آخر تصريحات المسئولين تؤكد ان الحكومة ستستمر على موقفها من القرار ( 2046)، وهو الموقف الذي سيتعامل مع القرار الاممي خشية المواجهة مع المجتمع الدولي لكنه لا يسلم في ذات الوقت بكل ما في ذلك القرار من جوانب، ومنها ما يتصل بالجلوس للتفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة الحلو وعرمان. الا ان تقبل مجلس الامن لنوايا الحكومة المعلنة من تجزئة القرار الاممي ليس مضمونا، وقد يفهم موقف الحكومة من الامر على انه تعنت يتقصد تفريغ مجمل القرار من محتواه، ومراوغة لوضع العربة امام الحصان، مما قد يؤدى لعواقب وخيمة تنسحب آثارها على البلاد بأكملها. والشاهد ان مجمل التصريحات الحكومية يعزز من فرضية حدوث ذلك، ويقع في الاطار ما قاله وزير الخارجية كرتي بالامس عن ان الحكومة لا يمكن ان تدخل لتفاوض دولة الجنوب فيما تبقى من قضايا عالقة قبل ان تنحى الملف الامني مع جوبا جانبا، مشيرا ان الجنوب ما يزال يأوى ويدعم ويسلح مقاتلي الجبهة الثورية التي يقودها عقار وتقود بدورها حربا ضد الخرطوم في جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق. كما لا يخفى ان وزير الخارجية كان يلمح الى ان تلك الجبهة تضم حركات دارفور المسلحة الابرز والاكثر فاعلية وهى العدل والمساواة وتحرير السودان جناحي مني اركو مناوي وعبد الواحد نور، وهو ما لا يترك مجالا للحكومة كما يقول وزير خارجيتها للتراجع عن اشتراطاتها المسبقة لدخول التفاوض. فك الإرتباط الا ان مراقبين يقولون ان فك الارتباط ،الذي تطلبه الحكومة، بين دولة الجنوب والجبهة الثورية التي يقودها قطاع الشمال اضحى امرا مشكوكا به في هذا التوقيت، لذا فإن تماسك الموقف الحكومي هذا في ظل اتجاه دول العالم لدعم تطبيق قرار مجلس الامن وفرض التفاوض على الطرفين، قد يعقد مسار البحث عن حلول للقضايا العالقة، قبل ان يجلب للخرطوم السلام والاستقرار الذي تنشده على الحدود، وفي انحاء دارفور. وهذا ما يذكر بنداءات داخلية انطلقت قبل صدور القرار تحذر من ما قد يجلبه الفشل الوطني في معالجة العلاقة مع الجنوب، وتسوية الازمات بجنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور، فضلا عن استدعاء الاشارات الهامة التي وردت في خطاب للنائب الاول لرئيس الجمهورية على عثمان طه بعد استعادة هجليج، والتي تمحورت حول قناعة الحكومة وحزبها بأهمية استصحاب الآخرين في المرحلة المقبلة. مكامن الخطورة وربما كان هذا من مسوغات الاعلان الحكومي بالاتجاه الى تكوين آلية للتعامل مع تبعات القرار (2046) فور صدوره، وهو الاعلان الذي لم يتنزل لارض الواقع حتى الآن، برغم ما تستشعره القوى السياسية من خطورة لهذا القرار على مستقبل البلاد، وهي الخطورة التي يبين ل» الصحافة» مكامنها في جوانب القرار المختلفة الامين العام لحزب الامة القومي الدكتور ابراهيم الامين، بالاشارة الى تأثيراته النافذة على كافة مجريات الامور في السودان، ومنها ابطاله لقرارات اتخذها رئيس الجمهورية، فضلا عن تطرقه بوضوح لمواقف واولويات لحكومة السودان « مواقف مختلفة ومعارضة لها»، واشار الامين