من الواضح أنَّ غول الغلاء الذي كاد يبتلع المواد الغذائية والسلع والضروريات كائن محمي ويجد الرعاية على طريقة ( دعه فهو برنامج مرتب ) ولذلك لم يستطع الرأي العام أن يحارب شركات تعبئة السكر وهي من بنات أفكار وزارة الصناعة السابق عوض الجاز واستمرت ( التعبئة ) الى يوم الناس هذا ليكتشف الشعب السوداني ان السكر الذي تنتجه المصانع الوطنية تستلمه أيادي وشركات خاصة لتقوم بإعادة تعبئته وحساب تكلفة التعبئة باضافتها الى سعر السكر من المصانع وهي حيلة لا تفوت على المراقب الحصيف ، لقد استطلعت بعض صغار التجار في سوق مدينة بحري ممن يعيدون للمرة الثانية تعبئة السكر المعبأ اصلاً في اكياس البلاستيك ليبيعوا الكيلو بخمسة جنيهات كاملة..سألتهم لماذا تقومون باضافة جنيه ونصف للسعر الرسمي ؟ فأجابوا بأن السلطات هي التي ساهمت في رفع الاسعار بعد ان كان السكر متوفراً في الاسواق وبكافة العبوات والانواع حتى ان المستهلك يجد الفرصة ليتخير شراء السكر الذي يريده وكانت الاسعار ثابتة لا تتحول الى ان جاءت بدعة التعبئة واختفت عبوات المصانع من الاسواق بفعل فاعل وتحولت هذه العبوات للشركات الخاصة والتي سببت الأزمة الحالية في سلعة السكر وتسببت في الغلاء والجشع . والطامة الكبرى ان السلطات تكابر عبر الحديث عن تثبيت سعر العبوات المذكورة وترمي باللائمة على المواطن وتطالبه بعدم الشراء بالاسعار غير الرسمية وفي ذات الوقت السلطات لا تمارس اي رقابة على الاسواق وكل شئ يبدو مدغمساً والفوضى تضرب الاسواق والاسعار مما يؤكد ان الغلاء محمي بقوة جهات في السلطة...فلنقرأ ما كتبه أحد الموفين في الارض عن الغلاء .تحت عنوان : ( ماهذا الغلاء) ؟ ظل الشعب السوداني يعاني منذ انفصال الجنوب وماقبله غلاء فاحش في جميع الضروريات قبل الكماليات في وقت تُعاني فيه الغالبية العُظمى من الفقر والبطالة ويعيش موظفو الدولة من القطاعات الاخرى اوضاعاً صعبة جراء ارتفاع الاسعار هذا مع تدني الاجور التي هي مثل الضبع امام الاسد مقارنة مع رواتب ومخصصات الدستوريين التي اصبحت تنهك الميزانية العامة مثلما تنهكها الحرب الضروس !! وفي ظل هذا الوضع نجد ان معظم المسئولين من اهل الشأن والاختصاص يأتون بتبريرات واهية لطبيعة هذه الازمة لم نسمع بها في مبادئ علم الاقتصاد !! مثل ان السودان لايعتمد كثيراً على النفط ؟؟ وان القطاع الزراعي هو المُحرك الاساسي لمجرى الاقتصاد ؟؟ وان الدولة لم تعتمد في ميزانيتها الحالية على بترول الجنوب الذي خرج من الميزانية العامة؟؟ هذه بعض النماذج من التباشير التي كان يسوقها عتاولة المسئولين للشعب السوداني دون تحليل علمي ومنطقي للأزمة او حُلول علمية وعملية لكبح جماح هذا الغلاء الفاحش الذي ينذر بالشر المستطير القادم !! إذا كان السودان مُرشحاً ان يكون سلة غذاء العالم منذ العام 1974م مع كندا واستراليا نسبة لموارده الضخمة مثل الاراضي الصالحة للزراعة التي تقدر ب200 مليون فدان ومياه جوفية تقدر ب18مليار متر مكعب بالاضافة لنصيبه من مياه نهر النيل والانهار الاخرى ، و130مليون رأس من الماشية و25% من المراعي والغابات ، بالاضافة للمعادن والخيرات الاخرى ، فبعد كل هذا هل يُعقل ان يكون السودان حتى اليوم دولة متخلفة فقيرة كسيحة في مجال التنمية والتقدم ؟؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تقول بأن ازمة هذه البلاد تكمن في توظيف تلك الموارد المالية والبشرية ، فقط ووضع الرجل المناسب في المكان المُناسب والاستعانة بالخبراء وأهل الاختصاص من العامة في وضع الخُطط والاستراتيجيات العلمية الدقيقة التي تتنبأ بما هو آتٍ في البعيد قبل الغريب . ان القطاع الزراعي الذي اهملته الدولة وتجاهلته مثلما تجاهلت جدوى السكة حديد هو الحل الوحيد لإنقاذ البلد من المجاعة القادمة ، القطاع الزراعي ووزارة الزراعة تحتاج لخُبراء وعُلماء وباحثين ومُخططين لإحياء الامل فيها ، يجب ان لاتكون مثل الوزارات المُهمشة التي تُعرض للترضيات والمساومات بين السياسيين وهذا ما يتطلب تغييراً في النمط الزراعي وثقافة المُزارع وربط المحاصيل بحاجة الاسواق الداخلية والخارجية لتشجيع المزارع على الانتاج وتغييراً جذرياً وشاملاً للاتحادات المزارعية ونظم الري فبغير هذا لن ينصلح حال الزراعة ولن يتعافى إقتصادنا الذي اوشك على الغرق!! وأخيراً أين نحن من كندا وأستراليا الآن؟؟ أنور الباهي محمد حسين جامعة بخت الرضا