها أو اقتراحها ابتداءً.. يظل مفتوحاً بلا نهاية. ٭ حركة التاريخ - في الرقعة.. تسجل «الديباجة الآتية للدستور: باسم الله خالق الكون، الواحد الأحد وباسم شعب السودان العريق واستلهاماً لتاريخه المليء بالتجارب والعبر الزاخرة في الحكم والادارة ووعياً واستجابة لكل الدروس المفيدة واعتزازاً لكل جهد أو فرد أسهم - دون من وأذى في بناء وتطور الوطن وايماناً بما أفاء الله علينا من خير معنوي ومادي وتأكيداً لحقيقة التنوع وحيويته وخصائصه، كما تبلوره وحدة نسيجة ودمغاً ورفضاً لكل أوجه الفرقة والشتات وترسيخاً لكل قيم التسامح والسلام واستشرافاً لحلمنا المشروع في وطن مستقر يحقق التنمية: رفاهاً وازدهاراً وامتثالاً لحق الوطن في حكم مؤسسي راشد وانطلاقاً من وعي تاريخي أصيل يهفو إلى دولة المؤسسات وسيادة حكم القانون بركائز الحرية والعدل والمساواة وابتعاداً ونأياً عن كل أوجه الظلم والافتئات لضمانات واثقة لحقوق وحريات أهل السودان وقناعة بكل قيم الديمقراطية في احترام الرأي والرأي الآخر وقبولاً برأي الشعب في التعبير عن ارادته الحرة في ممارساته النزيهة للانتخاب والاستفتاء وتحقيقاً لسيادتنا الوطنية هذه مبررات التاريخ.. وارادة المجتمع.. وحلم البدايات المشروع وترياق الجراحات الغائرة.