ظاهرة الغلاء أصبحت قضية الساعة في السودان، ولا توجد قضية أكثر سخونة منها، وفي كل يوم تزيد الضغوط والمعاناة على المواطن مع ارتفاع المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع، حتى اصبحت من التهديدات التي تجابه استقرار الحياة الأسرية، وأنّ لهذه الظاهرة الكثير من الآثار التي تلقي بظلالها على الأسرة، فالدخل أصبح لا يكفي متطلبات الحياة اليومية والكثير من المشكلات تحصل بسبب الغلاء. عندما تزداد هذه الظاهرة ينتج عن ذلك عدم المقدرة على الوفاء بالتزامات كانت الأسر في السابق تقوم بها، فمثلاً نجد إذا مرض أحد أفرادها فإنها لا تستطيع الاهتمام به صحياً، بسبب ارتفاع تكلفة الفاتورة الصحية، وأن زيادة الفقراء تزيد نسبة الجريمة، وتكثر حالات السرقة وجرائم النصب والاحتيال. والأمثلة، كثيرة، فربّما يلجأ البعض إلى الاستدانة من البنوك، أو من الأصدقاء، وتحرير شيكات بلا رصيد، ومثل هذه القصص ربّما تكون نهايتها في السجون وضياع القيم الأصيلة. وهناك معاناة يواجهها المغتربون، على وجه الخصوص، من ظاهرة غلاء الأسعار، فاذا كان المغترب تقيم معه اسرته الصغيرة لا ينفك من هم الاسرة الكبيرة والممتدة حسب قيمنا السودانية، اما لو كانت كل أسرته في السودان فهنا الطامة الكبرى وكلما يرسل يقولون له هل من مزيد؟ لذلك تجد المغترب يعاني ضغوطاً مالية وأخرى نفسية، لأن هذه الظروف تضطره للابتعاد عن اسرته لفترات طويلة حتى يصل مرحلة اليأس، وتجده دائماً يحلم بل يفكر في العودة النهائية ويبدأ في عرض أفكاره على أقرب الناس اليه من الاسرة، ويفاجأ بعبارة «تجي وين إنت جنيت؟»، وحتى يعود لرشده ولا يفكر بمثل هذه الهرطقات كما يعتقدون، يسردون له القصص التي يشيب لها الولدان. لكن المغترب المسكين يظن وإن بعض الظن إثم، أن اهله يريدون استغلاله ولا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية، ولا ينظرون له إلا من زاوية «بقرة حلوب» لا كإنسان من لحم ودم، لذلك يلجأ أخونا المسكين للأصحاب والمعارف في السودان، ويجري اتصالاته عبر الوسائط المختلفة، وخصوصاً الفيس بوك، ويعيد طرح أفكاره وحنينه للعودة للوطن، لكنه يفاجأ ايضاً بانتقادات حادة وعنيفة في بعض الأحيان، ويعتبرونه باطراً بالنعمة، ويجد الكل يحلم بالهجرة وبصورة عاجلة، ولأي مكان، كأنهم يفرون من الطاعون، ويصبح صاحبنا في حيرة بين ما يسمعه من الأهل والأصدقاء وبين ما يشاهده على الفضائية السودانية التي تحكي عن المشروعات التنموية الضخمة من سدود ودهب وبترول، والحقول التي تنتج «قمحاً وتمني»، وغيرها مما يسيل له لعاب أي مغترب مغلوب على أمره. أما إذا أردت أن تزداد إحباطاً ويأساً فقابل أخاً مغترباً عائداً من إجازة لتوه، فإنه ينقل لك كل التفاصيل المحبطة مباشرة، حتى تشعر بأن السودان أصبح ليلاً ولا نهار فيه، ويوصيك بألا تفكر في السفر للسودان، لكن نشكو لمن؟ و «الشكية لغير الله مذلة»!! [email protected]