مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف في التاريخ السياسي والاجتماعي للسودان
نشر في الصحافة يوم 19 - 05 - 2012


(1) ٭ الكبدة كبدة البّل، معروكة بي فلفل
٭ (عبد الله) مقدمكم شرَّ دماً يعسمهم
(ايقاع نحاس (شبلنكيت) العبدلاب)
(2) ٭ جيداً (يا برير) ألصقت (النكور) والهول
٭ وكسر (الهميدوك) عشب (السديرة) الخور
٭ سوقة (الحدَّم) العقدن قفيهن مشول
٭ كتلة (البرمكي)، مع صباح.. البول
(شغبة المرغومابية)
(3) (البجري نسيبتو والبقيف سجمو)
(من أغنية العوبة)
(1)
الذي يعيد قراءة وقائع تاريخ الوطن، يستطيع ودون عناء أن يصل إلى تواصل العنف العنيف - في مساره السياسي والاجتماعي ولقد يلخص ذلك في دقة (صراع السلطة والثروة) كما طرحته سيناريوهات نشأة (الممالك والمشيخات) - في سعيها لتحقيق أمن قبائلها وضمان أودية رعيها وشرابها وزراعتها. و(العنف) بهذا الاستخلاص البسيط يمثل واقعاً بشرياً، ان لم تكن صفة بشرية بدأها (قابيل) عسفاً ثم ليمتد وينتشر وليشكل ربما وسيلة للصراع وطريقاً لنمو المجتمعات والدول عبر معارك شرسة وأحلاف عديدة، ومكائد ومؤامرات وضحايا من كل أطراف الصراع وامتثالاً (لجدلية التاريخ والحياة) في قاموسها الرباني فان ذات نتائج الصراع تبدأ دورة جديدة بمغير الزمان والمكان والانسان والرؤى والوسائل.. وهكذا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.. (السودان) ليس استثناءً من غيره من الشعوب والدول في هذا القانون الأزلي ولكن تركيزاً على المكونات الثقافية والاجتماعية والظروف والملابسات التي بلورتها قد يقودنا إلى (تقييم علمي مجرد لبعض السمات الذاتية التي تبرر سلوكنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتضعه في موضعه الصحيح دون احساس متعاظم بالذات SELF AWARNESS كانت الذات وفي أغلب الأحيان هي القبيلة أو العشيرة أو الأسرة.. على الأخص خلال السلطنة الزرقاء (1504-1821) ولتكن الذات هي الاسلام المدعوم بالعصبية القبلية في بداية وخلال الثورة المهدية (1881-1898) ثم يتكون الذات بعد ذلك شأناً تستأصله بريطانيا عنفاً مادياً ومعنوياً.. ولتبني على (اتفاقية) رؤاها.. ترهيباً وترغيباً ولتكون الذات (عمامة) يتنازعها (طربوش) و(برنيطة) ويتطور ثورة 1924 ومؤتمر الخريجين فيما بعد مفهوم الذات لوطن تحدد الملامح واضح القسمات وباسم كل ذلك تدافع (العنف بمسمياته ودرجاته المختلفة: ثورة - تمرد - انقلاب - انتفاضة - مواجهات دموية - مظاهرات ولكل في تلك الصور وسائلها.. ومنطقها وأساليبها.. وهي بعد طاقة تحتشد بكل مرارات وأحقاد النفس ضد الآخر وقد عن لي في هذا السياق ان أثبت جزئية عنف بدوي:
حين قام الشيخ برير شيخ (البطاحين) ابن أخت (شغبة) بمواجهة (المرغوماب) وهم كواهلة انتهى إلى قتل (ود دقلش) وابنه وهما في الحساب (عمه زوج خالته) و(ابن خالته) ولم تنس (شغبة) مراراتها وهي تنحت من حروف (إعلاماً قوياً) ينشر في وجدان قومها قردتهم على المواجهة والنصر، أخذاً بالثأر، وحين تحالف (المرغوماب) مع (الأمرأر) وهما من أبناء العمومة بقيادة (حمد المليحابي) ثم أسر (الشيخ برير) وسلم (لشغبة) حياً فربطته من خلاف وقطعت يديه وأحضرت (النقارة) وصارت تضرب بايديه المقطعة عليها وتغني في مرارة وحقد.. ما هو مثبت في المدخل الثاني بهذا المقال وحين تصدى (اللين) ابن عم (برير) للأخذ بثأره ضمن منظومة (ردود الفعل البدوية) لم تتردد (شغبة) في اطلاق نيران إعلامها الحارق:
٭ جَملي في (أُم شِديْدة) قَلدُوا وهَدُوا
٭ و(المَاك) لي (مساديرو) القُدَام وَدَوا
٭ والطير يا سراحين الوجوه عَدُوْا
٭ (الجْفِلْ) (شناعوُ) للبنات وَدُوا
ولقد تداعى إلى ذهني - مع الفارق - صورة (هند زوج أبي سفيان) وهي تبحث عن جثة سيدنا حمزة بن عبد المطلب لتنهش كبده!!
