أخيراً قرر الصادق المهدي ألا يخوض الانتخابات إلا في منطقتين هما النيل الأزرق وجنوب كردفان، تأسياً بالحركة الشعبية التي التهمت كل الكعكة حتى كادت تختنق، ولم تعطِ منها فتفوتة للأحزاب التابعة التي ليس لها قرار، وإن جاء حديث الصادق المهدي مكروراً لا يقدم أو يؤخر، فهو يشكك في نتيجة الانتخابات قبل أن تبدأ أو تنتهي وتظهر النتيجة الحاسمة لكل جدل، وما يؤسف له هو التأكد الشديد من نتيجة الانتخابات، فإن كانت الأحزاب تعلم جيداً بالنتيجة فلماذا ارتضت أن تخوض انتخابات تشوبها شبهة التزوير؟ ولماذا لم تحدد الأحزاب مواقفها ولم تجدد عزمها على المضي قُدماً تجاه المقاطعة قبل الدخول في معمعة الانتخابات وقبل أن تقرر المفوضية قفل باب الانسحاب؟ ماذا تريد الأحزاب ولماذا التذبذب في مواقفها، حتى فقدت المصداقية أمام جماهيرها ومؤيديها الذين فقدوا البوصلة بسبب تصرفات زعمائهم الذين ضاع عليهم الطريق وتخبطوا فيه، ومما يثير الدهشة والاستغراب مواصلة الحزب الاتحادي للانتخابات بعد قرار المقاطعة، بل جاء بقوة يُحسد عليها ليقسم بفوزه على غريمه المؤتمر الوطني ويمرغ أنفه في التراب، ويأخذ منه الأموال ليردها للشعب، بالله عليكم هل هذا حال أحزاب تحلم بالرئاسة وحكم البلاد، إن كان مجيئها فقط من أجل الانتقام وتمريغ الأنوف في التراب؟ هل هذه سياسة؟ ولماذا ارتضت الأحزاب منذ البداية الدخول في لعبة فاشلة حتى إذا علمت بفشلها رمت ذلك على شماعة التزوير، وغير ذلك من القضايا المثارة على الساحة من تقييد للحريات وعدم العدالة في البرمجة الإعلامية وغيرها، رغم ما نسمعه صباح مساء على مختلف الأجهزة الإعلامية مسموعة ومقروءة من أحاديث جوفاء ووعود أشبه بمواعيد عرقوب، لماذا تخاذلت الأحزاب عن خوض هذه المعركة حتى وإن شابها ما شابها، لتضمن أنها لم تتراجع عن حقها في ممارسة الديمقراطية التي تنادي بها، والتي لم يحرمها منها أحد، بل كان الاستغلال واضحاً لسقف الحريات التي أُعطيت للأحزاب والإعلام، وتضرر الكثيرون من عدم التفريق بين الحريات والفوضى الضاربة بأطنابها على كل شيء، وظهر ذلك جليَّاً في بعض الأقلام التي استباحت الشتم والقذف والتجريم وإلصاق التُهم دون أدلة تضعها أمام المواطن حتى يعرف الصواب من الخطاء، ويحدد وفقاً لقناعاته هو وليس تبعاً لقناعات الآخرين. ومهما يكن فإن ما تروج له الحركة على لسان ياسر عرمان أو حزب مبارك الفاضل على لسانه، يبقى نوعاً من الكيد السياسي «والإيدو في الموية ما زي الإيدو في النار». وهؤلاء اختاروا أسهل الطرق وانسحبوا، وأصبحوا يغردون خارج السرب، ويسبحون عكس التيار.. إذن فلا يُعتد بحديثهم ولا تخرصاتهم والضرب على الميت حرام. ورغم ما تم الترويج له من شائعات جعلت الكثيرين يغادرون لولاياتهم ضاربين عرض الحائط بالتحذيرات من السفر، إلا أن مواصلة العملية الانتخابية لم تتأثر بشيء،وعم الهدوء مراكز الاقتراع، لكن كان يجب أن يعطي مجلس الوزراء إجازة للعاملين حتى يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم براحة وحرية، وتلقائيا فقد اخذ الناس اجازة بانفسهم، واضحت الشوارع خالية من المارة بعد سفر الكثيرين خوفا من الشائعات التي انتشرت في الشارع السياسي. ثم أن هذه الانتخابات ليست لصبغ الشرعية على حكم البشير، لكنها ضمن بنود نيفاشا التي جاءت بكل هؤلاء المتشدقين الى كراسي الحكم والى بوابة القصر الجمهوري ومجلس الوزراء لينخرطوا في مفاصل الدولة، رغم أن سياسات الغابة لا زالت تصبغ لغتهم وتصرفاتهم. ويكفي التناقض المريع في التصريحات ما بين عرمان وعقار وباقان وسلفا كير، وأخيراً رسوا على إجراء الانتخابات في النيل الأزرق وجنوب كردفان التي قاطعت حتى قبل أن تبدأ موجة المقاطعات اللاحقة، وكأن النيل الأزرق وجنوب كردفان إقطاعيات تتبع للجنوب أو الحركة الشعبية التي تلعب لعبة خطيرة بعيداً عن العيون. ولا ندري إلى أين ستقود هذه اللعبة السخيفة وهذا العبث السياسي، وأحياناً قد نجد العذر للحركة لأنها لا زالت في طور الطفولة السياسية، لكن هل يمكن أن نعذر أحزاباً تمارس السياسة منذ القِدَم وهي ترتمي في أحضان الحركة الشعبية لتتعلم منها سياسة المشاغبة. ولم يخسر المؤتمر الوطني ولم يخسر الشعب بانسحاب الأحزاب الجبان حتى لا تتوفر الشرعية لهذه الانتخابات، لكنها انتخابات شرعية وإن اختلف الناس وانسحبت الأحزاب، وهاجت وماجت بعض المنظمات التي تضررت مصالحها.. ودونكم صناديق الاقتراع والتباري على التصويت. ولن ينفع ندم النادمين بعد هذا. مرايا أخيرة: رغم البطء الذي صاحب بداية التصويت الا ان المواطنين تزاحموا على مراكز الاقتراع، وبكرت في الذهاب إلى مركز الاقتراع بمنطقتي لأكون اول مواطنة تضع صوتها وقد كان.