كثيراً ما أبدت الصين قلقها بشأن التوترات بين السودان وجنوب السودان، وطالبت البلدين في غير مرة «بتحقيق التعايش السلمي من اجل تحقيق التنمية المشتركة»، ولم تخرج زيارات المبعوث الصيني الخاص المختص بالشئون الافريقية ليو قوى جين الى البلدين عن هذا المسار، ولا يتوقع الآن ان تبتعد مرامي زيارته الحالية للبلدين عن بذل مزيد من الجهود في الوساطة وارساء المصالحة . ولم تترك بكين وسيلة من اجل اقناع القيادات في السودان وجنوب السودان بضبط النفس والنظر ابعد الى ما يمكن ان يحققه التفاهم من مصالح مشتركة ومنافع للجميع. ولهذا لم يكن غريبا ان تطالب الصين خلال محادثاتها مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، على لسان الرئيس هو جن تاو، الجانبين بالحفاظ على الهدوء وضبط النفس، والامتناع عن تصعيد التوترات الحالية وحل خلافاتهما بشكل مناسب من خلال المفاوضات. وأضاف «نأمل من الطرفين أن يمارسا ضبط النفس والهدوء وأن يسويا خلافاتهما بشكل مناسب من خلال المشاورات والمفاوضات». لكن هل فعلا اقدمت الصين على بذل جهود متعددة لتعزيز الحوار وتخفيف الصراعات والحفاظ على استقرار المنطقة، ام انها اكتفت بارساء النصح، والتحذير من مغبة « العناد» الذي وسم مواقف البلدين من القضايا العالقة، ومطالبتهما «بتقديم التنازلات اللازمة حتى لو على المدى المتوسط من اجل حل المشكلات العاجلة». يقول الدكتور عبدالرحمن الغالي ان الصين حاولت ما امكنها ان تصل بالعلاقات بين البلدين الى بر الامان، ولا يمكن ان ينتظر منها فرض ارادة السلام على المعنيين بالقضية بالاساس، وتابع:الحرب والسلام في محيط السودان القديم محكومان بعوامل اخرى داخلية ومتغيرة في الشمال والجنوب على حد سواء، واضاف « الحرب تخدم اهدافاً داخلية مفيدة للطرفين، لذلك فان ايقافها عملية ليست بسهلة، ولكنها ليست مستحيلة ان حدث توافق بين الصين والغرب على ذلك في مجلس الامن». ومن جهة اخرى اشار الغالي ل» الصحافة» الى ان تفسير السلوك السياسي الصيني في السودان لا يمكن ان يتم بعيدا عن حقائق بعينها منها ان بكين لاعب كبير ومهم في السودان لاعتبارات مختلفة اولها مصالحها الاقتصادية في الشمال والجنوب، فضلا عن كونها دولة عظمى تحظى بعضوية مجلس الامن وتلقي بتأثيراتها على السياسة العالمية، ويتابع الدكتور الغالي : لا يجب ايضا اغفال ان دورها في السودان محكوم بعلاقاتها مع امريكا وهي التي تتأرجح بين التنافس في ميادين مختلفة ، مثل السودان، والتوافق في ميادين اخرى، وقد يكون لذلك دور في ما يعتبره البعض هنا من تناقض لمواقف بكين تجاه الخرطوم، بالرغم انه في الحقيقة ليس بتناقض لان المواقف الصينية في أي مكان بعيدة عن العواطف والارتباط الآيديولوجي والثقافي. ولا يرى الدكتور عبدالرحمن ابوخريس بدوره في كل ذلك ما يقلل من اهمية ما يمكن ان يحققه الدور الصيني في حلحلة القضايا العالقة بين البلدين، فهو يشير لان زيارة مبعوثها الآن الى البلدين تأتي في اطار تكملة الحوار الذي دار في زيارة سلفاكير الى بكين، مؤكدا ل» الصحافة» ان المبعوث الصيني يسابق الزمن لوضع ما اتفق عليه من مشاورات في اطار التنفيذ، مرجحا ان تمضي الوساطة الصينية دون عوائق بخاصة وان البلدين ادركا مخاطر تجدد الحرب ويرغبان في التسوية العادلة لخلافاتهما، ويشير ابوخريس الى ان الصين لا ترغب في ان تجير امريكا قرار مجلس الامن لمصلحتها، وتفرض حلولاً على البلدين تتسق ورؤيتها الخاصة في المنطقة ككل، وان هذه الزيارة للمبعوث تهدف لقطع ذلك الطريق على واشنطون بوضع نقاط رئيسة لمسارات التفاوض بين السودان وجنوب السودان، وارسال رسائل الى المجتمع الدولي تبين اهمية هذا الملف لبكين، وتظهر ما يمكن ان تقدمه على صعيد التسوية النهائية. ولان الخرطوم اعتادت ان تستقبل مبعوثي الصين بأفضل مايجب فقد رحبت الحكومة السودانية كعهدها بزيارة المبعوث الصينى للشئون واوضحت انها ترحب بسعى الصين لانهاء النزاع بين السودان وجنوب السودان ،وقدم وزير الدولة بالخارجية الشكر للحكومة الصينية على دعمها للسودان فى المحافل الدولية ، وجدد خلال استقباله مبعوث بكين امس الاول التذكير بأن دولة جنوب السودان كانت هى من تخرق الإتفاقات ، وأوضح أن المطلوب توفر الإرادة السياسية من قبل الطرف الآخر لحل الملفات المختلفة عليها عبر الطرق السلمية. وقال تشونغ جيان في القاء بدوره « ان الصين تعتبر السودان ودولة جنوب السودان دولتين جارتين يجب حل خلافاتهما عن طريق التفاوض» وأعرب عن تطلع الصين للعمل مع الدولتين بشكل لصيق للوصول الى تسوية لجميع الملفات ، وتعهد بأن تقوم الصين بالمساهمة فى عملية البناء والتنمية فى كل من السودان ودولة جنوب السودان ورسالة « الخرطوم» الى الحكومة الصينية التي تضمنتها تصريحات ونسي، نسخة مكررة من مواقف الخرطوم السابقة، فهي تعيد تصويب الاتهامات الى جوبا وتحملها مسئولية اشعال المنطقة لانها لا تتحلى بالجدية والارادة المطلوبة لاحلال السلام والوفاق مكان الحرب والخلاف. ويعلق الدكتور سامي عبد العاطي بأن تأييد بكين لقرار مجلس الامن (2046) يحمل تأكيدات لا لبس فيها بأن بكين انتهجت موقفا مغايرا لموقفها السابق من العلاقات بين شمال السودان وجنوبه، مذكرا ان المصالح الصينية متشعبة وتتقاطع مع كثير من دول العالم المؤثرة على الساحة الدولية، لكنه اشار بشكل خاص، في حديثه ل» الصحافة» الى ان بكين كانت قد اعلنت حين اندلاع المعارك فى جنوب كردفان والنيل الازرق انها تفضل ان يتم حل الخلافات عن طريق الحوار، وقالت بعد انهيار اتفاق اديس ابابا، انها تتفهم كامل وضع السودان فى الوقت الحالي، وتؤكد على عدم تغير سياسات حكومتها تجاه تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع السودان، لكنها وافقت الآن على تمرير القرار الاخير لمجلس الامن بما يتضمنه من اشارة الى احياء اتفاق اديس ابابا الموءود، والمشهور باسم اتفاق نافع عقار، ويتابع عبدالعاطي: لا مراء ان بكين احست ان في استمرار النزاع خطر محدق بمصالحها واستثماراتها فى البلدين والمنطقة باكملها، وتوازناتها المنتهجة دوليا.