(2)
يورد (ابن منظور) في (لسان العرب) - القاهرة - دار المعارف 1979 - ج4 ص3132 ان كلمة (عنف) من الجذر (ع-ن-ف) وهو الخرق بالأمر وقلة الرفق به.. والتعنيف هو اللوم والتوبيخ والتقريع وقد يعني ذلك ان العنف هو سلوك بالفعل أو القول (مادي) أو (معنوي).. أما في اللغة الانجليزية فان كلمة (VIOLENCE) ذات أصل لاتيني هو VIOLENTIA بمعنى (الاستخدام غير المشروع للقوة المادية بأساليب متعددة) ويدخل ضمن ذلك (التعذيب) و(الاغتصاب) ويعرف (الدكتور حسنين توفيق ابراهيم) ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية ص45 بأنه: كل سلوك فعلي أو قولي يتضمن استخداماً للقوة أو تهديداً باستخدامها لالحاق الأذى والضرر بالذات أو بالآخرين واتلاف الممتلكات لتحقيق أهداف معينة، وإذا كان ذلك التعريف يتضمن الواقع البشري الماثل أفراداً وجماعات وشعوباً ودولاً فإن الرجوع لوقائع التاريخ السوداني تشير إلى ما وصفته ذات الدراسة (بالعنف الكلي) أو (مجموعة من الاختلالات والتناقضات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالمجتمع ويتخذ عدة أشكال منها (غياب التكامل الوطني) داخل المجتمع وسعي بعض الجماعات للانفصال عن الدولة وغياب العدالة الاجتماعية وحرمان بعض القوى السياسية والاجتماعية من ممارسة حقوقها وعدم اشباع الحاجات الأساسية (الصحة/ التعليم) وقد أطلق علماء آخرون على ذلك النمط من (العنف) (العنف الهيكلي) وأضافوا أنه يمتد وينتشر بامتداد وانتشار الصراعات الاجتماعية بمكوناتها الثقافية والاثنية بالاضافة إلى تميزه باستمرار حالات العداء والتوتر الذي ينفجر في شكل صراعات مسلحة بين وقت وآخر ولأسباب تتفاوت في الدوافع وتتفق في الجوهر وتمضي (الدراسة) إلى ان ثمة علاقة وطيدة بين العنف الهيكلي أو العنف الخفي والعنف السلوكي فوجود الأول أي مجموعة الاختلالات والتناقضات الاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى حدوث الثاني لأن الصدام بأنواعه ودرجاته المختلفة والمربوط بعملية التغيير مناط الصراع يعني العنف في أوضح صورة ومعانيه وتؤكد الدراسة بأنه «بالرغم من الخسائر المادية والمعنوية التي تنجم عن ممارسة العنف إلا أنه لا يمكن التسليم بأن كل أنواع العنف ظواهر مرضية أو سلبية على الدوام.. فالعنف السياسي قد يكون ضرورة تاريخية في بعض الحالات وفي هذا الاطار يمكن فهم التحولات الثورية الكبرى في التاريخ (ثورة سبارتكوس - ثورة النزع في البصرة - الثورة الفرنسية 1789 الثورة الامريكية 1776 - الثورة البلشفية في روسيا 1917 - الثورة المهدية 1881 - انقلاب يوليو 1952 في مصر والتي لم تكن كلها تحدث أو تنجح لولا ممارسة (العنف).
