القانون.. هي الكلمة والمعنى القادم الذي سيكون المظلة ربما لادارة المعركة الحدودية مع دولة جنوب السودان، ف(قانون رد العدوان)، الذي باشر نواب المجلس الوطني التداول حوله نهاية الاسبوع الماضي، بعد ان قدمته لجنة الامن بالبرلمان، اثار جدلا تزعمه النائب عن حزب المؤتمر الشعبي المعارض، الدكتور اسماعيل حسين، ضد القانون ، اذ تبنى حسين فكرة خطورة هذا القانون «في طور السمات العامة»، واعتبر ان المذكرة التفسيرية لا تفصل ولا تصوب نحو شخص بعينه، منتقدا تفصيلها على مقاس دولة الجنوب، وقال ان هذا الامر سيضع السودان في، مواجهة وعداء مع دول الجوار «مصر واثيوبيا»، قبل ان يشير الى ماوصفها بازدواجية المعايير. كمال عبيد من جهته، يدافع عن القانون ويبرر ذلك بأن هنالك دولا فصلت قوانين لمحاربة السودان «في اشارة ربما لقانون سلام دارفور الاميركي»، والحجة الاساسية التي دفع بها الرجل لاجل قانونه المقترح، هي ان عدوان الجنوب يحتاج بالفعل لقانون، لان التشريعات الحالية ليس فيها ما يجرم على سبيل المثال مقولة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الشعار السياسي للحزب الحاكم في جوبا، وان المجموعات السكانية الحدودية تضررت من اعتداء هجليج والقانون يعمل لحمايتها. بينما رئيس الهيئة التشريعية القومية، احمد ابراهيم الطاهر، اعتبر ان السودان بحاجة لهذا القانون لمعالجة قضية الحدود الطويلة مع دولة الجنوب، وكان رده على الشق المثار حول حلايب، بانها ليست ضمن هذا القانون، لان النزاع حولها قانوني والسودان قدم شكوى رسمية في ذلك بمجلس الامن. الجدل القانوني حول القانون المقترح، خارج اطار قبة البرلمان، يبدو انه يسير باتجاه لا يبتعد كثيرا عن حدة الجدل في داخل البرلمان، والبعض يتخوف من انه قد يكون مرتبطا بردود الافعال، وخطورته على بعض المواطنين هناك على جانبي الحدود، البعض الآخر تبنى عدم الحاجة له وان القوانين السارية حاليا نافذة في هذا الامر، ولا يعدو ان يكون استخداما سياسيا لمجابهة الاوضاع على الارض هناك. فيما رأى آخرون ان القانون في طور السمات العامة ومرحلة القراءات الاولية وان الوقت مبكر للحديث حوله، اذ سيمر بمراحل متعددة آخرها اجازته من رئيس الجمهورية بالتوقيع عليه. فيما تالون تحدثوا عن ناحية مبدئية في القانون الدولي تتعلق بهكذا قوانين اذ لا بد ان تراعي المصالح المشتركة، وان الحقائق الموضوعية ان هنالك مصالح مشتركة بسبب التداخل. نائب عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، الدكتور ابوذر الغفاري، يرسم ربما خارطة طريق تجعل من هذا القانون يأتي بالشكل المطلوب ويحقق المرجو منه ويبتعد عن السلبيات و التداعيات المترتبة عليه، ويلفت الغفاري الانتباه الى شروط تلازم اي قانون، ومنها انه يحتاج الى دراسة جدوى، وان يتم بتوازن بين التأني المعقول والحاجة الملحة له، وانه اصلا يأتي في محاولة لاستنهاض كل الطاقات ومن ضمنها القانون. ويحذر استاذ القانون بجامعة الخرطوم من ان مسألة التحشيد السياسي ستخلف نتائج سلبية اخرى. وتساءل الى أي مدى نحن بحاجة لهذا القانون؟، معتبرا ان القانون فقير في مواده ويسمح للدولة بالتفاوض في حالة عدم العدوان، وكثير من القضايا يمكن ان تحل عن طريق آليات الدولة. وقال الغفاري ل(الصحافة) عبر الهاتف، ان الاشكال انه معرف تعريفاً عاماً وبشكله هذا يجعل من كل دولة في حالة عدائية من ناحية سياسية مع السودان، اذ لا بد من احكامه. وطالب الغفاري بضبط القانون وتعريفه بصورة جيدة، ومقارنته بالقوانين الاخرى. وقال ان القانون الدولي يكفل لاي دولة، حق الدفاع عن نفسها، بما فيه ميثاق الاممالمتحدة. بعض تلك النقاط التي اثارها نائب عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، تتماشى مع بعض ما اثاره، الخبير القانوني والقيادي بحزب المؤتمر الوطني، الدكتور اسماعيل الحاج موسى، اذ يبرر موسى في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف مسألة ضرورة طرحه، كون ان القانون اودعته لجنة مختصة وهي لجنة الامن والدفاع بالبرلمان، ومن هذه الناحية فان مشروع القانون مفهوم. وان كان الغفاري يرى ضرورة ابعاد القانون عن التحشيد السياسي الا ان موسى على المستوى الشخصي لا يرى غضاضة فيه، وان كان واقع الامر لا يحتاج لقانون، اذ يمكن ان يكون رد العدوان بقرار سياسي، فيما يتساءل نائب عميد كلية القانون عن جدوى القانون؟