الناشر: رؤية للنشر والتوزيع 2006 هذه هي الترجمة العربية لكتاب صدرت طبعته الاولى عام 1994م والثانية عام 1996 بعنوان Representation of the Intellectual وقد ابدع الناقد المفكر ادوارد سعيد.. وكانت محطة الاذاعة البريطانية (بي . بي .سي) قد عرضت عليه تقديم (محاضرات ريث) لعام 1993م، وعلت الاحتجاجات باعتباران ادوارد سعيد من المناضلين النشطين في سبيل الحقوق الفلسطينية (وهو ما يسلبني في رأي تلك الجوقة الحق في الحديث من اي منبر يتمتع بالرزانة والاحترام، ولم تكن تلك الا الحجة الاولى في سلسلة الحجج غيرالعقلانية والمعادية للمنطقة معاداة واضحة صريحة، وكانت المفارقة انها تؤيد ما اقول به في محاضراتي عن دور المثقف في الحياة العامة باعتباره اللا منتمي او الهادي الذي يعكر صفو الحالة الراهنة. وامثال هذه الانتقادات تكشف في الواقع عن الكثير من سمات نظرة البريطانيين الى المثقف.. ولا انكر ان الصحفيين قد ينسبون مواقف غير صادقة للجمهور في بريطانيا.. ولكن كثرة تكرار الاعراب عن هذه المواقف يمنحها قدرا ما من المصداقية الاجتماعية، وقد علق احد الصحفيين المتعاطفين معي على المحاور المعلنة لمحاضرات ريث - اي صور تمثيل المثقف، قائلا انه موضوع ابعد ما يكون عن روح الانجليزية فكلمة المثقف بالانجليزية قد تعني (المفكر) وقد ترتبط بعبارات مثل (البرج العاجي) واثارة السخرية او الاستهزاء. وقد اكد هذا الاتجاه في التفكير ما ذكره المرحوم دايموند ويليامز في كتابه (كلمات اساسية).. قائلا: (ان الكلمات الانجليزية التي تعنى المفكرين والصبغة الفكرية وطبقة المفكرين كانت ذات دلالات تحط من قدرها، وقد ظلت هذه الدلالات سائدة حتى منتصف القرن العشرين، والواضح ان هذه الدلالات لا تزال قائمة.. ومن المهام المناطة بالمثقف او المفكر ان يحاول تحطيم قوالب الانماط الثابتة والشخصيات الاختزالية التي تفرض قيودا شديدة على الفكر الانساني، وعلى التواصل ما بين البشر. وقد خصص ادوارد سعيد الفصل الاول لصور تمثيل المثقف - وضرب مثلا بالمفكر الايطالي قرامشي الذي تخصص في فقه اللغة ثم اصبح من العاملين بتنظيم حركة الطبقة العاملة الايطالية، كما اصبح في كتاباته الصحفية من كبار المحللين الاجتماعيين ذوي التأملات العميقة الواعية، ولم يكن غرضها يقتصر على بناء حركة اجتماعية بل يتعدى ذلك الى تشكيل ثقافي او فكري كامل مرتبط بهذه الحركة. وعند قرامشي ان المثقفين ينقسمون الى نوعين : المثقفون التقليديون مثل المعلمين والكهنة والاداريين والنوع الثاني يسميه قرامشي المثقفين المنسقين وهم الذين يرتبطون مباشرة بالطبقات اوالمشروعات التي تستخدم المثقفين في تنظيم مصالحها ، واكتساب المزيد من السلطة والمزيد من الرقابة.. وهكذا فإن منظم العمل الرأسمالي يأتي الى جانبه بالمعنى الصناعي...وبالمتخصص في الاقتصاد السياسي، وبمن يتولون تنظيم ثقافة جديدة ووضع نظام قانوني ...الخ. ونجد التعريف الاشهر والمختص به الذي وضعه جوليان بندا للمثقفين باعتبارهم عصبة ضئيلة من الملوك الفلاسفة من ذوي المواهب الفائقة والاخلاق الرفيعة الذين يشكلون ضمير البشرية. ولكنني لا اشك، شخصيا على الاقل، في ان صورة المثقف الحقيقي التي رسمها بندا عموما سوف تظل صورة خلابة غلابة وهو يورد كثيرا من النماذج المقنعة ، الايجابي منها والسلبي.. وفي الفصل الثاني (استبعاد الامم والتقاليد) .. ويقول ادوارد ان الاحوال قد تغيرت منذ ان قال بندا ان المثقفين او المفكرين يعيشون في (فضاء كوني) لا تحده الحدود القومية ولا الهوية العرفية) ويعلق ادوارد سعيد ان السرعة المذهلة في الانتقال والاتصال اوجدت وعيا جديدا بما جرى العرف على الاشارة اليه باسم الاختلاف والغيرية.. ويأخذ ادوارد سعيد حديث جورج اورويل عن اللغة في مقاله السياسة واللغة الانجليزية اذ يستشهد باستشراء القوالب الجاهزة او اكليشيهات، والاستعارات المستهلكة، والكتابة التي تنم عن الكسل الذهني قائلا انها من الادلة على تدهور اللغة، ونتيجة لاستخدام هذه وامثالها يصيب الذهن نوع من الخدر يجعله مستقبلا سلبيا في الوقت الذي تتدفق فيه ألفاظ اللغة، وتؤثر في السامع تأثير الموسيقى الخفيفة للمعزوفة في الخلفية في السوبر ماركت، اذ تغسل الوعي وتغويه بالقبول السلبي لافكار ومشاعر لم يفحصها او يختبر صحتها احد..! كان ما يشغل اورويل ويقلقه في ذلك المقال الذي كتبه عام 1946م، هو قيام السياسيين من مثيري الدهماء بانتهاك اذهان الانجليز خلسة اذ يقول ان (اللغة المستخدمة في السياسة ، وهذا يصدق مع بعض التنويعات ، على جميع الاحزاب السياسية من المحافظين الى الفوضويين- ترمي الى ان تكسو الاكاذيب ثوب الصدق، فتجعل القتل العمد يبدو عملا جديرا بالاحترام، وتظهر الهواء الخالص بمظهر الجسم الصلب.. والمشكلة اكبر من ذلك.. ونستطيع ضرب امثلة نوضحها من ميل اللغة اليوم الى تفضيل العام والجماعي والمشترك... وسوف نجد في الصحافة ادلة تثبت هذا... فكلما ازدادت قوة الصحيفة، وازداد نطاق توزيعها.. وازداد ايحاء اسمها بالثقة ازداد احساس القاريء بأنها تمثل جماعة اكثر من مجرد مجموعة من الكتاب المحترفين والقراء، والفرق بين صحيفة نيويورك تايمز، واية صحيفة مصورة مصغرة، رخيصة هو ان الاولى تطمح ان تكون (بل وتعتبر بصورة عامة) الصحيفة القومية التي يرجع اليها، ومقالاتها الافتتاحية لا تقدم فقط آراء عدد محدود من الرجال والنساء...!