(3)
في أهم، صور العنف والعنف المضاد في رقعة السودان بمسمياتها القديمة و(القتل الطقس) عند ملوك (كوش) و(سنار) - ففى الأولى - فيما يورد البروفسور «يوسف فضل نقلاً عن أمهات كتب التاريخ» كان «الكهنة» يتمتعون بأعلى المراكز في الدولة ومن أهم واجباتهم تحديد موعد (موت الملك) وكانوا يخطرونه بقرارهم ذلك بواسطة رسول منهم ثم يعينون خليفة له» وقد رفض وحارب (الملك ارجامين) هذا (الطقس) وقتل «الكهنة» وأبادهم، وكان ذلك بسبب (ثقافته الاغريقية التي رفضت هذا المعتقد) ويثبت البروفسور - يوسف - ما أورده (بروس) الرحالة الاسكتلندي - عند زيارته لسنار (29 ابريل 5 سبتمبر 1772) أن (أحمد سيد القدم) مدير شؤون القصر الملكي THE MASTER OF THE KINGS HOUSE HOLDER SERVANTS كان يتولى مهمة قتل الملك إذا كان وجوده على العرش يتنافى ومصلحة الدولة (يوسف فضل - ص88-89) ويضيف «ان الملك عندهم يسمح له باعتلاء العرش على أن يقبل بامكانية اعدامه عن طيب خاطر بواسطة رعاياه أو عبيده على ضوء قرار من مجلس كبار الموظفين وهناك موظف معين من أسرة الملك نفسه هو الوحيد الذي يستطيع أن يهدر دم (ملكه) و(قريبه) ولا يجرم أي تجريم مهما كثر عدد قتلاه.. وهو لا يملك صوتاً في ازالة (الملك) عن السلطة.. ويضيف ان (أحمد سيد القوم) تولى قتل الملك (ناصر) وابنه الطفل.. وان القتل بقطع العنق (بالسيف) هو أشرف للملك وأولاده.. من أي قتل آخر لا يليق (بملوكيتهم). وما ذكره (بروس) أكده قبل ذلك كل من الرحالة الفرنسي (شارت بوتسيه) CHARLES PONCET والأب برافيدان FATHER BREVEDAN حين زارا (سنار) في فبراير 1699. ويؤكد الرحالة اليافاري (كرمب) KRUMP فما أثبت البروفيسور فضل ص93 حين مكث في (سنار) في 22 يناير 1701 حتى 20 ديسمبر 1702: «لدى موت ملك سنار ينتخب خليفته على النحو التالي: يجتمع كل (الشيوخ) وبقية (نبلاء المملكة) ويصوتون لأمير من (الأمراء الملكيين) يتساوى في ذلك ابن (الأمة) وابن (الحرة) ويقدمونه (ملكاً) ويقتل (بالرماح) بقية الأمراء الملكيين المحبوسين بالقصر وإذا أفلح أحدهم في الهروب فالملك الجديد ملزم بتعقبه وقتله حتى ولو كان الهارب أخاه: تنجز هذه (المقتلة) تفادياً للنزاعات التي ربما تنشأ من وجود العديد من الأمراء وخشية انقسام (المملكة) وصوناً للسلام..»
تورد الدراسات في هذا المقام:
- ان سكان (منطقة فازوغلي) اعتادوا حتى عام 1838 ان (يشنقوا ملكهم) إذا أصابته علة تحول دون ممارسته للحكم أو حالة فشله في تحقيق العدل ولو ليوم واحد.
- ظل هذا (الطقس) منتشراً بين (الشلك) على النيل الأبيض.
- (العنف) الذي وافق سقوط (دولة المقرة المسيحية) وانتهت بقيام (أمارة الكنوز الاسلامية) في (دنقلا) 1323م وما سبقها من صراع دموي عنيف بين جيوش (عبد الله بن أبي سرح) و(ملوك النوبة) و(صلاح الدين) و(المماليك) و(أمراء الكنوز) و(النوبة) في مرحلة أخرى وما وصل إليه الصراع من أقصى درجات الاحقاد والمرارات المتبادلة ومن يقرأ تاريخ تلك المرحلة وما ارتبطت به من تحولات ثقافية مركبة لا يملك إلا أن يرتد إليه البرص خاسئاً وهو حسير. فلقد أعقب (سقوط المقرة) الداوي سيل منهمر من (الاعراب البادية) الذين حاربتهم (سلطة مصر) فاتجهوا جنوباً وهو ما وصفه (ابن خلدون) قائلاً: (1406م «... ثم انتشرت أحياء العرب من (جهينة) في بلادهم (النوبة) إلى مدافعتهم (العرب) فعجزوا ثم صاروا إلى مضايقتهم بالمصاهرة فاخترق مملكتهم.. واستولى أعراب (جهينة) على بلادهم. ويبدأ منذ ذاك (الصراع البدوي) بمؤسسات القبيلة وما تمخض عنها من (مشيخات) و(مكوكيات) و(سلطنات)، ويتراجع قتل من يتولى السلطة مؤسسياً إلى العنف القبلي باسم (الدار) وهي في نهايتها (سلطة وثروة) مهدت لكل (احتقانات الوطن الحالية).