العام لحزب الامة الى ان القرار تجاهل مطالب الحكومة بوقف العدائيات ولم يذكرها، كما انه تحدث في المقابل عن ضرورة وقف القصف الجوى، وطالب الحكومة بعملية تفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال رجوعا الى اتفاق نافع عقار الاطاري، وهو الاتفاق المرفوض من قبلها. وتابع الدكتور ابراهيم الامين ، في حديثه ل» الصحافة»، بالايماءة لما سببه صدور القرار(2046) من «ربكة» تابعها الجميع داخل مؤسسات الدولة بدت واضحة للعيان في تباين التحليلات والقراءات لنتائجه في كل من وزارة الخارجية والرئاسة والمجلس الوطني، ولفت الامين العام لحزب الامة في هذا الاطار لواقعة في برنامج على التلفزيون الرسمي، حيث اظهر ثلاثة من منسوبي الخارجية تناقضا واضحا في فهم القرار وكيفية التعامل معه، وخطورة ما بدا من تناقض بين الثلاثة بحسب الدكتور ابراهيم الامين يعود لان ابطالها كل من مندوب السودان في الاممالمتحدة وسفيره في واشنطون وسفير مقيم بالخارجية، وهو ما لا يتفق وانتمائهم لوزارة من المطلوب ان تكون واجهة للدبلوماسية في البلاد، وان لايكون هنالك تعارض بين ما يصدر عن منسوبيها، في مجال لا يقبل الجدل لانه يرتبط بمصير السودان، ويقطع الامين العام لحزب الامة القومي بان كل ذلك يؤكد غياب الاستراتيجية الوطنية المتفق عليها في مواجهة قضايا البلاد الكبرى، وهو الامر الذي عده الدكتور الامين «مخجلا ومربكا». ولهذا فان الامين العام لحزب الامة يشدد في حديثه ل» الصحافة» على ان هذه القضية» ليست بقضية الحكومة او حزبها المؤتمر الوطني فحسب، وانها قضية السودان باكمله وبمختلف مكوناته واحزابه ومجتمعه المدني وقواه الحية»، واستنادا على ذلك يطالب الدكتور ابراهيم الامين بان تطرح كقضية تهم كل مواطن سوداني، لانها ذات صلة وتأثير جم على مستقبل البلاد وعلاقاتها بدول الجوار والعالم، واضاف الامين العام لحزب الامة: لكل هذا يجب ان يدار حولها حوار يتسم بالشفافية المطلقة والمشاركة الواسعة، ذلك بهدف الوصول الى استراتيجية بعيدة المدى تعبر بصدق عن تطلعات الشعب السوداني، وتمتلك آلية تملك قدرة التحدث مع الآخر على المستوى الاقليمي والدولي بخطاب واحد، لا لبس يكتنفه ولا غموض يشوبه، ورهن الدكتور ابراهيم الامين بين تحقيق ذلك المطلب والوصول الى هذا الهدف، وبين اقدام الشعب على الالتفاف حول الحكومة في هذا الموقف وتضامنه ودفاعه عن الارض بكل غالي ونفيس. الفشل الدائري ولا يختلف موقف الحزب الشيوعي السوداني عن ذلك كثيرا، فقد طرح الحزب حسبما اشار ل» الصحافة» ناطقه الرسمي يوسف حسين مطالب محددة ابان تفجر النزاع في الولايتين، باشراك القوى السياسية في حل المشكلة، وذلك لان الحزب اصبح على يقين من عدم قدرة الطرفين على حل الخلافات لوحدهما بمعزل عن الآخرين، ويقول يوسف حسين ان «الفشل الدائري» هذا لم يكن من سبيل لتجاوزه الا باتساع الصورة لتشمل الجميع. ولكن الحزب الشيوعي يقول الآن على لسان حسين انه يرحب بعودة الطرفين الى الحوار، حتى وان لم يسمحا بمشاركة الآخرين معهما على الطاولة، وذلك ايمانا من الشيوعي وهذا