تتخطى عملية الاستحقاق الإنتخابي الجارية إجراءاتها الآن في السودان لكافة المراحل الأولية من تسجيل وترشيح والشروع في الحملات الإنتخابية وبداية العد التنازلي لعملية الإقتراع المقرر لها الحادي عشر من شهر إبريل المقبل، وفشل كافة محاولات مقاطعتها أو تأجيلها، أو عرقلتها، وغياب كافة الثغرات التي بحث عنها الكثيرون، للطعن فيها والبحث عن سيناريو آخر فإن من المهم هنا أن تؤكد على أن أي موقف يتخذه أي حزب أو تدخل من أي جهة خارجية بالعرقلة أو دفع أي قوة سياسية نحو المقاطعة لن يفسد هذه العملية. ولعل مفوضية الانتخابات العامة كانت شديدة الوضوح في هذا المنحى حين قطعت وبصورة جازمة على أن مقاطعة أي حزب أو أحزاب للعملية – في هذه المرحلة – لن تؤثر عليها ولا تقدح في شرعيتها. واذا تجاوزنا تماماً ما قالته مفوضية الانتخابات فإن المنطق والواقع يوصلاننا إلى ذات النتيجة، اذ أن أي حزب بعد كل هذه الإجراءات التي شاهدناها وشهد عليها العالم وشهدتها الأحزاب يقاطع العملية، فإنه يضر نفسه قبل أن يضر العملية نفسها فالعملية في مجملها لن تتضرر. صحيح أن المطلوب هو أن يشارك الجميع ليُمنح الناخب السوداني أقصى قدر من الخيارات، وصحيح أيضاً أن من المهم أن تأتي المشاركة عامة وجادة لترسيخ ايمان كل القوى السياسية بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ولكن بالمقابل فإن الناخبين السودانيين وهم حوالي (16.5) مليون ناخب لا ذنب لهم ولا ينبغي حرمانهم من ممارسة حقهم الديمقراطي لمجرد أن بعض القوى غير راضية عن العملية لهذا السبب أو ذاك، أو لاسباب تتصل بظروفها وحظوظها القليلة أو مخاوف تنتابها أو هواجس تتناوشها فهذه العملية معلن عنها من قبل ما يجاوز الخمس أعوام ويصعب إيجاد عذر لهذا الحزب أو ذاك في عدم استعداده أو عدم تمكنه من تهيئة نفسه – وعلى ذلك فإن من الجائز ومن حق أي حزب لا يعجبه الوضع أو (لا يأنس في نفسه الكفاءة) أن ينسحب أو يقاطع فهو وجماهيره أحرار في مواقفهم، ولكن الجانب السيئ في هذا الموقف أن الحزب الذي يقاطع – بداهة – لا يستطيع (إجبار) الناخبين على المقاطعة بل لا نبالغ ان قلنا أن ما من حزب يستطيع أن يرغم حتى منسوبيه بأن يقاطعوا معه ويتخلوا عن حقهم لمجرد أن الحزب قرر ذلك، فالمسألة هنا ليس فيها أي ضمانات ولا يمكن لأي حزب أن يجلس أمام مراكز الإقتراع ليمنع منسوبيه من التصويت دعك من أن يمنع بقية الناخبين عن التصويت، خاصة اذا علمنا أن حوالي نصف الناخبين السودانيين تقريباً غير منتمين لأحزاب وهم من يطلق عليهم (الأغلبية الصامتة) اذ أن هؤلاء سوف يمارسون حقهم في التصويت ويختاروا من يريدونه في ظل الخيارات المتاحة أمامهم وبالطبع لن يعينهم في شئ من قاطع ولماذا قاطع وما الذي يهدف اليه من المقاطعة، وهكذا فإن المقاطعة في الواقع هي بمثابة (إيذاء سياسي شخصي) يقع أول ما يقع على الجهة المقاطعة نفسها ويحذفها من الميدان السياسي ولن يدري أحد كيف ستعود لاحقاً وكيف تسترجع ثقتها بنفسها وثقة الناخبين بها!