- (سقوط علوة) - فيما عرف تاريخياً - (بخراب سوبا) وصفها (الدكتور صلاح محي الدين) في كتابه (وقفات في تاريخ السودان) ص38 «... تكون (جيش اسلامي موحد) من القبائل السودانية لأول مرة في (تاريخ السودان) واتجهوا نحو (النوبة المسيحية) نحو (سوبا).. فدارت حرب شاقة قاسية بين الفريقين استمرت لاحدى وعشرين نهاراً وليلاً» وحاصر (الشيخ عجيب المانجلك) (قلعة قرى).. ثم اقتحمها في وجه (مقاومة شديدة) دارت فيها معركة نهاية فاصلة (أشبه بمذبحة)» وليبدو في أفق تاريخنا انحياز واضح باتجاه.. الثقافة العربية الاسلامي.. فلا يبقى من (سوبا).. غير كونها (مذبحة) طارد فيها حلف (العبدلاب) و(الفونج) و(النوبة) و(العنج) و(البقطع دابرهم).. ولتظل (عجوبة) التي (خربت سوبا) وجهاً واحداً دون وجوه أخرى... كان لها بالضرورة دورها وحقها في الدفاع عن أرضها وثقافتها.. أين (أمراء وفرسان) (علوة) في تلك المواجهة التاريخية - ويورد كاتب الشونه في (تاريخ ملوك السودان) - طبعة 2009 ص26 «فاما (النوبة) فبعد ظفر (الفونج) بهم تفرقوا (بجهات فازوغلي) و(كردفان) ولم يبق منهم إلا القليل يدينون بدين الاسلام وتفرقوا وسط العرب المقيمين ببلادهم وهم الآن أنفار قليلة مقيمين بجهة (شندي) و(جريف قمر) ولا يعرف (أصلهم نوبة) إلا القليل من الناس.
٭ ما مدى (العنف والعنف) المضاد في تلك الفترة وما هي النتائج؟!
- صراعات (الفونج) و(العبدلاب) التي تميزت بالعنف والقسوة حرب (عجيب المانجلك) الأولى مع (سلطان الفونج) في (سنار) (عبد القادر الثاني) 1599-1605 وحربه الثانية مع (السلطان عدلان) 1605-1612 والتي وقعت ودارت في (دبكرة ودأب عمارة في عام 1611 (الجريف شرق الحالية).
- صراعات (الفونج) مع (الهمج) (ود أبو لكيلك) و(بادي) و(رجب) و(الشيخ الأمين ود مسمار ود عجيب والذي هزم (سلطان الجيوش).
- وحرب المسبعات 1160ه (1747).
- خراب أربجي على يد (شيخ الأمين ود مسمار) في سنة 1198 وقد أورد تاريخ ملوك السودان: فلما بلغ (شيخ الأمين) ان أهالي «أربجي» هم الذين سعوا في شياخة (بادي) أخيه توجه إلى (الشكرية) وأحضرهم معه وهجم بهم على مدينة (أربجي) فأهلك مقاتليها وما بقى تفرق على الجهات وتركها قاعاً صفصفاً.. ومن وقتها خربت إلى يومنا هذا».
وليس بعيداً عن (العنف الدموي) صراع الأمين ود مسمار مع المك ناصر والذي انتهى إلى فصل الأول في ود بانقا ولقد سجلت ابنة الأمين رقية شيئاً من تلك المواجهات في (الهلالية).
- كانت (السلطنة الزرقاء).. على الرغم من بدايات تأسيس لثقافة جديدة وانصهار اعراق عديدة.. وملامح دولة.. إلا انها كانت بحراً من صراع دموي.. توالى على أيام الاتراك.. وينهمر سيولاً من عنف وعنف مضاد.. في (المهدية).. انتهت إلى أشرس عنف عرفه تاريخ السودان وافريقيا في 2 سبتمبر 1898 في معركة كرري، كما وصفها سير ونستون تشرشل في حرب النهر.
- وليس بعيداً عن ذلك حركة التطور السياسي والاجتماعي في (دارفور) منذ نشأتها وإلى مقتل (السلطان علي دينار) في عام 1916: ويبدو كتابيَّ (محمد عمر التونسي) والرحالة الألماني (ناختينقال) مناسبين تماماً.. لوصف صراع السلطة والثروة ويكفي فقط أن نشير للصراع الذي أعقب وفاة السلطان تيراب بين أخيه عبد الرحمن وأولاده وما تمخض عنه بعد ذلك من تداعيات خطيرة.
ملاحظات غير عابرة:
(1) - الأخ الخضر هارون
- الأستاذ الكبير تاج السر عثمان الحاج
- الصديق العزيز البروفيسور عبد الله حمدنا الله
- الأستاذ ربيع حسن أحمد مركز دراسات المستقبل
هل تبدأون (مشواراً علمياً) في دراسة الظاهرة..
(2) ماذا ترون في هذه الصفات: اللي رجال بهديل/ دابي الكواني الضارب الليّه، أب درق المدشح كلو بالسوميت/ سيفك في غضاريف الرجال أروى/ البي كفو سوى الفوت/ سموك ميتة الفجعة ونهار الح/ البجري نسيبتو والبيقف سجموا - جدري المشمومة الزول شنقوا عديل/ الدابي العشاري - المتل الشرار عيني/ الكازاك وين يطير شقياً صادق نكير.. وأضيفوا.. وحللوا.. وأجيبوا..
هل بالامكان أن نقرأ تاريخنا وتداعياته.. بصورة صادقة وصحيحة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.