حالة طوارئ أُعلنت هذه الأيام في كثير من منازل المغتربين بالسعودية، وبعض دول الخليج العربي، حيث تجرى امتحانات نهاية العام الدراسي، وسط اهتمام كبير بتحصيل اعلى الدرجات «نسأل الله تعالى أن يوفقهم جميعاً».. وما أن توضع آخر ورقة في الامتحانات حتى تبدأ رحلة اخرى نحو وكالات السفر، والاسواق لشراء الهدايا للأهل والاحباب، وان كانت هذه الهدايا ستنخفض هذا العام تبعاً لانخفاض الجنيه السوداني، وسيفضل الكثير من المغتربين ان يشتري هداياه ان اراد من الاسواق السودانية. المهم خلال اقل من شهر تبدأ العودة الى الوطن لتمضية إجازة الصيف، وربما صيام شهر رمضان للذين يتمتعون بإجازات طويلة.. وعند وصول معشر المغتربين إلى مختلف مدنهم وقراهم تبدأ المقارنات بين الخدمات التي كانوا يتمتعون بها في ديار الاغتراب والخدمات التي تقدم لهم داخل وطنهم، وهي مقارنات مرهقة للبون الشاسع بين دول الخليج العربي وبلادنا المستنزفة بالحروب والنزاعات التي لا تهدأ، فمقارنة الطرق والجسور وامداد الكهرباء والخدمات الصحية كلها أمور متعبة، فنحن مازلنا في مربعات بعيدة، على الرغم مما حدث من نقلات كبيرة في بلادنا لجهة الخدمات الاجتماعية والبنيات الاساسية، وهي اذا أبعدت من المقارنات ربما تكون مرضية.. خاصة أن الدولة تمضي في تنفيذ كثير من المشروعات الحيوية في مجالي «النفط والزراعة والصناعة»، حيث ستدور قريباً ماكينات مصنع سكر النيل الأبيض، وستمدد بحسب وزير الطاقة عوض الجاز أنابيب جديدة لحقول اضافية، فيما تجتهد ولاية الخرطوم في توفير الخضروات والدواجن. كل هذه جهود مقدرة، ولكن أن يعاني الناس عدم وجود ماء صالح للشرب فهذه قضية خطيرة، ولعل ابناء المغتربين الذين عنهم نتحدث سيرفعون مبيعات مياه الشركات العاملة في هذا المجال، خاصة في القرى البعيدة عن المركز التي تعود اهلها ان يشربوا كدراً وطيناً. الغريب والمدهش أن منطقة كالجزيرة يعطش اهلها صيفاً في حين يجري على جناحيها «الأبيض والأزرق»، وأمر توفير المياه فيها أسهل من اطفاء حريق هجليج الذي أشعله جيش دولة الجنوب، وأهون من تمديد خط أنابيب جديد، وأقل كلفةً وجهداً من الحصول على برنامج تشغيل مصنع سكر النيل الأبيض. فنحن في حاجة لترتيب الأولويات، أليس من أولويتنا أن يشرب شعبنا ماءً نقياً؟ عموماً المقارنات المرهقة خاصة لصغار أبناء المغتربين لن تهدأ حتى يعودوا مرة اخرى لأرض الاغتراب، وهو أمر لا يسعد أي إنسان، فوطننا مهما بلغت به المتاعب لا بد أن نعود إليه يوماً، لنستقر بصغارنا وكبارنا، ويبقى «العشم» في قياداتنا أن تعمل من أجل غدٍ أفضل لكل أهل السودان الذين أبدعوا في الصبر على الابتلاءات.