ايمان من الشيوعي كما يشدد حسين، باهمية الحوار وحتميته لمعالجة القضية في الولايتين المضطربتين، بيد ان الناطق باسم الشيوعي يؤكد ايضا ل» الصحافة» على ضرورة اشراك الجميع في الطاولة لاعتبارات مختلفة اولا لضمان ان يكون الحوار اكثر فائدة ،وثانيا لانه مرتبط باقرار السلام والاستقرار ومستقبل ما تبقى من السودان. ويقول المحلل السياسي الدكتور حمد عمر الحاوى ان اكبر اخطاء « الانقاذ» انفرادها بالتعامل مع ملف الجنوب، وان نتاج ذلك الخطأ الكبير كان انفصال الجنوب، اذ ان الانفصال لم يأتِ كما يؤكد الحاوى الا بعد أن انفردت «الانقاذ» بتمثيل الشمال فيما فعلت الحركة الشعبية المثل وادعت انها تمثل جميع اهل الجنوب، معتبرا ان الطبيعة الثنائية الاقصائية لهذا الاتفاق هي من قادت فيما بعد في سلاسة الى تعقد مسار تطبيقه والى تفجر الاشكالات المتعلقة بالتنفيذ. ويطالب الدكتور حمد الحاوى الحكومة اتساقا مع ذلك بوعي دروس الماضي وتأمل مخرجات التجربة السابقة، فيما مقبل عليها وعلى السودان من تبعات للقرار (2046)، وبخاصة قضية قطاع الشمال في الحركة الشعبية، وتابع: لا ارى ما يمنع اشراك كل القوى السياسية الفاعلة في عملية الحل، ذلك لان الحكومة سبق وقد اعلنت عن نيتها اعلان آلية قومية للتعامل مع تبعات القرار، الا انها قد سكتت عن الامر ولم تتحرك لانفاذه برغم ما يمثله من اهمية لانه يعيد القضية الى موقعها الاصل على الطاولة الوطنية. وفي هذا السياق اعتبر كثيرون ان مقالات د. غازى صلاح الدين الداعية «روحا لا نصا» لاقرار حل وطني تشارك فيه جميع المكونات مؤشرا بين لاستعداد الحزب الحاكم لاشراك الآخرين في رحلة البحث عن حلول وطنية، بخاصة فيما يتعلق بوضع الحركة الشعبية قطاع الشمال على الخارطة السياسية المحلية، وكيفية تسوية اوضاع ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق. لكن ما يحدث على ارض الواقع لا يدلل على مساعى حكومية لتوسيع دائرة الحوار حول هذه القضايا، رغم اعلان القوى السياسية استعدادها لذلك، وربما هذا ما دفع بمساعد الرئيس جعفر الميرغني الى اعلان مبادرته الخاصة بالحوار الوطني فقد دعا نجل مولانا الميرغني الى مؤتمر جامع لحل القضاية العالقة وعده المخرج الوحيد من الازمة، غير ان لا احد قد اعلن عن تجاوبه مع مساعد الرئيس صاحب المبادرة لا على جبهة الحكومة ولا احزاب المعارضة. فالمؤتمر الوطني من جهته قال ل» الصحافة» ان مبادرة نجل الميرغني لم تصله حتى الآن، واشار ناطقه الرسمي الدكتور بدرالدين ابراهيم الى ان المبادرات المطروحة اعلاميا كان يجب ان يتم ايصالها للاطراف مكتوبة لدراستها والبت فيها، معربا عن ترحيب حزبه باي مبادرات تطرح في هذا الصدد. الحرب وتوابعها لكن المؤتمر الوطني على ارض الواقع يتجاهل ما تطرحه القوى السياسية من اجتهادات في سبيل لملمة تلك القضايا ومعالجتها، ومن ذلك ما طرحه المكتب السياسي للحزب الشيوعي في اجتماعه الاخير، فقد دعا الى ايقاف السياسات الحربية وتوابعها، ومن تلك التوابع حالة الطوارئ المعلنة في بعض المناطق ومدعاها ب» الهجمة على الحريات»، ويعتقد الحزب الشيوعي ،بحسب ناطقه الرسمي يوسف حسين، بان الشعب السوداني يغلب خيارات الحوار والتفاوض لحلحلة الازمة في الولايتين وان معالجة تلك التوابع اولا مدخل مناسب لانطلاق عملية الحوار الجاد والمثمر، وتابع يوسف : ربما يكون حديث الخارجية عن تسوية الملف الامني بداية صحيحة، لكن كيف نصل لتلك المعالجة من غير تفاوض وحوار؟ اولم يصل الطرفان العام الماضي لاتفاق اطارئ « نافع عقار» في ظل هدير الحرب!، لا بديل عن الحوار والتفاوض ولابد من تسوية القضايا السياسية اولا. في ملعب الحكومة ويبدو ان الكرة لازالت في موضعها على ملعب الحزب الحاكم، فما قد تكون المعوقات التي قد تمنع من جلوس القوى السودانية الحية لتدارس آفاق الحلول القومية، طالما بادرت الحكومة بداية باعلان اعتزامها الامر عند صدور القرار، وعبرت القوى السياسية من جهتها عن رغبتها الحثيثة في ذلك. يذهب الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم الدكتور بدر الدين ابراهيم الى التأكيد اولا على ان المؤتمر الوطني لا ينفرد بالتداول حول هذه القضية، وانه يتشارك مع الاحزاب المنضوية في الحكومة الامر، ثم يضيف بدرالدين» المبدأ العام عندنا اتاحة الرأى في القضايا الكلية»، الا ان ناطق المؤتمر الوطني عاد ليقول: لكن لا يمكن ان نذهب للمعارضة كحكومة ونناقشها في تفاصيل من صميم عمل الحكومة، بخاصة وان الرؤية فيها واضحة تماما. ويرى الدكتور بدرالدين ابراهيم ان الاصل في الموضوع هو التقاء الحكومة والمعارضة في القضايا الكلية عبر اطار المسلمات التي لا حيدة عنها، راهنا لجوء الحكومة الى القوى السياسية المعارضة او عامة الناس، بحاجتها خلال التعاطي مع المفاوضات لرأى او اجماع حول قضية ما، وتابع ناطق المؤتمر الوطني قائلا « لا يمكن ان نجرى استفتاءً شعبياً حتى نتوصل لقرار ما، فالحكومة تمثل الناس وتتحمل مسئولياتها في ادارة الدولة». بيد ان المحلل السياسي الحاوى يعود ليجدد بان قضية اشراك القوى السياسية والمكونات المختلفة المعنية في هذا الظرف امر في غاية الاهمية، معربا عن قناعته ل» الصحافة» بان قضية الحرب والسلام في الولايتين ليست بقضية المؤتمر الوطني، ولا الاطراف المختلفة في الولايتين محل الخراب، قائلا بانها قضية وطن يجب ان يمكن كل السودانيين من المشاركة في حلها ومعالجتها. ولا يرى الدكتور الحاوى في المبررات المبذولة لابعاد القوى السياسية الفاعلة عن الامر من وجاهة، معتبرا ان تكثيف الحديث عن انقسام القوى السياسية وتضارب رؤاها، يحوى شيئا من المبالغة، مستدلا على موقفها من « هجليج» حيث خرجت كما يشير بمختلف الوانها لتقف مع الحكومة التي تعارضها صفا وطنيا واحدا، ويضيف المحلل: هذا الموقف انموذج توضيحي بان الخلافات بيننا مهما بلغ شأوها لن تحول دون توحدنا حول الوطن، وتابع : لكن المطلوب لانجاح هذا التوحد الآن ارادة حكومية في اشراك الآخرين وتقديم تنازلات لا يمكن تجاوز الازمة بغيرها، وان على المؤتمر الوطني دفع ثمن هذا التوحد، والا فإنه لن يأتى الا بحل منفرد لن يكون بأفضل من حلها المنفرد الذي ادى بالجنوب للانفصال.