، في ظل وجود آليات اخرى للدولة، معتبرا ان القانون فقير ويحتاج الى صياغة جيدة والتعامل معه بتوازن، بين الحاجة له في ظل الاوضاع الماثلة، والتأني المطلوب لتحقيق اغراضه لئلا ينعكس سلبيا، وهنا دراسة الجدوى ضرورية لاي قانون يراد صوغه كما وضح. الا ان موسى عاد وقال ل(الصحافة)، ان خروقات الحركة الشعبية الكثيرة في النيل الازرق وجنوب كردفان واخيرا عدوانها على هجليج يجعل من التحوط لها بقانون امرا افضل. غير ان الخبير القانوني والقيادي بالحزب الاتحادي، الدكتور علي السيد، لا يساير موسى في رؤيته هذه، اذ يقول ان المقصود من هذا القانون في الاصل هو فرض حالة الطواريء بصورة غير مباشرة، وله عدة تفاسير، منها اعتبار كل مناطق الحدود مناطق عسكرية، وان القانون الجنائي وقانون القوات المسلحة يتيح حق رد العدوان، معتبرا انه خطير ومخالف للقانون ولا معنى له. وقال انه حتى في المحكمة الدولية فان العدوان غير معرف. بينما موسى يقول ان القانون الدولي لا يفرض علينا ما نسنه من قوانين وتشريعات، وان ذلك خارج دائرة اختصاصه. السيد يعود في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف ويثير نقطة مختلفة، وهي ان البرلمان يحاول ان يقحم نفسه في اختصاص سلطة رئاسة الجمهورية، ومجاورتها بالقانون، وان هذا مخالف للدستور، ولفت من ناحية اخرى الى تبديل لمسميات القوانين القديمة (الخيانة العظمى) والاتيان بمسميات جديدة مثل (الخيانة الوطنية) التي كانت اصلا موجودة والاستعاضة عنها في القانون المقدم للبرلمان ب(تغيير اللفظ). رئيس هيئة تحالف الاجماع المعارض، القانوني فاروق ابوعيسي في معرض تعليقه حول القانون، وجه انتقادات لاذعة عشية عرضه في مرحلة السمات العامة في مؤتمر صحفي تلى اجتماع للمعارضة، واعتبر ابوعيسى ان القانون يقصد به التضييق على المعارضين بالداخل، ويتابع «كل النقاط حول العدوان وغيره لاتحتاج الى قانون ويعزو الامر لتضمينه في القوانين الدولية»، مضيفا ان «القانون يراد به ضرب المعارضين ليس الا». اما حلايب والفشقة فيقول عنها موسى بانها تختلف، عن دولة الجنوب، لان الاخيرة تهدد الامن السوداني بينما في الحالتين المصرية والاثيوبية توجد هنالك نوايا حسنة بين الطرفين وان الامور تغلب عليها التهدئة، وان الامر فيه حساسية من ناحية السودانيين، والغزو الذي قامت به الدولة الجنوبية يختلف من ناحية التهديد الامني عنه في حالة حلايب المذكورة، ولم ينس موسى ان يستشهد في معرض توضيحه للاختلاف في كل حالة على حدة، ان يشير الى ان الصراع الحدودي مع تشاد حل بعد تكوين القوات المشتركة. و في هذه النقطة يشير الخبير القانوني، صالح محمود، الى ان للسودان حدودا طويلة جدا مع دولة الجنوب، وان معظم الدول الافريقية لا تملك آليات لحماية الحدود والرقابة عليها. وهنا يبدي محمود تخوفه من الظروف التي قد تصاحب سن القانون من ان تكون ردود فعل، والايحاء المحتمل وكانه ضد جماعة معينة وانه قانون خاص، بالرغم من انه لم يرفض امر سن القانون بالشكل المطلق. ومسألة القوانين الخاصة والاستثنائية قد تفتح الباب للابتعاد عن المعايير الدولية وتضييق الحريات. ورأى محمود في حديثه ل(الصحافة) عبر الهاتف، ان يتم الابتعاد عن القوانين الاستثنائية والطواريء، لانها تنعكس على المصالح بشكل سلبي. سياسيا تخوف محمود من ردة فعل المسؤولين الجنوبيين وخطورة هذا الامر، والمتضررون في نهاية الامر - بحسب محمود- هم شعبا السودان. السيد يعود ويثير مسألة اخرى وحساسة متعلقة بقانون (رد العدوان امام البرلمان)، معتبرا انه ينطوي على خطورة كبيرة، اذ في هذه الحالة، اذا نشب اي عدوان فان كل الذين في الحدود هم قد يكونون اعداء، لان الفقرة (أ) ، من المادة الثالثة، تتحدث عن ان منطقة العدوان منطقة عسكرية، وهنا مكمن الخطورة بحسبه. ويقول محللون، انه في حالة اجازة القانون ونفاذه في حيز الفعل، فان الحدود السودانية - الجنوبية الاطول في القارة «نحو الفي كيلومتر مربع»، ستكون اشبه بمناطق عمليات، وقد يلحق الضرر المباشر المواطنين هناك، في ظل وجود حركات متمردة على الحدود المشتركة، بالاضافة الى النزاع الاساسي مع دولة جنوب السودان، بينما آخرون يقولون ربما بهذا القانون تضع الحكومة يدها على الجرح السوداني النازف على الحدود.